Share Button

بقلم:

رافع آدم الهاشميّ

………

هيَ كارولين لويز فلاك، مُذيعة وَ مُقدَّمة برامج تلفزيونيَّة وَ مُمثلة سينمائيَّة بريطانيَّة، من برامجها التلفزيونيَّة على سبيل المثال الواقعيّ لا الحصر: (أَنا مِن المشاهير) وَ ( الهروب من جزيرة العقرب) وَ (عامِل إِكس).

تصدَّرَتْ عناوين الصُحُف البريطانيَّة سنة (2011) وَ هي تناهز الـ (32) عاماً مِنَ العُمر.

بتاريخ (14/12/2019) تمَّ اتِّهامها قضائيَّاً بالاعتداء على صديقها (لويس بورتون) لاعب التنس السابق، على أَنَّها أَصابتهُ إِصاباتٍ مُتفرِّقةٍ؛ نتيجة ضربها إِيَّاه بالمصباح الكهربائيّ عندما كانت هيَ في شقَّته في كانون الأَوَّل الماضي، وَ قد قامت الشرطةُ حينها باعتقالها وَ عثروا عليها مع صديقها (لويس) البالغ من العُمر (27) عاماً وَ هُما مُلَطّخينِ بالدِّماءِ؛ بعدَ أَن اعتدَت عليهِ (كارولين) خلال نومه وَ كسرَت كأَساً مِمَّا تسبَّبَ في إِصابتهِ أَيضاً، وِفقاً لتصريحٍ أَدلت بهِ الْمُدّعية القانونيَّة (كيتي ويس)، فيما نفَت هيَ (أَيّ: كارولين) التُهمة الموجَّهة إِليها، وَ كان مِنَ الْمُقرَّر أَن تتمّ مُحاكمتها بتاريخ (4/3/2020) القادم.

وُلِدَت في لندن بتاريخ (9/11/1979) و توفّيت فيها بتاريخ (15/2/2020) عن عمر يناهز الـ (41) عاماً؛ حيثُ عُـثِرَ على جُثــِّتها في شقّتها بالعاصمةِ البريطانيَّةِ ذاتها، وَ قد أَكّدت مُحاميةٌ لعائلتها أَنَّ كارولين قد انتحرت، وَ ذلك بعد ليلةٍ واحدةٍ من ذكرى (يوم القدّيس فالنتين) أَو ما يُسمَّى بـ (عيد الْحُبّ) أَو (عيد العُشّاق) الّذي يُصادف يوم (14) من شهر شباط (فبراير) في كُلِّ سنة، وَ احتراماً لها أَلغت قناة (آي تي في) الثانية حلقةً من برنامجها (جزيرة الْحُبّ) وَ الّتي كان مِنَ الْمُقرَّرِ أَن تُعرَضَ على شاشةِ القناةِ في يوم وفاتها.

سؤالٌ يطرَحُ نفسَهُ على طاولةِ البحث، هُوَ:

– امرأَةٌ مشهورَةٌ ذاتُ جَمالٍ وَ أَناقةٍ وَ رشاقة، تعيشُ في حظوةٍ يحسدها عليها الكثيرونَ عامَّةً وَ الكثيراتُ خاصَّةً، لماذا تُقرِّرُ تركَ كُلِّ هذهِ الْمُميِّزاتِ وَ الامتيازاتِ بانتحارها الْمُفاجئ هذا؟!!!

التقاريرُ الّتي تمَّ تداولها خلال السَّاعات الماضية الّتي أَعقبَت انتشارَ خبر انتحارها، تحدَّثت عن مصادرٍ مُقرَّبةٍ إِلى المرأَةِ الجميلةِ الأَنيقةِ (كارولين)، قائلةً: أَنَّها كانت تعيش حالةَ ضياعٍ؛ بسببِ اقتراب موعدِ مُحاكمتها، وَ كانت تعاني مِنَ القلقِ وَ الاكتئابِ الْمُستمرِّينِ، وَ تشعرُ بالأَسى وَ الحُزن إِزاءَ التقارير المتعلّقة بحادثةِ اتِّهامها.

الكثيرونَ مِمَّن يعرِفُ كارولينَ عَن كثب، أَو حتَّى مِمَّن يعرفُها عَن بُعدٍِ، ينصبُّ اهتمامُهم على شيءٍ واحدٍ فيما يتعلّقُ بهذهِ المرأَةِ الجميلةِ، أَلا وَ هُوَ:

– ماذا وراء انتحار كارولين فلاك؟

هُم يتساءلونَ:

– هل حقَّاً قد أَقدَمَت هيَ على الانتحار؟!

– أَمْ أَنَّها قد تعرَّضت لجريمةِ قتلٍ مُتعمَّدٍ وَ تمَّ تغطيةُ الجريمةِ على أَنَّها حادثةُ انتحار؟!!

بالنسبةِ لي، فإِنَّ نظرتي إِلى السؤالِ المذكورِ في أَعلاهُ، تختلِفُ كُليَّاً عن نظرةِ جميعِ هؤلاءِ الكثيرينَ أَيَّاً كانوا وَ أَينما كانوا؛ فأَنا أَسأَلُ السؤالَ ذاتهُ إِنَّما مِن زاويةٍ إِنسانيَّةٍ بحتةٍ لا علاقةَ لها بحيثيِّاتٍ جنائيَّةٍ تخصُّ حادثةَ مفارقتها الحياة، بل: لهذهِ الزاوية ارتباطٌ وثيقُ الصِلةِ بمشاعرِ الإِنسانِ تجاهَ أَخيهِ الإِنسان، فأَنا أَسأَلُ السؤالَ وفقَ الشكل التالي:

– ماذا وراء انتحار كارولين فلاك أُختي في الإِنسانيَّة؟

هذهِ المرأَةُ الجميلةُ، قبلَ أَن تكونَ امرأَةً مشهورةً، هيَ إِنسانٌ مثلي وَ مثلك أَنت تماماً، لها ما لنا مِنَ المشاعرِ ذاتها، جميعنا نحنُ الثلاثةُ (هي وَ أَنا وَ أَنت) نبكي إِذا جُرِحَت أَحاسيسُنا، وَ نضحكُ إِذا سَمِعنا مُزحةً قويَّةً تــُثيرُ فينا الضحكَ لا محالة، وَ نفرَحُ إِذا مَرَّ بنا موقِفٌ سعيدٌ أَو مَررنا بهِ، وَ نتأَلَّمُ إِذا تعرَّضنا لوعكةٍ صحيَّةٍ أَيَّاً كانت، وَ نــُساعِدُ مَن يُحتاجُ إِلى مُساعدتِنا حينَ يطلبها مِنَّا بعدَ أَن كُنَّا عن احتياجهِ لنا غيرَ عارفين، نحنُ الثلاثةُ نأَكلُ وَ نشربُ وَ نقرأُ وَ نكتبُ وَ نعملُ وَ نُمارِسُ نشاطاتنا الْمُعتادَة وَ… نموت!

هكذا نحنُ الثلاثةُ معاً، وَ هكذا نحنُ البشرُ جميعُنا دُونَ استثناءٍ!

– ما الّذي يعنيهِ هذا؟

الّذي يعنيهِ هُوَ: أَنَّ الأَشخاصَ المشاهير (الْمُبدعونَ وَ الْمُبدعاتُ)، بغضِّ النظرِ عن مجالِ إِبداعهِم، سواءٌ كانَ في الأَدبِ أَو الصحافةِ أَو السينما أَو التمثيلِ أَو في أَيِّ مجالٍ آخرٍ في مجالاتِ الإِبداعِ قاطبةً، هؤلاءِ الأَشخاصُ (رجالاً وَ نساءً، ذكوراً وَ إِناثاً) جميعُهم يمتلكونَ ما يمتلكهُ البشرُ جميعاً مِن مُتطلّباتِ الفطرةِ الإِنسانيَّةِ السّليمةِ، وَ بالتالي: فإِنَّهُم مُعرَّضونَ للضغوطِ النَّفسيَّةِ أُسوةً بغيرهم من غيرِ المشاهير، سواءٌ بسواءٍ، وَ ليسَ للظروفِ الحياتيَّةِ الّتي تُحيطُهم أَيَّ تأَثيرٍ في تشكيلِ تداعياتِ هذهِ الضغوط النَّفسيَّةِ أَيَّاً كانت؛ إِذ أَنَّ الّذي يتحكّمُ في هذهِ التداعياتِ هُوَ داخلُ الإِنسانِ لا خارجُهُ، وَ الظروفُ المحيطةُ هيَ خارِجُ الإِنسانِ لا داخلهِ!

– مرَّةً أُخرى: ما الّذي يعنيهِ هذا؟؟

يعني: أَنَّ الّذين يجحدونَ هؤلاءِ المشاهيرِ وَ يحسدونهم وَ يحقدونَ عليهِم لِمُجرَّدِ أَنَّهُم وصلوا إِلى هذهِ المكانةِ مِنَ الشُهرةِ الّتي هيَ تحصيلٌ حاصِلٌ طبيعيٌّ لإِبداعاتهم، إِنَّما هُم يظلمونَ هؤلاءِ المشاهيرِ وَ يُسيئونَ إِليهم إِنسانيَّاً بما يُخالِفُ الفِطرةَ الإِنسانيَّةَ السّليمةَ الّتي فطرنا اللهُ تعالى عليها، مِمَّا يؤدِّي بهؤلاءِ المشاهير إِلى الإِحساسِ بأَنَّهُم يعيشونَ في مُجتمَعٍ يفتقِدُ الْهُويَّةَ الإِنسانيَّةَ، حيثُ أَنَّ المبدعينَ وَ الْمُبدعاتِ (دائماً وَ أَبداً) يكونونَ أَكثرَ إِحساساً مِنَ الآخَرين، لذا: فَهُم يتأَثــَّرونَ نفسيَّاً بتنمّراتِ الآخَرين، مِمَّا تدفعُهم هذهِ التنمّرات بشتَّى أَشكالها وَ درجاتها المتراكمة تدريجيَّاً بمرورِ الزَّمن، إِلى الانكماشِ الروحيِّ الشديدِ تحتَ تأَثيرِ ضغوطٍ نفسيَّةٍ أَكثرُ شِدَّةٍ تضرِبُ باستمرارِ أَعماقَ الفِطرةِ الإِنسانيَّةِ فيهِم بسياطٍ لاهبةٍ دُونَ انقطاعٍ، مِمَّا تجعلُهُم يتساءَلونَ معَ أَنفُسِهم بسريَّةٍ تامَّةٍ، عن جدوى وجودهم في هذهِ الحياةِ!

– ما جدوى وجودي في مُجتمَعٍ لا يستحقُّ إِبداعاتيَ مُطلَقاً؟!

هكذا يتساءَل المبدعونَ وَ المبدعاتُ الّذينَ يتعرَّضونَ لضغوطٍ نفسيَّةٍ تسَبَّبَ بها تنمُّرُ الآخَرين، سواءٌ كانَ هذا التنمُّرُ عبارةً عن مُزحةٍ ثقيلةِ الظلِّ، كما فعلَ صديقها لاعبُ التنسِ السابق، الّذي ندمَ على تقديمِ شكواهُ القضائيَّة ضدَّها؛ حيثُ نشرَ ليلةَ انتحارِها على صفحتهِ الرَّسميَّة في موقع الصُّور الشهير الـ (إِنستجرام) صورةً تجمعُهما سويَّةً وَ عَلَّقَ عليها قائلاً: (عيد حبّ سعيد)، لتقوم هيَ بنشرِ صورةٍ لها معَ كلبٍ على حسابها الرَّسميِّ في موقع الصُّورِ ذاتهِ، أَو سواءٌ كانَ التنمُّرُ عبارةً عن إِساءاتٍ جسديَّةٍ حتَّى!

بغضِّ النظرِ عن خلفيِّاتِ ما جرى للمرأَةِ الجميلةِ كارولين، تبقى هيَ إِنسانةٌ قبلَ أَيِّ اعتبارٍ آخَرٍ، وَ يبقى فُقدانُ الأُسرةِ الإِنسانيَّةِ لأَيِّ فردٍ مِن أَفرادِها خسارةً لجميعِ أَفرادِ الأُسرةِ برُمَّتهم، بمَن فيهِم أُولئك الجاحدونَ الحاقدونَ الحاسدون.

ما أُريدُ إِيصالُه إِليك، هُوَ أَنَّنا نحنُ المشاهيرُ، نحنُ الْمُبدعونَ وَ الْمُبدعاتُ، بغضِّ النظرِ عن عِرقِنا أَوِ انتمائنا أَو عقيدتنا، وَ بغضِّ النظرِ عن اللُّغةِ الّتي نتحدّثُ بها، أَو الجنسيَّةِ الّتي نحملُها، أَو شكل أَجسادنا (بَديناً كانَ أَو نحيفاً)، أَو لون بشرتنا (سمراءً كانت أَو بيضاءً أَو شقراءً أَو حتَّى سوداء)، أَو المجالِ الإِبداعيِّ الّذي تسبَّبَ في شُهرتنا، كُلُّ واحدٍ مِنَّا هُوَ (إِنسان)، وَ الـ (إِنسان) يتأَثــَّرُ نفسيَّاً بأَفعالِ وَ ردودِ أَفعالِ الآخَرينَ تجاهَهُ، وَ حيثُ أَنَّنا مُبدعونَ وَ مُبدعاتُ، لذا: فإِنَّ مشاعرَنا قد أَبدَعت هيَ الأُخرى في تعميقِ أَحاسيسنا تجاهَ كُلَّ شيءٍ في الحياةِ، فحتَّى لو أَلجَمنا مشاعِرَنا هذهِ عَنِ البوحِ بخلجاتها الحزينةِ الباكية، تبقى أَحاسيسُنا تعصِفُ في قلوبنا عَصفاً دُونَ هوادة!

لذا: بالله عليك أَنت (قارئي العزيز وَ قارئتي العزيزة)، ليكُن تعامُلك مع معنا، معَ المشاهيرِ كافَّةً دونَ استثناءٍ في شتَّى البقاعِ وَ الأَصقاع، على أَنَّنا (إِنسان) مثلك تماماً، حُبَّ لنا ما تُحِبُّهُ لنفسك، وَ اَكرَه لنا ما تكرهُهُ أَنت لنفسك، وَ ليكُن عقلُك مشغولٌ بتنميةِ بذورِ إِبداعاتك؛ لتجعلك إِبداعاتُك فيما بعد ضمنَ قائمةِ المشاهيرِ؛ أُسوةً بنا على حَدٍّ سواء؛ فنحنُ جميعاً أُخوةٌ وَ أَخواتٌ في أُسرةٍ واحدةٍ هيَ الـ (إِِنسانيَّة)، فليُحِبَّ أَحدُنا الآخَرَ حُبَّاً أَخويَّاً إِنسانيَّاً قُربةً إِلى الله، وَ لنكُن مَعاً؛ مِن أَجلِ مُساعدَةِ الإِنسانِ أَينما يكونُ، بغضِّ النظرِ عَنِ العِرق أَوِ الانتماءِ أَو العقيدة، إِذ مِن غيرِ الْحُبِّ لَن يكونَ أَيُّ معنىً للإِنسان؛ فللحُبِّ يعيشُ الإِنسان، وَ بالْحُبِّ يحيا الإِنسان.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *