Share Button

(بقلم الأستاذ الدكتوره/ منال عفان أستاذ الاقتصاد بكلية التجارة جامعة طنطا)
متابعة الاعلامية/ لطيفة القاضي
*مقدمة: لقد شاع الحديث لفترة طويلة بين أعضاء هيئة التدريس في أروقة الجامعات الحكومية المصرية، حول تدني مستوى أجورهم مقارنة بغيرهم من الجامعات والمؤسسات الخاصة والعامة، مما دفعهم الى المطالبة بزيادة رواتبهم، التي أصبحت لا تليق بمكانتهم الأدبية والاجتماعية، ولا تكفي لمتطلبات المعيشة والبحث العلمي من جانب آخر. ان تلك القضية كثيراً ما تثار في وسائل الاعلام المختلفة، بل قد تكون سبباً في انخفاض الأداء الجامعي، وانخفاض الجودة الجامعية لأعضاء هيئة التدريس بالجامعات الحكومية.
وعلى الرغم من أهمية تلك القضية، الا أنها يجانبها المغالطة والبعد عن الحقيقة، فهي تنطبق على بعض الأعضاء دون الآخرين. فعلى الرغم من الميزانيات الضخمة التي تخصصها الدولة لأجور ومكافآت أعضاء هيئة التدريس بالجامعات الحكومية، الا أن بعض الأعضاء يظل في وضع متدني من مستوى المعيشة، بينما يحصل آخرون على مبالغ ضخمة جداً قد تقترب ان صح التعبير من دخول الوزراء، فهل تنطبق قضية المطالبة برفع الأجور على الجميع ؟ .
بالطبع لا. ان هناك تفاوتاً واضحاً في دخول أعضاء هيئة التدريس داخل الجامعات الحكومية ، والتي قد تعكس حقيقة الاقتصاد الخفي داخل أسوار تلك الجامعات، والتي قد أثرت وسوف تؤثر بشكل واضح على مستقبل التعليم الجامعي. ان أغلب الفروق بين دخول أعضاء هيئة التدريس –أو بشكل دقيق مستوى أجورهم- قد لا تعود في معظمها الى الكفاءة والجودة، ولكن تعود الى طرق حساب الساعات الفعلية للأعضاء ، كما ان عدم الشفافية أحياناً في ادارة المؤسسات الحكومية في التعليم العالي، والاختيارات التي تحكمها العوامل الشخصية، والتحيز للرجال دون النساء، ولاشك أن لذلك أثراً بالغاً على تباين دخول أعضاء هيئة التدريس.
ان ظاهرة التفاوت في دخول أعضاء هيئة التدريس لا تكون واضحة في الجامعات الخاصة أو المؤسسات الخاصة، كما أنها لا تكون واضحة في الجامعات الحكومية الكبرى – بالمدن الكبيرة- بل تظهر بشكل واضح في الجامعات الحكومية الاقليمية،وهو ما يثير تساؤل هام لماذا تلك الجامعات بالذات؟؟؟؟،هل بسبب عدم دفاع الأعضاء عن حقوقهم، أم وجود العديد من الشكاوى التي يتم استبعادها لعدم وجود رقابة فعالة على تلك الجامعات كنظيرتها في المدن الكبرى ،أم لأسباب أخرى. ان الحكومة المصرية سعت للتطوير والاصلاح بكافة أشكاله لمؤسسات التعليم العالي الحكومية منذ تولي سعادة رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي قيادة مصر، الا أن هناك ما وراء أسوار الجامعات ،الذي يجب معرفته ومحاسبة من يتسبب فيه لتحقيق مصالحه الشخصية، وافساد أي اجراءات للتطوير والتنمية لتلك المؤسسات، وهو ما يدعوني الى بحث هذا الموضوع .
وهكذا سيتضمن هذا المقال فضلاً عن المقدمة، تطوير وتنمية مؤسسات التعليم العالي الحكومية واحتياجات أعضاء هيئة التدريس، أسباب التفاوت في دخول أعضاء هيئة التدريس بالجامعات الحكومية، آثار التفاوت في دخول أعضاء هيئة التدريس على مستقبل التعليم الجامعي في مصر، وأخيراً توصيات للحد من هذا التفاوت.
أولاً تطوير وتنمية مؤسسات التعليم العالي الحكومية واحتياجات أعضاء هيئة التدريس :
يعد التعليم الجامعي محوراً رئيسياً في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة لدول العالم، وفي إطار العولمة المتزايدة وتشابك دول العالم وتقاربها، ومع ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ازدادت أهمية التعليم العالي، لأنه يمد الدولة بمهارات وكفاءات من الصعب توافرها، والتي أصبحت مطلباً أساسياً للمشروعات والمؤسسات الخاصة في كافة مجالات النشاط الاقتصادي. ولاشك أن تطوير وتنمية المؤسسات التعليمية الحكومية لا يقتصر فقط على اصلاح نظم التعليم والبحث العلمي بها، ولكنه أيضاً يتطلب ضرورة زيادة روح الانتماء لأعضاء هيئة التدريس للمؤسسة التعليمية، لضمان تحقيق الجودة والارتقاء بالعملية التعليمية.
وقد سعت الحكومة المصرية منذ تولى سعادة رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي الى الاهتمام بالتعليم والبحث العلمي من خلال(1) :
1-وضع أهمية خاصة للتعليم والتعلم والبحث العلمي ضمن رؤية مصر 2030 .
2-زيادة عدد الجامعات الحكومية لكي تغطي كل محافظات مصر لتلبية احتياجات الطلاب غير القادرين، حيث تم انشاء جامعة مدينة السادات(2014)،جامعة العريش(2016)، جامعة مطروح(2018)،جامعة الوادي الجديد(2018)، جامعة الأقصر(2019).
3-زيادة عدد الجامعات الخاصة التي تهتم بتقديم تعليم متطور يتناسب مع ثورة الاتصالات والمعلومات ومن أهمها جامعة بدر بالقاهرة (2014)،جامعة الجيزة الجديدة (2016) ، جامعة حورس بمدينة دمياط (2016)، الجامعة المصرية الصينية(2016)،جامعة جزيرة الأمير ادوارد بالعاصمة الادارية الجديدة (2018).
4- اقامة فروع لجامعات مصرية بالخارج شملت جامعة الاسكندرية الدولية بالبصرة، وانجامينا بماليزيا، وجامعة الأزهر فرع ريمباو ونيلاي في عام 2014 .
5-ربط تعيين القيادات الجامعية بتطوير وتنمية المؤسسات التعليمية، التي يتم تعيينهم فيها في تعديل بعض أحكام قانون تنظيم الجامعات 49/1972، بشأن تعيين القيادات في عام 2014 .
6-عدم رفع الرسوم الجامعية للطلاب في البرامج التي يحكمها التنسيق العام لطلاب الثانوية العامة، وتقديم مساعدات للطلاب غير القادرين .
7- توجيه الاهتمام – في مؤتمر التعليم العالي والبحث العلمي لعام 2019 – لوضع خطة لإنشاء عدد من الجامعات التكنولوجية، وانشاء أكاديمية وطنية متخصصة للنابغين والموهوبين، نظراً لضرورة تطوير التعليم في ظل ثورة الاتصالات والمعلومات والتحول الى الرقمية في العالم .
8- في نوفمبر 2019 تم تعديل بعض مواد اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات، وبحيث تتضمن زيادة مكافآت تصحيح أوراق الامتحانات، والاشراف على الرسائل ومناقشتها، ومكافآت اللجان العلمية، وتعديل مكافآت الجودة وذلك لتحسين دخول أعضاء هيئة التدريس.
وتتعدد احتياجات أعضاء هيئة التدريس داخل الجامعات الحكومية، الا أن الحصول على دخل مناسب، والتوزيع العادل لساعات العمل التدريسية ذات الأجر المتميز، وكذلك الوحدات التي لها مقابل مادي شهري، وبحيث لا يتواجد أي تفاوت في دخول الأعضاء ،تعد من أهم احتياجات أعضاء هيئة التدريس(2).
ويعد التفاوت في مستوى الدخل بين الأعضاء داخل المؤسسة التعليمية من أكثر العناصر التي تجذب اهتمامهم وتؤثر على أدائهم وانتاجيتهم بشكل واضح – بما يفوق التفاوت في الدخل بين الأعضاء في مؤسسات مختلفة – مما يؤثر على جودة العمل داخل الجامعات الحكومية. وتوضح دراسة طارق منصور(2012) أن التفاوت الواضح بين دخول أعضاء هيئة التدريس بالجامعات الحكومية، يعد من أهم أسباب تدهور التعليم الجامعي في مصر بجانب تدني مستوى الأجور لأعضاء هيئة التدريس، وضعف البرامج المطبقة لتطوير تلك المؤسسات، وضعف الشراكة مع مؤسسات المجتمع المحيط(3).
ثانياً : أسباب التفاوت في دخول أعضاء هيئة التدريس بالجامعات الحكومية: تعد مشكلة التفاوت في توزيع الدخل احدى المشاكل الخطيرة التي تواجه كل دول العالم، والتي تمثل أحد العوائق الهامة أمام تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة . وقد ازدادت حدة تلك المشكلة(4) منذ عام 1980 مع تراجع نصيب الأجور مقارنة بنمو الناتج العالمي. ان مفهوم التفاوت في توزيع الدخل لا يرتبط بالدخل فقط، ولكن يرتبط بالأجر أيضاً لأنه يعد مصدراً أساسياً للمعيشة للعديد من الأفراد داخل المجتمع(5). وقد أوضح Rousseau(1754) أن مفهوم التفاوت في توزيع الدخل ارتبط بنشأة المجتمعات والملكية الخاصة بالأفراد ومستوى الدخل بالوحدات الحكومية مقارنة بالخاصة(6) .
ويمكن تعريف التفاوت في توزيع الدخل بأنه التوزيع غير المتساوي لأنصبة الأفراد من الدخل ، والذي لا يعود لاختلاف المهارات والقدرات، وبحيث يستحوذ فئة من الأفراد على هذا الدخل(7). ويوضح Elveren and Ozgur(2016) أن مناقشة التفاوت في توزيع الدخل على مستوى المؤسسات الحكومية يجب أن تشمل جميع مصادر الدخل الأجرية(8). ويعد الأجر الذي يحصل عليه أعضاء هيئة التدريس هو المصدر الرئيسي للدخل لمعظم تلك الفئة . ولاجدال في الراتب الثابت الذي يحصل عليه الأعضاء من هيئة التدريس وكذلك معاونيهم، ولن نتحدث عن الدخول الرسمية لمعاوني هيئة التدريس، لأن التفاوت في دخل هؤلاء يعود الى الدروس الخصوصية- والتي تحقق لهم عائداً كبيراً ،الا أنها مخالفة وفقاً لأحكام قانون تنظيم الجامعات-وليس الأجر الذي يحصلون عليه . أما التفاوت في دخول أعضاء هيئة التدريس بدءً من مدرس وحتى أستاذ جامعي فتعود الى محددات عديدة أهمها :
1-الطريقة التي تُحسب بها الساعات الفعلية للأعضاء: لاشك أن هناك ساعات عمل ذات أجر رمزي وساعات عمل ذات أجر متميز ومرتفع. ان استبعاد ساعات العمل ذات الأجر المتميز من الحساب وتضخيم ساعات العمل ذات الأجر الرمزي من جانب مديري المؤسسات التعليمية يكون لإخفاء الواقع المريب، والتفاوت الحاد بين دخول الأعضاء. فهناك برامج ذات عوائد مرتفعة جداً، بينما هناك برامج غير متميزة واشراف على الرسائل الجامعية ومحاضرات الدراسات العليا والتي تحتاج لجهد كبير، وعائدها ضئيل للغاية، فكيف يتم الحساب للساعات منخفضة الأجر وعدم الأخذ في الحسبان الساعات الأخرى مرتفعة الأجر ، بالطبع حتى يكون من حق المنتدبين لساعات طويلة الحصول على مقابل الجودة.
2- البرامج المتميزة داخل بعض الجامعات والكليات، والتي تعد في الأساس نوعاً من الانتداب داخل الكلية، والتي من المفروض أن تخصم من ساعات عضو هيئة التدريس الفعلية . فمثلا بعض البرامج التي قد يتم تدريسها باللغة في بعض الكليات، والتي يكون عائدها مرتفع جداً لا تحسب ضمن ساعاته الاجمالية بحجة أنها انتداب داخلي في كلية العضو هل هذا معقول ؟؟؟؟؟ والغريب أن عضو آخر لا يحصل على حق التدريس في تلك البرامج- نظراً لعدم اجادته اللغة أو لعدم حصول العضو على دكتوراه من بلد أجنبي- وكان من المفروض تعويضه بحصة أكبر في برامج لها عائد مرتفع ، اذا كانا العضوان على نفس الدرجة العلمية. ان بعض الجامعات المصرية سعت لحل تلك المشكلة بحساب الانتداب الداخلي من حصة العضو التدريسية، الا ان البعض الآخر لم يسعى للحل، وهو ما أثار شكاوى العديد من أعضاء هيئة التدريس، لابد من اعادة النظر والرقابة على تلك الجامعات، ومحاسبة وزارة التعليم العالي لها.
3- الانتدابات الخارجية: والتي يترتب عليها عوائد ضخمة جداً لأصحابها، والغريب أنهم يحصلون على مقابل الجودة كاملة مثل غيرهم من الأعضاء المتفرغين للعمل الجامعي الحكومي. وتشكل مبالغ الجودة عبئاً كبيراً على كاهل الحكومة، وقد تضطر أحياناً لدفع تلك المبالغ من الديون الداخلية. وعلى جانب آخر فان تضخم تلك المبالغ قد يضع قيداً آخر على زيادتها في المستقبل، ويظل من يقع عليه الأثر هو العضو المتفرغ للعمل داخل مؤسسته الحكومية. فالخبرة تؤكد أن العديد من الانتدابات يتم الحصول عليها بالعلاقات الشخصية وليس دليل على الكفاءة، لذلك يجب اعادة النظر في هذا الجانب، فكيف أن عضو يتم انتدابه يومان أو أكثر-فلاشك أن عمله الفعلي في الانتداب سيكون أكثر من يومين بكثير في تحضير المحاضرات، ومهام تقييم الطلاب في المؤسسة الخارجية وكتابة التقارير وغيرها ، ان الانتداب ليومان يخفي في الحقيقة عمل لثلاثة أيام أو أكثر-يحصل على نفس مقابل الجودة الجامعية ، وما خفي كان أعظم، فربما كان يدير وحدات لها مقابل مادي مرتفع داخل كليته ، وهنا زاحم هذا العضو زملائه المتفرغين في دخولهم داخل المؤسسة الجامعية الحكومية.
4-الاشراف على الوحدات داخل المؤسسة التعليمية: لاشك أن الاشراف على الوحدات ذات العائد الشهري –هي عمل بأجر مميز – يكون المقابل الذي يمنحه مديري تلك المؤسسات للمتميزين من أعضاء هيئة التدريس، والمفروض أيضاً المتفرغين منهم للعمل بالمؤسسة التعليمية الحكومية . فلاشك أنه من الغريب اعطاء الاشراف على تلك الوحدات لمن يتم انتدابهم، فهل هذا معقول وما النتيجة؟ ، لا يمكن أن تتحقق الجودة الجامعية . ان العديد من الجامعات الخاصة اتبعت لفترة نظام الانتداب لبعض الأعضاء ،ونظراً لإيمانها بأن العضو المنتدب سوف لا يحقق الجودة المطلوبة للعملية التعليمية، اتجهت بعضها الى تعيين أعضاء جدد للقيام بتلك المهام.
5- التدوير الآلي للمهام ذات الأجر المتميز : لاشك أن المهام ذات الأجر المتميز تمثل حوافز هامة للأعضاء تشجعهم على الانتماء للمؤسسة التعليمية، وتدفعهم لزيادة الانتاجية. والسؤال هل يمكن أن تظل تلك المهام المتميزة قاصرة على أعضاء دون آخرين. ان هذا سيسهم في تضخم دخول البعض على حساب الآخرين، فتسود الكراهية والحقد وعدم الانتماء للمؤسسة التعليمية، ان هذا سيدمر أي خطط للجودة الجامعية، ولن يساعد على الارتقاء والتطوير لتلك المؤسسات .
6- عدم وجود قواعد واضحة في بعض المؤسسات التعليمية في توزيع عبء العمل، وكذلك في اختيار الكفاءات المطلوبة: فلا يتم الاعلان داخل المؤسسة عن ما يتم اختياره مثلاً من القادة ومديري الوحدات وغيرهم، لاستبعاد بعض الكفاءات المتميزة لمحاباة البعض دون الآخرين. وعلى جانب آخر يتم القاء العبء الأكبر من العمل ذو العائد المادي الضئيل على بعض الأعضاء دون آخرين،بحجة أنهم يتحملون فالسؤال الى متى ؟ ، وعلى جانب آخر قصر الأعمال المتميزة القيادية على آخرون رغم عائدها الكبير، مما يدفع الأفراد الى الحقد والكراهية للمؤسسة ومديرها والتكاسل وعدم الجودة مما لا يسهم في ارتقاء المؤسسة التعليمية.
7- عدم وجود رقابة على أعضاء هيئة التدريس بالبرامج غير المميزة : ففي العديد من المؤسسات الحكومية في التعليم الجامعي تركزت الرقابة على الأعضاء في البرامج الجديدة وذات الأجر المتميز- البرامج بنظام الساعات المعتمدة – دون غيرها مما ترتب عليه تركيز الأعضاء على تلك البرامج المتميزة دون غيرها، والانتداب الخارجي، واهمال الجودة الجامعية في البرامج الأخرى ،التي ليس لها مقابل أو لها مقابل منخفض، وقد أصبحت تلك قاعدة في العديد من المؤسسات. فيمكن مثلاً اختصار وقت المحاضرة أو عدم الحضور أو عدم الالتزام بالمقررات الدراسية وغيرها من مهام عضو هيئة التدريس، فلا يمكن الزام الأعضاء مثلاً بالتوقيع لحضور المحاضرة ،أو شرح المقرر كاملاً على الرغم من أن الراتب الأساسي لعضو هيئة التدريس مخصص لتلك البرامج دون غيرها من البرامج المميزة .ولاشك ان الانتداب الداخلي والخارجي يقتطع من جهد العضو للقيام بعمله الأساسي.
ثالثاً آثار التفاوت في دخول أعضاء هيئة التدريس على مستقبل التعليم الجامعي ورؤية مقترحة: تبدو أهمية دراسة التفاوت في توزيع الدخل مع زيادة مستواه واستمرارية هذا التفاوت، فهو أحد العوائق الهامة أمام تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، والتي يعد التعليم والبحث العلمي من أهم محاورها(9). ويوضح يغولي وفرانسيسكو (2017) أن التفاوت في توزيع الدخل على الرغم من أهميته، الا أنه قد يمنح الأغنياء الوسائل اللازمة لتسيير أعمالهم، كما يخلق حوافز لزيادة الانتاجية والاستثمار، الا أنه على جانب آخر يخلق الكراهية والاحباط وعدم الانتماء للمؤسسة التي يعمل فيها الشخص، مما يجعل له أثراً سلبياً واضحاً على التنمية المستدامة(10). وقد سعت العديد من الدول في صياغة رؤيتها الجديدة 2030 لوضع هدف تخفيض التفاوت في توزيع الدخل كهدف محوري لها، الا أن تلك القضية لم تنال اهتماماً كافياً في المؤسسات التعليمية بالجامعات الحكومية.
أن تخفيض التفاوت في توزيع الدخل يتفق مع ما نصت عليه الدساتير المصرية المتعاقبة، من ضرورة احترام وتحقيق مبادئ تكافؤ الفرص، والمساواة بين المواطنين في توزيع الأعباء العامة والتكاليف العامة والحقوق الدستورية. وإذا نظرنا الى آثار التفاوت في توزيع دخول أعضاء هيئة التدريس سنجد أنها عديدة وأهمها:
1-زيادة الحقد والكراهية للمؤسسة التعليمية، وانعدام روح الانتماء للمؤسسة، وانخفاض الانتاجية والجودة لعضو هيئة التدريس(11) .
2-افساد كل المحاولات التي تبذلها الدولة لتنمية وتطوير مؤسسات التعليم العالي الحكومية، والتي تهدف لرفع الجودة الجامعية واصلاح تلك المؤسسات .
3-سعى بعض الكفاءات المتميزة التي لا تستطيع الحصول على دخل مناسب مقارنة بأعضاء آخرين داخل المؤسسة للهجرة الخارجية أو الداخلية، وبالتالي حرمان تلك المؤسسة من الكفاءات التعليمية المتميزة .
4-سعي بعض الأعضاء الناقمين على المؤسسة التعليمية للحصول على مصادر أخرى للدخل بطرق غير شرعية، مما يفسد منظومة التعليم الجامعي، ويؤثر على التنمية المستدامة للدولة(12).
5-سعى بعض الأعضاء الناقمين لتوجيه ساعات من عملهم لمؤسسات خاصة، بشكل رسمي أو غير رسمي لتعويض النقص في دخولهم من المؤسسة التعليمية .
والسؤال ما هو الحل المقترح للحد من هذا التفاوت في مستوى الدخل لأعضاء هيئة التدريس بالجامعات الحكومية ان تواجد؟. لاشك أن تلك القضية تفوق في أهميتها قضية رفع أجور ومرتبات أعضاء هيئة التدريس، مما يستوجب أن تشغل تفكير وزارة التعليم العالي لبحثها، ووضع الحلول اللازمة لها، ويمكن أن أقترح عدة حلول بشأن ذلك:
1- الزام عمداء الكليات داخل الجامعات الحكومية بتقديم تقرير تفصيلي منفصل لرئيس الجامعة عن الساعات الفعلية لأعضاء هيئة التدريس في البرامج غير المميزة والمميزة، والانتدابات الداخلية والخارجية وادارة الوحدات، التي لها مقابل شهري كل على حدة، وأن يلتزم رئيس كل جامعة بتقديم هذا التقرير لوزير التعليم العالي لكل ترم. ان هذا الاجراء يعد مهماً للغاية، لاكتشاف المشكلة حتي يمكن وضع الحلول اللازمة لها.
2-قصر مقابل الجودة الممنوح فقط على من يقضون خمسة أيام داخل المؤسسات التعليمية الحكومية، وبحيث يتم حرمان من ينتدب داخلياً أو خارجياً من مقابل الجودة، واستخدام تلك المبالغ للجودة في زيادة مقابل الجودة لمن يقضي وقته كاملاً داخل الجامعات الحكومية.
3- العمل على قصر ادارة الوحدات بالجامعات والكليات –التي لها مقابل مادي شهري متميز- على من يقضي أيام الأسبوع كاملة داخل الجامعات الحكومية، وبحيث يتم حرمان من يتم انتدابه داخلياً أو خارجياً في برامج مميزة من ادارة تلك الوحدات مع الأخذ في الحسبان الدرجة العلمية.
4- وضع ضريبة تصاعدية ومختلفة على الدخل المتحقق لعضو هيئة التدريس، الذي يتم انتدابه في برامج متميزة سواء داخل الجامعة التي يعمل بها أو خارجها .
5-الرقابة المتشددة من وزارة التعليم العالي للجامعات الحكومية بشأن البرامج غير المميزة، والتي عادة لا يعطيها عضو هيئة التدريس اهتماماً كافياً، وضرورة إلزام كل عضو برفع محاضراته على موقع الكلية، والتوقيع عند حضور المحاضرات، مع ربط المحاضرات لتلك البرامج بمبالغ شهرية تعادل البرامج الخاصة، وذلك لتحسين جودة التعليم الجامعي والحد من الدروس الخصوصية. ان التوقيع لا يقلل من مكانة عضو هيئة التدريس، والغريب أن من يرفض تلك الآلية في العمل يقبلها عند عمله في أي جامعة خاصة داخل أو خارج مصر.
6- الغاء الكتاب الجامعي في جميع الكليات واستبداله بمبلغ يسدده الطالب مع مصروفاته الدراسية، يضمن حق عضو هيئة التدريس في مؤلفاته في بعض الكليات، مع التزام الأعضاء بإتاحة المحاضرات للطلاب على موقع الكلية. وهذا الاقتراح يضمن حق عضو هيئة التدريس من جانب ويحدد سعراً معقولاً من جانب آخر للكتاب الجامعي، كما يراعى تفاوت هذا السعر من طلاب المراحل العادية عن مرحلة الدراسات العليا، نظراً لاختلاف أعداد الطلاب والمحتوى العلمي.
*خاتمة :
وهكذا اتضح لنا أن قضية التفاوت في دخول أعضاء هيئة التدريس بالجامعات الحكومية تعد أهم بكثير من قضية المطالبة برفع أجور هؤلاء الأعضاء، ان القضاء على هذا التفاوت يجب أن يكون هدف أولى لوزارة التعليم العالي، لما له من آثار سلبية عديدة على اصلاح وتطوير منظومة التعليم الجامعي. فهذا التفاوت يقضي على كل تطوير أو اصلاح، بل ويؤدي الى نتائج سلبية على الأداء والجودة الجامعية. وعلى جانب آخر يجب أن تولي وزارة التعليم العالي أهمية لتلك القضية، وتضع لها الحلول الممكنة لعلاجها، ولا مانع من تشديد الرقابة على الجامعات الحكومية، طالما أنها تسهم في زيادة التطوير والتنمية لتلك المؤسسات، كما يقلل من نسب الانحراف عن الأداء الأمثل لبعض الأعضاء .
هوامش
(1) للمزيد انظر https://ar.wikipedia.org/wiki

 ، جريدة الوطن،14 ابريل 2019، جريدة البورصة 9 مارس 2019، مصر اليوم 22 نوفمبر 2019.

(2) للمزيد انظر: مقال الأستاذ الدكتور /منال عفان المنشور بجريدة الأهرام لعدد 26 مارس 2020، بعنوان رؤية مقترحة لتطوير وتنمية مؤسسات التعليم العالي الحكومية في مصر.

(3) للمزيد انظر: طارق منصور، مشروع مقترح لإصلاح مرتبات ودخول أعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية، القاهرة ، 2012، ص ص 1-10.

(4) مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (15-26 سبتمبر 2014) ، ” معالجة التفاوت عن طريق التجارة والتنمية في خطة التنمية لما بعد عام 2015 “،الأمم المتحدة، الدورة الحادية والستون، البند الثالث، ص 6.

(5) Ferrer,C.,E.(2017),”Income Concentration and its Impact on Economy and Society :The Case of Mexico “,Modern Economy ,No.8, P 212.

(6) Coll, J.A. (2011),” Understanding Income Inequality: Concept, Causes and Measurement “, Management Journals, Vol.1, No. 3, P 17.

(7) Ghecham, M. A.,(2017),”The Impact of Informal Sector on Income Distribution : Could Concentration of Income be Explained by the Size of Informal Sector ?”, International Journal of Economics and Financial Issues ,Vol. 7 ,No. 1 , P 594.

(8) Elveren, A. Y. and Ozgur, G., (2016),”The Effect of Informal Economy on Income Inequality: Evidence from Turkey “,PanoEconomics, Vol. No .3, P 295.

(9) مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، 2014، مرجع سابق ص 13.

(10) يغولي، غر وفرانسيسكو ،” رؤية جديدة للرابطة بين عدم المساواة والتنمية الاقتصادية ” ، النافذة الاقتصادية ، منتدى صندوق النقد الدولي، 15 مايو 2017 .

(11) راولي ، دانيال وآخرون ، التغيير الاستراتيجي في الكليات والجامعات( التخطيط من أجل البقاء والازدهار ) المملكة العربية السعودية ،العبيكان ، 2012/1433.

(12) للمزيد انظر عدد اليوم السابع 30 مارس 2020 في معاقبة الادارية العليا لحوالي 12 استاذاً جامعياً في جامعة الأزهر لإجبار الطلاب لشراء كتب بأسعار مغالى فيها.

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، ‏‏لقطة قريبة‏‏‏

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *