Share Button

د. محمود محمد علي 
مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

ترتكز القوة الناعمة لبلد من البلدان كما يقول ناى فى كتابه على ثلاثة موارد: الأول ثقافته عندما تكون لها الجاذبية فى الأماكن الأخرى غير بلدها. والثانى قيمه السياسية بشرط تطبيقها بإخلاص.. فالديموقراطية والتعددية قيمتان سياسيتان لا يمكن أن تؤثرا فى الآخرين لو أن البلد الذى يطبقها لاينفذها بإخلاص وشفافية. والمورد الثالث هو السياسة الخارجية، عندما تكون مشروعة وذات سلطة معنوية وأخلاقية.
ويفصل جوزيف ناي ذلك علي النحو التالي :
أ- الثقافة: وهي القيم والممارسات التي تضفي معنى ما على أي مجتمع، وتتجسد في الأدب والفن والإعلام. تمتلك الولايات المتحدة نفوذاً وتأثيراً في عالمنا الراهن مستفيدة من شيوع اللغة الإنكليزية، سواء في لغة التخاطب اليومي، أم لغة التجارة والأعمال، وهناك اليوم عشرات الملايين، إن لم نقل مئات الملايين من البشر يأكلون ويلبسون على الطراز الأمريكي، ويستمعون الأغاني الأمريكية ويشاهدون الأفلام الأمريكية. كما أن هناك اليوم مئات الملايين من البشر ممن يستخدمون الحواسيب والبرمجيات الإلكترونية الأمريكية، ويتكلمون الإنكليزية باعتبارها لغة التقنيات والأعمال وتداول العملة، هذا دون أن نتحدث عمن يقرؤون الآداب ويطلعون على الأفكار ويتابعون الصحف والمجلات ووسائل الإعلام الأمريكية. وبالتالي، فإذا كانت القوة الصلبة تنبع أساساً من القدرات العسكرية والاقتصادية، “فإن القوة الناعمة تتأتى من جاذبية النموذج، وما يمتلكه من قدرة التأثير والإغراء للنخب والجمهور على السواء”. فحينما تبدو السياسة الأمريكية مقبولة ومشروعة في أعين الآخرين، على ما يقول ناي، “يتعاظم دور القوة الناعمة أكثر، وبموازاة ذلك، تتراجع الحاجة إلى استخدام القوة العارية. وعلى العكس من ذلك، فكلما تضخم استخدام القوة الإكراهية، وضعفت شرعية مثل هذا الاستخدام، يتضاءل معها النفوذ الثقافي والسياسي والتجاري، وكل ما يدخل ضمن دائرة القوة الناعمة”.
ب- القيم السياسية :مثل حرية الصحافة، وقدرة الفرد على انتقاد حكومته.
ج- السياسة الخارجية : وهي مكون هام من مكونات القوة الناعمة. فاتباع سياسات خارجية مصممة بشكل جيد سيدفع الدول الأخرى إلى أن تحذو حذو الدولة التي تستخدم القوة الناعمة. وتعد الدبلوماسية العامة- القاعدة الأساسية، لمفهوم “القوة الناعمة”، إضافة إلى التجارة والمساعدات الاقتصادية للدول الأجنبية. ويرى البعض، أن تصميم وتنفيذ الثورات الـ “مخملية”، و” الملونة، مظهر من مظاهر “القوة الناعمة”. فمن خلال الدبلوماسية العامة يمكن النفاذ إلى قلوب وعقول ونفوس الناس، والتأثير على الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة.
ولا يعني الحديث عن إستراتيجية ومشروع الحرب الناعمة فصل تناغمها عن القوة الصلبة، لأن أمريكا ستبقى محتاجة إلى القوة العسكرية والأمنية لمواجهة ” الإرهاب وتحقيق الاستقرار” حسب ما أفصح عنه منظر الحرب الناعمة جوزيف ناي قائلا “الحفاظ على سطوة القوة الصلبة جوهري للأمن القومي الأمريكي” وأضاف “أنا كنائب سابق لوزير الدفاع الأمريكي لا يمكن لأحد أن ينافسني أو يزايد أمامي في مدى معرفتي واقتناعي بأهمية القوة العسكرية الصلبة ولكننا لن ننجح بالسيف وحده. ولقد نجحنا بمواجهة الإتحاد السوفياتي ليس بالقوة العسكرية والردع العسكري فحسب، وليس من خلال عمليات الحرب الباردة، بل بسبب القوة الناعمة التي قدر لها أن تساعد في تحويل الكتلة السوفياتية من الداخل، ولو استغرق ذلك عشرات السنين. فالعبرة الأهم هي الصبر والنفس الطويل والمزج والتوازن بين القوتين الصلبة والناعمة وتلك هي القوة الذكية” .
إن تحقيق الأهداف، لا يمكن دائماً بالقوة الناعمة، لذلك تعمد القوى الكبري إلى المزاوجة بين القوة الناعمة والقوة الصلبة، فمن “أجل كسب السلام”، يتعين على الولايات المتحدة أن تظهر براعة كبيرة في ممارسة القوة الناعمة كما أظهرت براعتها في ممارسة القوة الصلبة، لكسب الحرب “ضد الإرهاب” .
وهذا المزج يشكل ما يسمى “القوة الذكية” ، على أن المزج لا يعطي حاصلاً حسابياً بسيطاً، لأن هناك علاقة جدلية بين القوتين، خاصة وأن القوة الصلبة “لها جانب جذاب أو ناعم، لأن الناس تميل إلى القوي وإن كانت تشفق على الضعيف. كما أن القوة الصلبة قد تُستخدم لإحداث نتائج محببة وجذابة. ففي حرب العراق كانت هناك مجموعة أخرى من الدوافع لها علاقة بالقوة الناعمة، فقد اعتقد المحافظون الجدد أن القوة الأميركية يمكن استخدامها في تصدير الديمقراطية إلى العراق وفي تحويل سياسة الشرق الأوسط .
من كل ما سبق يتضح لنا أن القوة الناعمة لبلد من البلدان كما يقول ناى ترتكز على ثلاثة موارد: الأول: الثقافة (الإعلام والتكنولوجيا والمعلومات). والثانى : الروح المعنوية ، والمورد الثالث هو السياسة الخارجية والسياسة الداخلية . كما أكد ناي أن القوة الناعمة لا تلغي القوة الصلبة ( الكتلة الحيوية والأرض والسكان ، والقدرة العسكرية ، والقدرة الاقتصادية ). وإنما لابد من التوفيق بينهما تحت مسمي القوة الذكية ، فالقوة الذكية عبارة عن مزيج من القوة الصلبة والقوة الناعمة

Share Button

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *