Share Button

د. فيصل عبيد العيان
يشكل ملف عودة المقاتلين ضمن تنظيم داعش من سوريا والعراق وليبيا أحد المصادرالمحتملة لعدم الاستقرار في كثير من دول العالم خصوصا الأوربية، الجميع يدفع اما بسحب الجنسية او طلب محاكمتهم في العراق وهي محاولة للابتعاد عن سيناريو عودة المقاتلين من افغانستان والعراق والشيشان والبوسنة وكوسوفو، حتى لا يعيد التاريخ نفسه. وتم فرض اجراءات رقابية مشددة على كافة المنافذ الاوربية بالتحديد للحد دون تسلل المقاتلين من والى المناطق المتوترة او ذات النزاعات والحروب. وهناك جهود كبيرة حاليا لرصد أنشطة شبكات التجنيد والتهريب والعمل على تفكيكها خاصة انها تعتبر اداة تساهم بعودة المقاتلين الى بلدانهم وذلك لوجود علاقة منظمة او شبة منظمة بين عصابات التهريب وبين تنظيم داعش.
الاستجابة الامنية السريعة في التعامل مع العناصر الارهابية واحباط عملياتهم وان اضطرت قوات مكافحة الارهاب لاستخدام القوة المفرطة، لا شك انه عامل مؤثر جدا في التعامل مع التنظيمات او الذئاب المنفردة. الرسالة يجب ان تكون واضحة، الامن بمنظومة رادعة ومتماسكة قادر على قطع الطريق والوصول في اللحظات المناسبة. كما يتطلب حرمانهم من الملاذ الآمن جهود كبيرة ومتنوعة على عدة محاور منها منع الانتشار في اماكن تقل فيها سلطة القانون ونفوذ الدولة او مناطق لا يصلها الدعم الاقتصادي والاجتماعي الحكومي او مناطق غير مأهولة. ويجب على الدول خلق إطار متماسك وأكثر حداثة للتعايش بين الفئات المختلفة والطوائف وغرس القيم الوطنية في افراد المجتمع وبث عقيدة الامن مسؤولية الجميع.
المؤسسات العقابية أيضا يجب ان تقوم بعزل المقاتلين في دور خاصة بهم ومنع اتصالهم بمن حولهم، حتى لا تصبح هذه الدور مركزا لصناعة التطرف والتحول الى ايدلوجيات ارهابية عنيفة. فالتنظيمات دائما ماكانت تبحث عن ساحة للاستقطاب والتجنيد لأعضاء يبحثون عن حياة مغايرة وقيمة مختلفة وسعي نحو الانتقام بعنف. بالتالي أصبحت المؤسسات العقابية المكان الامثل لخلق جيل جديد يغلو من التطرف ويتولى اعادة تفعيل المنظومة خلال مفارز أمنية وذئاب منفردة. كما على الدول بشكل عام مراجعة القوانين المتعلق بالاجهزة الامنية والشرطية وتطوير عملية التوافق بين مختلف الأجهزة العاملة في هذا النطاق. فذئاب هجوم جسر لندن تم تعليق التحقيق معهم قبل الهجوم بشهرين لعدم وجود أدلة كافية لتوجيه التهم ووجود خلل في الأنظمة القانونية وبعد الافراج عنهم قاموا بتنفيذ الهجوم، وذلك لعدم تبادل المعلومات بشكل كاف ما أدى إلى سهولة حدوث تلك العمليات، أما محمد بوهلال التونسي المولد المقيم في فرنسا كان معروفاً لدى أجهزة الأمن والشرطة الفرنسية، ولكنه كان مجهولاً بالنسبة لأجهزة الاستخبارات الفرنسية، ولضعف التنسيق بينهما لم يتم إطلاع أجهزة الاستخبارات عليه وتم اكتشاف ذلك بعد ان نفذ عمليته الارهابية.
المركز الدولي لمكافحة الإرهاب في لاهاي في 2018 ذكر ان 57% من الذئاب المنفردة هم من ذوي ماض إجرامي ولديهم سجلات لدى أجهزة الشرطة. كما تم ملاحظة أن الذئاب المنفردة تقوم قبل تنفيذ اي عملية بايقاف اتصالات الهاتف والابتعاد عن شبكات التواصل الاجتماعي وتشفير وسائل الاتصال الإلكتروني وبعضهم ربما يقوم بالسفر لاغراض سياحية خارج الدولة من اجل التمويه على الأجهزة الأمنية. وذكر تقرير المركز الدولي أن 73% من مجموع المنفذين لعمليات إرهابية في اوربا عام 2017 من مواطني تلك الدول و14% ممن يتمتعون بأقامة دائمة فيها او وفدوا اليه من بلد مجاور، أما نسبة الاجئين بين المنفذين فلم تتجاوز 5% ومايعادل 6% تسللوا بشكل غير شرعي الى الدولة. وطبقاً لدراسة معهد واشنطن لأبحاث الشرق الأوسط لعام 2018 هناك نوعان من الذئاب المنفردة، النوع الأول الذي تقوده دوافع نفسية فقد يكون الشخص يعاني تحديات عائلية، أو وظيفية، أو مجتمعية، فيقوم بالانتقام من محيطه أوبحثا عن الشهرة. أما النوع الثاني وهو الأكثر خطورة وانتشاراً فيكون ذا توجهات عقائدية أو أيديولوجية أو قومية وهو ما اثبتته التحقيقات الشرطية والقضائية في مثل هذه الحوادث. لذلك هناك حاجة ماسة لبنك معلومات من النوع الأمني عن هذه النوعية من الأشخاص في المجتمع والذين يمتلكون مواصفات خاصة، كل من لديه تاريخ اجرامي او تعاطي المخدرات أو تورّط في أنشطة ذات صلة بالإرهاب ولو كانت تحريض أوتمويل أو إيواء أوكان عضوا أو تواصل ولو لمرة واحدة بأحد التنظيمات الإرهابية وخاصة العائدون من سوريا والعراق وليبيا والجناح العسكري لتنظيم الإخوان المسلمين وتصنيف كل منهم باعتباره ارهابيا محتملا وبالتالي وضعه تحت المراقبة الدائمة من قبل اجهزة مكافحة الارهاب. فإعداد قاعدة بيانات مركزية عن كل من هو إرهابي محتمل يعتبر عامل مساعد للأجهزة الأمنية والقضائية لدرء الخطر قبل وقوعه.
ويجب منع ظهور الدعاة المتطرفين في وسائل الاعلام او في المساجد والتجمعات العامة ومواجه ظاهرة الكتب العشوائية التي تباع على الارصفة وحرمان التنظيمات من فقهاء التطرف والإرهاب، بالتالي الحد من قدرات المنظمات الإرهابية إلى أبعد مدى ممكن. ففقهاء التطرف يقدمون التبريرالعقلي الإيديولوجي للعمليات الإرهابية وهنا لابد من قطع الروابط (الأيديولوجية واللوجيستية وغيرها) بين التنظيمات والجماعات الإرهابية المحلية وبين الارهاب العالمي وحرمان الجماعات الإرهابية من الملاذات الآمنة خاصة وأن عددا ليس بالقليل من فقهاء الارهاب يقيمون أو أقاموا في الغرب ويتلقون دعما رسميا أو من جهات أخري تساعدهم على أداء مهامهم في نشر الفكر المتطرف، كأبوقتادة وابوحمزه وعمر بكري وللأسف كلهم وجودوا الحرية في بريطانيا مساحة خصبة لنشر الفكر المتطرف ولتجنيد الشباب للإنضمام إلى صفوف التنظيمات الإرهابية. وهناك تقارير أخرى تشير الى أن المراكز الدينية في اوربا ومن خلال نشاط تنظيم الاخوان المسلمين وغيرها من التنظيمات أصبحت دور لخلق جيل أخر من المتطرفين.
وعلى الأجهزة الحكومية مراقبة شبكات التواصل الاجتماعي والتي تعتبر وسيلة لبث الأوامر والتواصل بين الجماعات. ومن هنا هناك فرصة كبيرة جدا للأجهزة الأمنية لتحديد هوية الإرهابيين وتعطيل أنشطتهم، وتشير بعض التقارير الأمنية أن 60% من منفذي الهجمات المنفردة ما بين 2015 و2017 نشروا معلومات أولية عبر وسائط التواصل الاجتماعي تشير إلى نواياهم، وأن 95% من المنفذين استخدموا وسائل التواصل الاجتماعي مرة واحدة على الأقل قبل تنفيذ الهجوم وأن 60% منهم نشروا معلومات تشير إلى نيتهم تنفيذ الهجوم. وتوحي الأرقام أن رصد وتحليل نشاط وسائل التواصل الاجتماعية بذكاء ربما يساعد في الوصول إلى الذئب المنفرد خلال مرحلة التخطيط او الاعداد للهجوم، وبالتالي وقف الذئب المنفرد قبل أن يتمكن من تنفيذ عمليته وهذا يتطلب أدوات خاصة من فئة الثورة الصناعية الرابعة كالذكاء الصناعي ومجموعة من التشريعات التي تعطي مرونه للأحهزة الأمنية في صد أي عملية قبل وقوعها. كما يجب تفعيل التحالف المعلوماتي التي تم التوصل لها في اكتوبر 2014 بين الولايات المتحدة الامريكية وعدد من الدول الاوربية والعربية لتنسيق الجهود من اجل مواجهة تنظيم داعش الكترونيا عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ويجب أيضا مواجهة حجج الارهابين والمتطرفين على المواقع الالكترونية والرد عليها حجة بحجة سواء كانت دينية أو سياسية أو اقتصادية أو ثقافية أواجتماعية أوعسكرية أو أمنية وغيرها، وذلك من خلال خبرات متخصصة في كل مجال من هذه المجالات. فلو كانت حجة الارهابي مثلا اقتصادية يرد عليها اقتصادي ولو كانت دينية يرد عليها رجل دين، ومهمة هذا الجيش الالكتروني تفنيد ودحض الحجج التي يقوم عليها التحريض الارهابي سواء من داعش او القاعدة او الاخوان أو شخص اخر والتحذير منه ومن أثاره على المجتمع وعلى من يقوم به. وأفضل الأصوات التي يمكن الاعتماد عليها هم الارهابيون السابقون أوغيرهم ممن كان لديهم احتكاك مباشر مع المجموعات الارهابية او كانوا ضمن التنظيمات او الخبراء المستقلين خارج المنظومة الحكومية، وهنا نحب ان نشير لجهود ديفيد فالات الفرنسي، كان جزء من تنظيم القاعدة والذي يكرس وقته الان في محاربة الأفكار المتطرفة.
كما يجب تنفيذ استراتيجية إعلامية باستخدام أدوات الاعلام التقليدي والغير تقليدي في مواجهة الحملات الإعلامية التي تنفذها التنظيمات او الدول الحاضنة لها وتقديم اعلام وطني بديلا يخاطب كل من المواطن العادي والعقل الارهابي الباحث عن المغامرة واثبات الذات بأفكار دينية وسطية وبشكل آخر ومقنع وتطوير تناول الإعلام للشأن الديني. بالإضافة الى استخدام ادوات الاعلام في مهاجمة الأسس الإيديولوجية للتطرف والارهاب واظهار فسادها بهدف فض ساحة الأنصار الي ابعد حد ممكن. ويجب تعرية أفكار قيادات تلك التنظيمات وبيان مدى خطورتها حتى لو كانت تزعم انها معتدلة، ولابد أن ‬يفهم المجتمع تلك الحقائق وان حسن البنا وقطب والقرضاوي ليس دعاة للإصلاح وانما دعاة إرهاب. ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

Share Button

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *