Share Button

د. محمود محمد علي 
مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

يعد مشروع الشرق الأوسط الكبير، المشروع الرابع الذي قدمته الإدارة الأمريكية، في ظل إدارة بوش الابن، خلال ولايته الأولى والثانية، حيث سبق هذا المشروع ثلاثة مشروعات، الأول منها حول رؤية بوش لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بإقامة دولة فلسطينية، تعيش جنباً إلى جنب مع دولة إسرائيل. وقد تضمنت خطة الطريق التي صاغتها اللجنة الرباعية، معالم هذا الحل، أما المشروع الثاني، فيتعلق بإنشاء منطقة تجارة حرة بين الولايات المتحدة الأميركية والشرق الأوسط في غضون 10 سنوات، أما ثالثها، فيختص بنشر الديمقراطية في المنطقة.
وفي إطار الترتيب الزمني لهذه المشروعات، جاء مشروع الشرق الأوسط الكبير، الذي يشمل الدول العربية، بالإضافة إلى إيران وتركيا وأفغانستان وإسرائيل، وفي بعض القراءات آسيا الوسطى، لكي يبدو كما لو كان تتويجاً لهذه المشروعات، وتطويراً لمضمونها، وتأمين تعدد الأطراف الإقليمية والدولية، سواء تلك التي تتبنى هذا المشروع، أو تلك البلدان المستهدفة به.
وقد اعتقدت الإدارة الأميركية أنها برؤية الدولتين كحل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وفق تصور بوش، قد أبطلت مفعول الذريعة العربية المتمحورة حول تسوية القضية الفلسطينية، وأنها بذلك تمهد الطريق لانخراط الدول العربية في المشروع الأميركي حول الشرق الأوسط الكبير.
ورغم أن معالم هذا المشروع معروفة على نطاق كبير، إلا أنه لا بأس من التذكير بخطوط هذا المشروع العريضة في السياق الحالي، حيث استند هذا المشروع إلى تلك النواقص التي شخصها تقريرا التنمية البشرية لعام 2002، 2003 في الواقع العربي الراهن، والتي تتمحور حول الحرية والمعرفة وتمكين المرأة والنسبة المرتفعة للأمية، وضعف المشاركة السياسية.
واستناداً إلى هذا النواة من المعطيات والمؤشرات، حدد المشروع أهدافه، وأهم هذه الأهداف الأهداف السياسية ، والتي تتمثل علي النحو التالي :-
1- إعادة رسم الملامح والخصائص السياسية في دول المنطقة كي تصبح أكثر ديمقراطية وانفتاحاً وفق زعمهم ، باعتبار أن ذلك يشكل ضمانة أمريكية هامة لعدم تكرار أحداث سبتمبر ، كذلك الحيلولة دون ظهور أي تيارات أو قوى سياسية مناوئة للولايات المتحدة فكرياً وأيديولوجياً .
2- يرمى مشروع الشرق الأوسط الكبير إلى استيعاب الصراع العربي الإسرائيلي، دون أن يجد حلاً بين الفلسطينيين والإسرائيليين من ناحية ، وبين الإسرائيليين والعرب من ناحية أخرى، فيلغى كل القرارات الدولية ذات الشأن المتعلقة بالانسحاب الإسرائيلي من الجولان ومن مزارع شبعا، ومن الأراضي الفلسطينية المحتلة ، ويفرض التطبيع على العرب وكذلك التوطين، باعتبار أن حدود الشرق الأوسط تتسع لاستيعاب الفلسطينيين، وتفتح الحدود أمام كل دولة على رأسها إسرائيل، كما تستوعب موضوع الاحتلال الأمريكي للعراق ويشرعه، باعتبار أن الشرق الأوسط الجديد، يجب أن يكون مجرداً من أسلحة الدمار الشامل، وأن الديمقراطية التي تسعى الولايات المتحدة إلى نشرها في العالم العربي سيكون العراق نموذجاً لتعميمها على معظم دول الشرق الأوسط .
3- تعزيز النفوذ الأمريكي في السيطرة على العالم، كجزء مكمل لمشروع القرن الأمريكي ، وتوفير أدوات وخيارات جدية لاحتواء الصين وروسيا عند الحاجة، ومحاولة إقامة نظام دولي جديد لا يقوم على المنافسة الأوربية الأمريكية في المنطقة العربية والإسلامية ، إنما يخلق واقعاً جديداً، يقوم على مفاهيم ذات عناوين واحدة، ويؤكد قيادتها للتحالف الرأسمالي وإظهار اصطفاف الدول خلفها .
4- فضلاً عن هذا فإن مشروع الشرق الأوسط الكبير، يهدف في الأساس إلى إذابة الهوية العربية في مزيج متعدد الجنسيات والاثنيات، يجمع بين العربية، والفارسية، والتركية، والإسرائيلية، والأفغانية، ثم الباكستانية، للخروج بمنتج غير متجانس الشكل والمضمون، والهدف من وراء ذلك، هو تسهيل فرض السيطرة الأمريكية على الدول العربية والإسلامية الكبرى، كهدف استراتيجي حيوي لها في هذه المرحلة، إضافة إلى ما تقدم، فإن تزكية ودعم محور إسرائيل وتركيا، سوف يمكن من تفعيل استراتيجية احتواء إيران، عن دول الخليج العربي، والتي تعتبر من المنظور الإيراني مجاله الحيوي، هذا مع تحفظ وحيد على ما سلف، وهو حتمية نجاح الولايات المتحدة في إخضاع العراق لسيطرتها وبصورة مطلقة .
5- إعادة رسم الخريطة السياسية لدول المنطقة، لإعلاء الدولة القومية على أسس طائفية، أو قومية، أو حتى قبلية، والقضاء على كل شيء من شأنه إحياء قومية الوطن العربي الواحد، وإقامة علاقات تعتمد على الثنائية مع الدول العربية فرادى، وبما يحقق أولوية المصالح الأمريكية على المصالح العربية ، ويخدم ولا يتعارض مع أولوية تعزيز الأمن الداخلي للولايات المتحدة .
6- إشغال الرأي العام، الشعب والنظم العربية والإسلامية بقضية الإصلاحات المفروضة عليهم لإبعادهم مادياً وفكرياً عن القضايا الرئيسية، مثل الصراع العربي الإسرائيلي، ومأساة الشعب الفلسطيني، وفى نفس الوقت تمثل سيفاً على رقاب الدول العربية غير الديمقراطية، لإخضاعهم للرؤية الأمريكية المرتبطة بتلك القضايا .
7- احتراق المجتمعات العربية والإسلامية ، بإعلاء ثقافة الفرد والمجتمع ضد ثقافة الدولة، بما يعنى إثارة الشعوب ضد النظم الحاكمة، أو المؤسسات المدنية ضد المؤسسات الرسمية، لإضافة الهوية والولاء والانتماء. وهذا ما حدث فعلاً عندما اندلعت ثورات الربيع العربي، وما زالت في العديد من بلدان العالم العربي وذلك منذ عام 2010م، ومطلع عام 2011 م ، واستمرارها حتى وقتنا الحالي .
8- العمل على مهاجمة الدولة من أسفل ، أي من الداخل من خلال الاتصال المباشر مع الطوائف والمذهبيات، والأحزاب السياسية، وأجهزة الدولة الأمنية ، كالجيش، والقوى الداخلية ؛ بحيث يتم بناء علاقات مع الأقليات، والاثنيات، والأحزاب والشخصيات المؤثرة في داخل الدولة، على أساس شد الأطراف وجذبها، ثم بترها (80) ؛ بمعنى مد الجسور مع الأقليات، ثم جذبها إلى الخارج، حتى تصبح الأقلية ذريعة للتدخل الخارجي ، مما يؤدي إلى غضب الدولة المركزية ومكوناتها ، فتندفع الأقلية أكثر طلباً للحماية باتجاه الخارج ، فيتم تشجيعها على الاستقلال ، هذه هي سياسة الولايات المتحدة وإسرائيل التفتيتية ، التي تعمل على تعزيز دور الدولة في دول الشمال ، بينما تعمل على إضعاف دور الدولة وتفتيتها في دول الجنوب، أو الأطراف، وخاصة في دول منطقة الشرق الأوسط .
9- لقد سعت الولايات المتحدة الأمريكية، ومنذ أحداث 11 سبتمبر 2001م، إلي خلق نظام عالمي جديد، وعلي كل المستويات، تعيد من خلاله رسم وتحديد مناطق النفوذ، بما يضمن استمرار مصالحها، وإدامة هيمنتها، وبقدر تعلق الأمر بالمنطقة العربية، لم يعد خافياً أن الولايات المتحدة الأمريكية تهدف من وراء سياستها تفكيك الدول العربية، وإعادة تركيبها بإنشاء دويلات عربية ضعيفة، قائمة علي أساس مذهبي عرقي، طائفي، وقومي، وهذا ما يقتضيه مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي أطلقه الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش بعد أحداث سبتمبر 2001 الذي تحدث فيه عن ضرورة التغيير، والإصلاح السياسي، والاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط، بما فيها المنطقة العربية، فضلاً عن إنشاء محاور، وتحالفات جديدة، وفقاً لمعايير جديدة تتوافق مع هذه الأهداف .

Share Button

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *