Share Button

صبري الحصري

نوح عليه السلام، هو من نسل نبي الله إدريس عليه السلام، وقد ولد بعد وفاة آدم بعشرة قرون أو أجيال، وقد بعثه الله تعالى لما وقع الناس في الضلالة والكفر، وعبدوا الأصنام والطواغيت، فكان أول رسول بعث إلى أهل الأرض، وهو من أولي العزم من الرسل، وقد أفرد القرآن الكريم مساحات متعددة للحديث عن قصة نوح عليه السلام، ونتناول قصته باختصار وبتصرف من كتاب قصص الأنبياء لابن كثير.
بعث الله نوحاً عليه السلام، وكان نبياً ورسولاً وعبداً شكوراً، يحمد الله في كل شأنه، ويعبده بجميع الطاعات القلبية والقولية والعملية، وقد أرسله الله إلى قومه لينذرهم من عاقبة انحرافهم وكفرهم بالله، وراح يدعوهم لعبادة الله وحده، وترك عبادة الأصنام التي لا تنفع ولا تضر، وتحرك نوح لدعوة قومه بكافة أساليب الدعوة، فراح يتحدث معهم في أوقات الليل والنهار، وبأسلوب الدعوة في السر أحياناً وفي العلن أحياناً أخرى، وبالترغيب تارة والترهيب أخرى.
رفض القوم دعوته، واستمروا في الكفر وعبادة الأصنام، ونصبوا العداوة لنوح، واتهموه بالضلال والجنون، وهددوه بالرجم والإخراج، ونالوا منه وآذوه كثيراً.
لم ييأس نبي الله من دعوة قومه، فقد كان ذو همة وعزيمة، فراح يدعوهم بالمنطق والعقل والبرهان على وحدانية الله، وأنه غفار لمن يتوب ويستغفر، ويجزي المستغفرين الأموال والأولاد والجنات والأنهار، وقال نوح: ألم ترو كيف خلق الله سبع سماوات طباقاً، وجعل القمر فيهن نوراً وجعل الشمس سراجاً، والله أنبتكم من الأرض نباتاً، ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجاً، والله جعل لكم الأرض بساطاً، لتسلكوا منها سبلاً فجاجاً.
واستجاب لنوح عدد قليل من ضعفاء القوم، بينما ازداد عناد قومه وسادتهم، وراح نوح يذكرهم بأنه رسول من رب العالمين، وأنه على الحق وليس به ضلالة، فكذبوه وقالوا: إنك بشر مثلنا، وما نراك اتبعك إلا أراذلنا ومن ليس لهم رأي، ولا نرى لك علينا من فضل، فقام نوح بسلسلة حوارات إقناعية، فقال نوح: يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي، وقد بعثني بالنبوة والرسالة رحمة بكم، هل أملك أن أجبركم على الاستجابة وأنتم لها كارهون؟، بالطبع لا، ياقومي هذه دعوة من أجلكم أنتم، ولم أطلب منكم أجراً على هذه الدعوة، وأنا صريح وواضح معكم، لم أدعي أنني أملك خزائن، أو أعلم الغيب، أو كوني ملك، فأنا عبد ورسول.
طلب القوم من نوح أن يطرد الضعفاء الذين آمنوا معه حتى يفكروا في الاستجابة لدعوته، فقال نوح: لا أملك طرد مؤمن من عبادة ربه، وما لي شأن بضعفهم أو بما يفعلون، فمن سيحاسبهم الله تعالى، مهمتي هي إبلاغ دعوة الله وإنذار الناس من غضب الله وعقوبته.
تطاول الزمان والمجادلة بين نوح وقومه، واستمر فيهم نحو 950 عاماً، لكن لم يؤمن معه إلا القليل، وساءوا الأدب مع نوح، فكان كلما تحدث معهم، جعلوا أصابعهم في آذانهم حتى لا يسمعوه، وغطوا أعينهم بثيابهم حتى لا يروه، وازدادوا في استكبارهم وعنادهم، وقالوا: يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين، ووصل الأمر بهم أنه كلما انقرض جيل وصوا من بعدهم بعدم اتباع نوح، وكان الوالد إذا بلغ ولده وعقل وصاه بألا يتبع نوح أبداً، فأصبح الكفار لا يلدون إلا كفاراً، بينما القلة المؤمنة ما زالت قليلة ولم يعد يؤمن معهم غيرهم.
شعر نوح بالكرب العظيم من عدم استجابة قومه، وبما يفعله الآباء من توريث أبناءهم الكفر، وبعدم استجابة أحد أبناءه لدعوته واتباعه للكفار، فرفع يديه شاكياً إلى الله من اتهام قومه له بالكذب، وقال: رب انصرني عليهم، ودعى الله أن يهلك الكفار ولا يدعهم يورثوا الكفر للأجيال التالية، وأوحى الله إلى نوح أنه لن يؤمن قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون، وأننا نعم المجيبون لدعاءك.
وأمر الله نوحاً أن يجمع أخشاب الأشجار ويصنع سفينة كبيرة استعداداً لنزول العقاب، ولا يكلمه بعد ذلك عن قومه الظالمين، وبدأ نوح في صناعة سفينة عظيمة، عالية الارتفاع وكبيرة الطول، وكلما مر عليه ملأ من قومه استهزأوا به وقالوا: أين العقوبة التي وعدتنا بها يانوح، هل هذه السفينة هي العقوبة؟، فقال نوح: إن كنتم تسخرون منا فنحن نسخر من كفركم بالله الذي يوقع بكم العقوبة، وسوف ترون بأعينكم من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه العذاب المقيم.
انتهى نوح من صنع السفينة كما أمره الله تعالى، وأوحى الله إليه أن ينتظر منه الأمر بتحميل السفينة، ودله على علامة بدء تنفيذ هذا الأمر وهي فوران المياه من التنور (العيون)، ولما جاء أمر الله وفار التنور، بدأ نوح في تحميل السفينة بالمؤمنين وقد كانوا قلة، وكذلك حمل فيها من الحيوانات والطيور من كل زوجين اثنين، ونهاه الله عن ركوب أي كافر في السفينة فقد سبق حكم الله بغرق كل الكافرين على وجه الأرض، جزاءً لما ارتكبوا من معصية الله ونبي الله نوح، وركب أهل بيت نوح إلا أحد أبناءه رفض الركوب.
ازداد فوران المياه من العيون والتنانير، وهطلت أمطار شديدة من السماء، وارتفع منسوب المياه شيئاً فشيئاً وبدأت تتحرك السفينة فقال نوح: سبحان الذي سخر لنا هذا، وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون، بسم الله مجريها ومرساها، وفي المقابل كانت البيوت وباقي سكان الأرض يغرقون، ولا تزال سيول المياه تتدفق وتنهمر من كل جهة، وارتفعت الأمواج لمسافات عالية كالجبال، لكن السفينة تجري برعاية الله وحفظه، وحمد نوح الله قائلاً: الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين.
رأي نوح ابنه في مكان معزول فناداه: يابني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين، فرفض وقال سآوي إلى أعلى الجبل ليحميني من الماء، فقال نوح: يابني لا عاصم اليوم من أمر الله، وبينما هم كذلك جاءت أمواج عاتية فصلت بين نوح وابنه، فقال نوح: رب إن ابني من أهلي، فقال الله له إنه ليس من أهلك، إنه ممن سبق عليهم القول بالهلاك.
غطت المياه أرجاء الأرض وهلك القوم الكافرين، ثم أمر الله السماء أن تقطع ماءها وتتوقف عن هطول الأمطار، وأمر الأرض أن تشرب المياه التي غطتها، فانخفض منسوب المياه شيئاً فشيئاً، وقال نوح: رب أنزلني منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين، واستوت السفينة واستقرت على جبل يدعى “الجودي” وقيل بعداً للقوم الظالمين.
بدأت الحياة على الأرض طوراً جديداً بعد الطوفان، فلم يبق على الأرض غير المؤمنين، وجعل الله ذريتهم هم الباقين، وبهم استمر النسل وتواتر الخلائف، وجعل الله هذه الحادثة العظيمة آية للعالمين، وكيف كانت عاقبة المنذرين.
Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *