Share Button

بقلم ابراهيم عطالله قبل أسابيع قليلة لم يسمع البشر بكورونا، فجأة ودون أي مقدمات، أصبح الكورونا أشهر نجم إعلامي في العالم، وحول نشرات الأخبار المحلية والعالمية الى نشرات كورونية، وما اجتمع شخصان وتحدثا إلا وكان الكورونا ثالثهما، أما الجوالات التي يحملها مليارات البشر فاصبحت مشغولة دائماً برسائل ومعلومات وفيديوهات ونكات كورونية الى درجة أن أحد اصحاب الجوالات قد زعم أن جواله غير سلوكه الالكتروني بسبب كورونا فبدلاً من أن يرن عند استقبال أي رسالة كورونية أصبح يعطس اتشوو!
نفذ كورونا أكبر انقلاب عالمي ناجح في التاريخ البشري فقد فرض كورونا حظر تجول عالمي وفرض اقامة جبرية عالمية بالمنازل على مليارات البشر وقلب سلوكيات العمل والتعليم فلا عمل بمكتب ولا تعليم بمدرسة ولا اجتماع قمة بقاعة فقد أصبح هناك عمل من على البعد ، تعليم من على البعد، اجتماع من على البعد وتشييع جنازات من على البعد بل أجبر الخوف من كورونا أحد الحلاقين الصينيين على حلاقة رأس الزبون من على البعد بعصاة طويلة ثبت على رأسها ماكينة حلاقة ولسان حاله يصيح: ابعد من الشر وغني له!
قال طبيب هندي بمنتهى الجدية إن فيروس كورونا هو فيروس مؤدب وابن ناس ولديه عزة نفس وذو سلوك محترم فهو لن يأتي اليك في عقر دارك ولن يصيبك طالما ظللت مختبئاً داخل منزلك ولم تخرج منه لكن كورونا سوف يصيبك ويخرج عينيك من محجريهما ويقطع الهواء عن رئتيك إذا خرجت وقابلته في الشارع أو السوق فهو شديد العدوانية سريع الانتشار خارج الدار، ولذلك فإن افضل نصيحة طبية في الوقت الراهن هي الزم بيتك ولا تخرج الى الشارع بتاتاً فكورونا المتربص في الخارج قابع على عتبة باب دارك وهو في انتظارك!
بسبب الخوف من كورونا غير الأطفال سلوكهم الغذائي فاقلعوا عن تناول ساندويتشات البرجر والهامبرجر من مطاعم الوجبات السريعة وأصبحوا يأكلون الأطعمة الشعبية المنزلية التي كانوا يقاطعونها في الماضي وأصبح لسان حال كل طفل يقول: لقد أدبني الكورونا أكثر من أمي وأبي فقد حبسني بالمنزل واجبرني على تناول طعام الجدات والاجداد واجبرني على غسل يديّ بالماء والصابون عشر مرات في اليوم، أما الأزواج فهم متذمرون من الاحتباس المنزلي الى درجة أن أحدهم علق قائلاً : كلما مرت زوجتي أمامي اسمعها تقول: اللهم ارفع البلاء، ولا أعرف هل هي تقصدني أنا أم تقصد الكورونا؟!
اقتحم كورونا المجال الأدبي والمجال الفني وأثر في كل السلوكيات الادبية والفنية فقد احتل عناوين المقالات بكل اللغات وظهرت للوجود دعايات واغنيات ورقصات كورونية بل أن إحدى عاشقات المسلسلات العربية والاجنبية قد زعمت أن مسلسلات رمضان 2020 ستأتي بعناوين كورونية مثل مسلسل الكمامة الضائعة، العشق في الحجر الصحي، ولن اعطس في وجه أبي!
تذمر أحد هواة التسوق من سوء سلوك كورونا وقال أمراض زمان كانت كلها خير وبركة فعند ظهور مرض جنون البقر أصبح سعر اللحمة ارخص من الخيار وعند ظهور مرض انفلونزا الطيور أصبح سعر الدجاجة أرخص من سعر الجرجير، أما الكورونا فلم يرخص أي شي بل كلفنا بدفع ثمن الكمامات!
لم تتمكن قوات الشرطة ولا الجيش من فض المظاهرات الثورية المطالبة باسقاط الحكومات في لبنان والعراق، ولكن كورونا أنقذ تلك الحكومات وفض المظاهرات وأجبر المتظاهرين على الاختباء في منازلهم بسبب سلوكه المرضي العنيف بل أن كورونا قد أجبر الثوار السودانيين على تغيير شعاراتهم فظهر شعار الطلقة ما بتقتل بقتل سلام الزول! الحل في شنو، الحل في العزل!
كشف كورونا بسلوكه الاقتحامي المخيف زيف الادعاء بتقدم الخدمات الصحية في أوربا والولايات المتحدة الأمريكية بعد أن شاهد العالم كله النقص الهائل في الأجهزة والمعدات الطبية في ما كان يسمي بالدول المتقدمة وبذلك ساوى الكورونا بين جميع الدول فلا فرق بين الولايات المتحدة الامريكية والصومال ولا فرق بين ايطاليا وبوركينا فاسو وبذلك حطم الكورونا المعيار السياسي الدولي الذي كان يقسم الدول الى عالم أول وعالم ثالث فجميع الدول في نظر كورونا مجرد دول متخلفة مرتعبة لا تقوى على مواجهة كورونا ذلك الفيروس الميت الذي أصبح أكبر مهدد لحياة جميع البشر على كوكب الأرض!
زعم الرئيس الأمريكي ترامب أمام العالم كله أن دواء هيدروكسي كلوروكين، وهو علاج للملاريا شائع الاستخدام في السودان، هو افضل علاج للكورونا فشرب زوجان امريكيان فوسفات كلوروكين المستخدم لعلاج الأسماك من الفطريات فتوفي الزوج في الحال وقبعت زوجته في غرفة العناية المركزة وهي معلقة بين الحياة والموت فاذا كان من حق الرئيس الامريكي أن يفتي في المسائل الصحية الحساسة قبل وزير الصحة فلماذا نلوم بعض مشعوذي الشرق الأوسط الذين زعم بعضهم أن أفضل علاج للكورونا هو كأس واحد فقط لا غير من خليط الليمون والعسل!
يزعم البعض أن كورونا شر مطلق فهو مسبب لأكبر عدد من الاصابات والوفيات البشرية ومقيد لكل الحريات الشخصية ومسبب لاضخم الخسائر المالية العالمية، لكن آخرين يعتقدون أن خير كورونا يفوق شره بكثير فهو قد رفع مستوى النظافة وسلامة الغذاء وحظر السلوكيات السيئة كارتياد مقاهي الشيشة وقلل حوادث السيارات وخفض التلوث البيئي والغى الاجتماعات غير الضرورية وفرض العودة الاجبارية للتلاحم الأسري!
أخيراً وليس آخراً، فقد قلب كورونا قواعد الإثبات الجنائي رأساً على عقب، ففي الماضي كان هناك افتراض قانوني عالمي للبراءة مفاده أن أي متهم بريء الى أن تثبت ادانته بدون أي شك معقول، فجاء السيد كورونا ونسف ذلك الافتراض القانوني العالمي فقد أصبح المصاب بالانفلونزا العادية متهماً بالكورونا حتى لو ثبت العكس! وشطح الكورونا ونطح وأتى بجرائم جديدة لم يُسمع بها من قبل، فقد أعلن مدير الإدعاء العام البريطاني أن أي مصاب كوروني يقوم بالعطس في وجه أي شرطي أو موظف طوارئ سيعتبر مرتكباً لجريمة اعتداء ويعاقب بالسجن لمدة سنتين بسبب سلوكه الاجرامي، وهكذا ولأول مرة في التاريخ البشري، أصبحت العطسة الواحدة جريمة كورونية مكتملة الاركان!

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *