Share Button

لا تحركه نوازل ولا تزلزله زلازل

بقلم د. صالح وهبة

يعيش الإنسان المؤمن دائما في سلام مع النفس ، مطمئنا بداخله ، فلماذا يخاف وهو شاعر أنه في حماية قائد عظيم لهذا الكون الفسيح ؟ فهو يعيش في حالة قبول ورضا مع كل مايحدث من خير أو شر ، لأنه راكب طائرة يشعر بثقة كاملة في قائدها الذي لا يمكن أن يخطيء أبدا، فعلمه ومهاراته بلا حدود ، تفوق الوصف ، يقودها في كل الظروف المناخية ، ويجتاز بها العواصف والحر والبرد والجليد والضباب ، ومن فرط ثقة الراكب في قائدها يستلقي على مقعد الطائرة وينام وهو في اطمئنان لا يهتز ولا يرتجف إذا تعرضت الطائرة لمطبات هوائية أو ترنحت في منعطف أو مالت نحو جبل ، فهذه الأمور كلها لها حكمة وتحدث بإرادة القائد وعلمه ، فكل شيء يجرى بتدبير وما يحدث فهو يحدث بتقدير، لذلك الراكب يسلم نفسه تماما لقائده متمددا في مقعده قرير العين ، ساكن النفس.

هذا هو إحساس المؤمن بربه الذي يقود سفينة المقادير ويدير مجريات الحوادث ويقود الفلك الأعظم ويسوق المجرات في مداراتها في مطالعها ومغاربها ، كل في مداره بنظام دقيق وهندسة كونية عجيبة تفوق العقل البشري .

المؤمن لا يخاف أبدا من الابتلاء ،فاذا أصيب بمرض وعجز عنه الأطباء ، قال في نفسه : ربنا موجود .. مسيرها تنتهي ، واذا احترقت زراعته من الجفاف،يشكر الله ويقول : كله للخير وأن الله سوف يعوضه ، واذا أفلست تجارته قال : الحمد لله ، لعل الله قد علم أن الغنى سوف يفسدني ، وأن مكاسب الدنيا ستكون ضرر لي في الآخرة ، واذا مات عزيز لديه قال الحمد لله ، فالله أولى بنا من أنفسنا .

لا مدخل لوسواس على قلبه ولا هاجس على نفسه ، دائما مشغول بذكر الله ، قلبه يهمس .. الله.. الله .. مع كل نبضة فلا يجد الشيطان محلا ولا موطيء قدم ولا ركن مظلم في ذلك القلب يتسلل منه، يرى بنور بصيرته أن الدنيا دار امتحان وبلاء ، وأنها ممر وليست مقر وأنها ضيافة مؤقتة ، شرها زائل وخيرها زائل وأن الذي يصبر فيها إلى المنتهي فهذا يخلص ويغلب ، قلبه لا تحركه نوازل ولا تزلزله زلازل ، لأنه في مقعد الصدق .

هذا الإنسان المؤمن (كل الامراض النفسية الي يتكلم بها الأطباء النفسيون) لها عنده أسماء أخرى . . الكبت اسمه تعفف ، الحرمان رياضة ، الخوف (من الله) عاصم من الزلل ، الإحساس بالذنب تقوى ، الشهوة درجات سلم يصعد عليها بقمعها ويعلو عليها بكبحها إلى منازل الصفا النفسي والقوة الروحية ،
والأرق مدد من الله لمزيد من الذكر ، والليلة التي لا ينام فيها نعمة تستدعي الشكر وليست شكوى يبحث فيها عن منوم فقد صحا فيها إلى الصلاة ، الآلام بأنواعها جسدية أو نفسة تعد اختبار له من الله، اليأس والحقد أمراض نفسية لا يعرفها ولا تخطر على باله، الغل والثأر والانتقام مشاعر تخطاها بالعفو والصفح والمغفرة ، المشاعر النفسية السائدة عنده هي المودة والرحمة والصبر والشكر والحلم والرأفة والوداعة والسماحة والقبول والرضا ، هذه هي دولة المؤمن التي لاتعرف الأمراض النفسية ولا الطب النفسي.

الأصنام المعبودة مثل المال والجنس والجاه والسلطان تحطمت ولم تعد قادرة على تفتيت المشاعر وتبديد الإنتباه ، انقشع ضباب الرغبات وصفت الرؤية ، وهدأت الدوامة وساد الاطمئنان وأصبح الإنسان املك لنفسه وأقدر على قيادتها وتحول من عبد إلى حر ، تحرر من الخوف وأصبح الموت في نظره تحرر وانطلاق من هذا الجسد البائد إلى حياة أبدية سعيدة .

اختلفت النفس وأصبحت غير قابلة للمرض وارتفعت الى هذه المنزلة بالإيمان والطاعة والعبادة وأصبح اختيارها هو ما يختاره الله ، وذابت الأنانية والشخصانية في تلك النفس فأصبحت أداة عاملة ومنفذة لإرادة ربها ، وهذه النفس المؤمنة لا تعرف داء الاكتئاب فهي على العكس ، نفس متفائلة تؤمن بأنه لا وجود كرب مادام هناك رب ، وان باب الرجاء مفتوح على مصراعيه مادام المرجى والقادر حي لا يموت .

النفس المؤمنة دائما في دهشة من آيات القدرة الإلهية حولها ، من ابداع البديع الذي تراه في العوالم من المجرات الكبرى الى الذرات الصغرى الى الالكترونات المتناهية في الصغر الى الجوائح التي لا ترى بالعين المجردة مثل فيروس كورونا الذي حير العالم بأسره .

نسأل الله العلي القدير أن يعطينا نعمة الإيمان وأن يهبنا قلبا نقيا ينبض دائما بالمحبة والخير والتسامح .. وأن نردد دائما هذه العبارات .. ربنا موجود .. كله للخير .. مسيرها تنتهي .

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *