Share Button

 

النحلة مخلوق عجيب من مخلوقات الله عز وجل ، وهذه النحلة الصغيرة فيها من الأسرار ما يحير العقول والأفهام، ولقد ألهم الله هذه النحلة وهداها وأرشدها إلى أن تتخذ من الجبال بيوتاً تأوي إليها ، وليس للنحلة بيت غير هذه الثلاثة البتة، ثم أذن لها سبحانه وتعالى إذناً قدرياً تسخيرياً أن تأكل من كل الثمرات، وأن تسلك الطرق التي جعلها اللّه عز وجل مذللة لها مسهلة عليها حيث شاءت من هذا الفضاء العظيم .

والبراري الشاسعة، والأودية والجبال الشاهقة، ثم تُخرج من بطونها هذا العسل اللذيذ مختلف الألوان ما بين أبيض وأصفر وأحمر وأسود وأشقر، وغير ذلك من الألوان الحسنة بحسب اختلاف أرضها ومراعيها، فيه شفاء للناس من أمراض عديدة‏،‏ فسبحان من خلق فسوى، وقدر فهدى، وأخرج المرعى.

ومن الأسرار العجيبة في عالم النحل ، أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، شبه المؤمن بالنحلة، فقال صلى الله عليه وسلم: ” مثل المؤمن مثل النحلة إن أكلت أكلت طيباً، وإن وضعت وضعت طيباً، وإن وقعت على عود نخر لم تكسره” وإن هذا التشبيه من النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، المؤمن بالنحلة من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم .

ومن صفات النحلة ، أنها قليلة الأذى، منفعتها شاملة، وهي قنوعة، وساعية بالليل، وتتنـزه عن الأقذار، وأكلها طيب، ولا تأكل من أكل غيرها، وهي مطيعة لأميرها ، وكذلك المؤمن قليل الأذى، منفعته شاملة له ولغيره، يستفيد من المؤمن كل من يعيش حوله حتى البهائم والجمادات، والمؤمن قنوع، وينـزه عن الأقذار كالنحلة، ولا يأكل إلا من الحلال الطيب، ويتورع المؤمن مما فيه شبهه، وهو مطيع لأميره بالمعروف .

وإن للنحل آفات ينقطع بها العمل مثل: الظلمة والريح والدخان، والماء والنار، وكذلك المؤمن له آفات تفقده من عمله ، كظلمة الغفلة، وريح الفتنة، ودخان الحرام، ونار الهوى ، وكذلك المؤمن يأخذ من العلم المفيد والمسائل النافعة، بجميع أنواعها، ينوع مصادر العلم، ويتلقى عن أهل العلم الطيبين، فيتفاعل هذا العلم في نفسه، وهذا الإيمان فينتجان العمل الصالح المتنوع الشافي لنفسه الذي يدرك به الدرجات العلى عند ربه.

كما أن النحلة يتفاعل في بطونها هذا الرحيق الذي امتصته، فتخرج به عسلاً مختلفاً ألوانه فيه شفاء للناس ، وكذلك أعمال المؤمن فيه شفاء له ولغيره، وفيه منافع للناس، النحلة مؤونتها قليلة ونفعها كثير، والمؤمن كذلك مؤونته قليلة، وهو قنوع ليس بثقيل ظلٍ، ونفعه كثير .

والمؤمن كالنحلة لا يأكل إلا طيباً، وشبهه النبي صلى الله عليه وسلم بالنحلة؛ ،لأن المؤمن أكله طيب لا يأكل من الحرام، المؤمن أكله من الحلال المحض يتحرى الحلال، فلا يقع على حرام ولا شبهة، وإنما حلال خالص كما يقع النحل على الحلال الخالص، فيمص من رحيق الأزهار المتنوعة.

من أسرار وحي الله تعالى إلى النحل ، أنه عز وجل قال في محكم كتابه : ﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ والمراد بالوحي هنا الإلهام والهداية والإرشاد إلى النحل أن تتخذ من الجبال بيوتًا تأوي إليها ومن الشجر ومما يعرشون، ثم هي محكمة في غاية الإتقان في تسديدها ورصها بحيث لا يكون بينها خلل.

ثم أذن لها تعالى إذنًا قدريًّا تسخيريًّا أن تأكل من كل الثمرات، وأن تسلك الطرق التي جعلها الله تعالى لها مذللة أي: سهلة عليها حيث شاءت في هذا الجو العظيم والبراري الشاسعة والأودية والجبال الشاهقة ، ثم تعود كل واحدة منها إلى موضعها وبيتها لا تحيد عنه يمنة ولا يسرة ، بل إلى بيتها وما لها فيه من فراخ وعسل، فتبني الشمع من أجنحتها، وتقـيء العسل من فيها، وتبيض الفراخ من دبرها، ثم تصبح إلى مراعيها”.

ومعانيَ هذه الآية الكريمة الحقيقة بالتفكر في أحوال النحل ، ونجد هنا كمال طاعتها وحسن ائتمارها لأمر ربها عز وجل ، إذ اتخذت بيوتها في هذه الأمكنة الثلاثة ، في الجبال وفي الشجر وفي بيوت الناس حيث يعرشون ، أي يبنون العروش وهي البيوت، فلا يرى للنحل بيتٌ غير هذه الثلاثة البتة.

وكذلك اجتهادها في صنعة العسل، وبناؤها البيوت المسدسة التي هي من أتم الأشكال وأحسنها استدارة وأحكمها صنعة، فإذا انضم بعضُها إلى بعض لم يكن بينها فرجة ولا خلل ، كل هذا بغير مقياس ولا آلة ولا بيكار، وتلك من أثر صنع الله وإلهامه إياها وإيحائه إليها.

وكذلك فإن أكثر بيوتها في الجبال وهو البيت المقدم في الآية، ثم في الأشجار وهي من أكثر بيوتها، ومما يعرش الناس، وأقل بيوتها بينهم حيث يعرشون، وأمـا في الجبال والشجر فبيوت عظيمة يؤخذ منها من العسل الكثير جدًّا ، وما أداها إليه حسنُ الامتثال من اتخاذ البيوت أولا، فإذا استقر لها بيت خرجت منه فرعت وأكلت من الثمار ثم أوت إلى بيوتها ، لأن ربها سبحانه أمرها باتخاذ البيوت أولا، ثم بالأكل بعد ذلك، ثم إذا أكلت سلكت سبل ربها مذللة لا يستوعر عليها شيء ، ترعى ثم تعود.

ومن عجيب شأنها أن لها أميرًا يسمى اليعسوب ، لا يتم لها رواح ولا إياب ولا عمل ولا مرعى إلا به، فهي مؤتمرة لأمره سامعة له مطيعة، وله عليها تكليف وأمر ونهى، وهي رعية له منقادة لأمره متبعة لرأيه ، يدبرها كما يدبر الملك أمر رعيته ، حتى أنها إذا أوت إلى بيوتها وقف على باب البيت؛ فلا يدع واحدة تزاحم الأخرى، ولا تتقدم عليها في العبور؛ بل تعبر بيوتها واحدةً بعد واحدة بغير تزاحم ولا تصادم ولا تراكم؛ كما يفعل الأميرُ إذا انتهى بعسكره إلى معبر ضيق؛ لا يجوزه إلا واحد واحد.

ومن تدبر أحوالها وسياستها وهدايتها، واجتماع شملها، وانتظام أمرها، وتدبير ملكها، وتفويض كل عمل إلى واحد منها يتعجب منها كل العجب، ويعلم أن هذا ليس في مقدورها ولا هو من ذاتها؛ فإن هذه أعمال محكمة متقنة في غاية الإحكام والإتقان ، ومن عجيب أمرها أن فيها أميرين لا يجتمعان في بيت واحد، ولا يتأمران على جمع واحد، بل إذا اجتمع منها جندان وأميران قتلوا أحد الأميرين وقطعوه، واتفقوا على الأمير الواحد من غير معاداة بينهم ولا أذى مـن بعضهم لبعض؛ بل يصيرون يدًا واحدة وجندًا واحدًا.

ومن أعجب أمرها ما لا يهتدي إليه الناس ولا يعرفونه، وهو النتاج الذي يكون لها؛ هل هو على وجه الولادة والتوالد أو الاستحالة؟ فقل من يعرف ذلك أو يفطن له، فمن الذي أوحى إليها أمرها وجعل ما جعل في طباعها، ومن الذي سهل لها سبله ذللا منقادة؛ لا تستعصي عليها ولا تستـوعرها، ولا تضل عنها على بعدها، ومن الذي هداها لشأنها.

والنحل من ألطف المخلوقات وأنقاه وأنظفه، ولذلك لا تلقي مخلفاتها في خليتها، بل تطير ثم تلقيها بعيداً عنها، وتأبى النتن والروائح الكريهة، تأبى القذارة، ولذلك إذا رجعت إلى الخلية بالعشية، وقف على باب الخلية بواب منها، ومعه أعوان كثر، وكل نحلة تريد الدخول يشمها البواب ويتفقدها، فإن وجد فيها رائحة منكرة، أو رأى بها قَذَراً منعها من الدخول.

وفي عالم النحل ملكة وعاملات، وفيه نظام وانضباط، وفيه تناغم واتساق، وكلها مظاهر من عظمة الخالق المبدع الذي جعل من أمة النحل مثالاً يحتذى به في التعاون والنظام، الكل يعمل حسب سنه ودوره، المهندسات والبناءات يشيدن قرص النحل.

والعاملات يقمن برحلات للكشف عن أماكن الرحيق، والكيميائيات يتأكدن من نضوج العسل وحفظه، والخادمات يحافظن على نظافة الشوارع والأماكن العامة في الخلية، والحارسات على باب الخلية يراقبن من دخل إليها ومن خرج، يطردن الدخلاء، أو من أراد العبث بأمن الخلية، فمن علم هؤلاء كل هذا؟ ومن أوحى لهنّ هذه الأدوار؟

والنحلة لا تأكل بمرادها وبشهوة منها، بمقدار ما تأكل بأمر ربها لها؛ كما قال تعالى: (ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ) فتأكل من الحلو والمر لا تتعداه إلى غيره من غير تخليط، ولذلك طاب عسلها لذةً وحلاوةً وشفاءً، وكذلك المؤمن لا يأكل إلا طيباً ولو صبر على مر العيش، فإن أكله حلال، فيكون بعيد الوقوع في الحرام والشبهات لا تهوى نفسه هذا الحرام، ولو كان له جمال في الظاهر، فإنه في الباطن مرٌ كالعلقم، فإن الحرام أمرّ من العلقم .

وكذلك المؤمن صلح باطنه وظاهره، أفعاله طيبة، وأخلاقه طيبة، وأعماله صالحة، ولا يمكن أن تكون الأعمال الصالحة إلا بعد طيب الغذاء، وبقدر حِلّ الغذاء تنمو أعماله وتزكو، كما أن النحلة يعذب عسلها، ويحلو فكذلك عمل المؤمن نابع من كسبه الحلال.

والنحلة مطيعة لأميرها في كل شيء بنظام، ودقة عجيبة، ولذلك كان من نتاج هذه الطاعة، هذا الطعام الحلو اللذيذ النافع، والمؤمن في تعاونه مع المؤمنين وبانقياده بالمعروف، والطاعة لأميره، فإنه يثمر حسن النتاج، وهو يدافع عن عرين الإسلام ضد الأعداء كما تدافع النحلة عن عرينها وعن خليتها أشد المدافعة، وكذلك المؤمن يدافع عن عرين الدين، ويلسع كل من أراد أن يُقْدِم على هدم الإسلام بشبهة، أو بقوة، فيدفعه المؤمن بقوة إيمانه، وقوة جسده، ويستعمل أنواع القوى في دفع الأذى عن الدين وأهله.

إن النحلة، وهي تدافع عن خليتها تلسع من يحاول الاقتراب منه، وهي في لسعها تشعر بالألم، وقد تفقد حياتها في سبيل الحفاظ على عرينها ، والمؤمن في هذه الحياة، وهو يدافع عن دينه ضد خصوم الشريعة، وأعداء الملة، يشعر بالألم، وقد يفقد حياته في سبيل دينه: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ) .

والنحل هو الحشرة الوحيدة التي تستطيع تخزين رحيق الأزهار من أجل الغذاء، وهي فضلاً عن بنائها لخلاياها، وتصنيعها للشمع والعسل، فهي تقوم بعملٍ جليل، وهو تلقيح الأزهار، ومن دون تدخل النحل، فإن عدداً كبيراً من النباتات لا يثمر .

وتزور النحلة ما يزيد عن ألف زهرة ، لكي تحصل على قطرةٍ من الرحيق، تحتاج القطرة الواحدة من الرحيق إلى أن تحط النحلة على ألف زهرة أو أكثر، ومن أجل أن تجمع النحلة مئة غرام من الرحيق، مئة غرام فقط، تحتاج إلى مليون زهرة .

وإن ملكة النحل، تعرف أن في بطنها ذكراً، أو أنثى، أو ملكة، حينما تأتي لتضع البيض، تضعه في المكان المناسب, والعاملات منهن، ما يأتينً بالطعام الخاص بالملكة، ويسمي علماء النحل هذه النحلات بالوصيفات ، وإذا ماتت الملكة تضطرب الخلية، ويلاحظ الإنسان هذا التبدل، وحُمة الملكة لا تلدغ الإنسان، بل تلدغ ملكةً أخرى تنافسها على منصبها، لذلك الذكور مهمتها تلقيح الملكات، والإناث عاملات، والملكة مهمتها الولادة .

Share Button

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *