Share Button

بقلم : د. مجدي إبراهيم 

 

قديماً؛ كان “أفلاطون” قد جعل من الجدل علماً أقام الحوار الفلسفي الذي اصطنعه في محاوراته عليه؛ فبلغ بمنهج الجدل قمته؛ إذ كانت فلسفة الحوار هي لب لباب الجدل. ومعنى الجدل : نقل اللفظ من معنى المناقشة المموّهة كما جاءت على يد السفسطائيين إلى معنى المناقشة المخلصة التي تولد العلم. وجعل الحوار الفلسفي من طريق الجدل وسيلة لبلوغ هذا العلم.

وكتب “أرسطو” في الجدل كما كتب في الشعر والخطابة وألف البرهان والأغاليط، وأدخل المنهج الجدلي في سائر العلوم النظرية بعد أن هدته دراسته لطريقة الجدل لدى أفلاطون إلى فكرة تصنيف  الكليات الخمس وهى : الجنس والنوع والفصل والخاصّة والعرض؛ وأعتمد أرسطو على طريقة الجدل؛ ليبيّن لنا أنواع القضايا والأحكام التي تعبّر عنها. واعتبر المعاصرون من علماء المناهج المنهج الجدلي هو منهج متمم لمناهج البحث، (الاستدلالي ـ الاستقرائي ـ الاستردادي ـ الوصفي) مُكمل لها. وذلك لأنه يحدد طريقة التناظر والتحاور بين الجماعات العلمية، أو فى المناقشات العلمية على اختلافها. ويقوم على المحاورة ودفع الحجة بالبرهان، وعلى النقاش بين أصحاب التوجهات العلمية على اختلاف اختصاصاتها.

وسوف أسوق مثلاً من واقع الفكر الإسلامي على تطبيق المنهج الجدلي لدى المتكلمين مع نقده؛ إذْ كان منهجهم في مناقشة قضايا العقيدة مناقشة كلامية هو المنهج الجدلي الخطابي؛ فإذا كان منهج الفلاسفة هو المنهج العقلي البرهاني، وكان منهج الصوفية هو المنهج الذوقي الوجداني؛ فمنهج علماء الكلام هو المنهج الجدلي. ومن ثم ظهر أهم ما يميز دائرة علم الكلام : أنها دائرة نظرية تعتمد الجدل كمنهجية وإنشاء الخطابة وممارسة “فن التحاور” في الدفاع عن العقائد الإسلامية.

ولذا؛ كان تعريف علم الكلام كما في عبارة “ابن خلدون”  هو : الدفاع عن العقيدة الإسلامية بالحجج المنطقية والبراهين العقلية ضد النزعات اليهودية والنصرانية، وضد أصحاب الديانات الأخرى كالمجوس والصابئة وغيرهم التي حاولت هدم عقائد الإسلام وتشكيك المسلمين في عقيدتهم الدينية؛ فنشأ علم الكلام بمنهجه الجدلي؛ ليدافع عن العقيدة الإسلامية ويقيم قنوات التحاور النظري ضد طعنات أعداء المسلمين ممّن أرادوا هدم الديانة الجديدة من أصحاب العقائد الأخرى، واتخذوا من الجدل فناً للنقاش وأسلوباً للتحاور إذْ ذاك، فكان المنهج الجدلي منهجاً لنشأة علم الكلام يوم كانت النشأة ضرورة فرضتها وقائع المسلمين.

هذا من حيث النشأة .. ولكن من حيث ممارسة العقيدة والتوحيد، لم يكن هذا المنهج فاعلاً وحده. ولم يكن كافياً على المستوى الداخلي لإرساء قواعد التذوق للمبادئ الإسلامية، ولممارسة الدين الإسلامي وكشف حقيقة الإنسان الأصيلة. لقد تكلم الفلاسفة وكبار النُّظَّار في الوحدة الإلهية، ولم نستطع أن نفهم منهم على وجه الدقة … ماذا عَسَاهم يريدون بكل هذا التراث الذي يَكَادُ أن يكون مهجوراً إلا بين المختصين؟!

تركوه لنا لندرسه ونحققه ثم لا يَلْبَث أن يَتَلاشى من عقولنا وأفئدتنا لكأننا ما دَرَسْنا ولا تعلمنا منه شيئاً، كل ما هناك أن نأخذ من خلاله الشهادات العلمية والدرجات البَرَّاقة العليا كيما نصبح في مجال العلم من النوَابه المتفوقين، ومن المفكرين المُنَظّرين، ولكن دون جدوى نعيش خنازير ونموت خنازير! لأننا لم نكتشف بعد حقيقتنا الأصلية، ولم نتوحَّد مع معارفنا النظرية بحيث تكون سلوكاً لنا نعيشه حياة ونتملّاه.

لم نكن إلا ببغاوات آدمية تردد على التقليد ما تقرأه وتحفظه بغير أن يسري المقروء والمحفوظ في الضمائر فينا وفي القلوب، وبغير أن نعرف أن الكلمة نقولها ـ فيما لو كانت حقيقة لا دعوى ـ إنْ هى حال صاحبها ولا تزيد، وأننا لازلنا حتى اليوم مع كل ما نقوله أو نكتبه نَتَجَرَّع غُصَص المرارة التي يفترق فيها السلوك عن الاعتقاد، أو الخطاب الأيديولوجي عن الممارسة العملية، أو التصوُّر الذهني عن الدلالة الواقعية، أو المقولة عن التجربة.

لم نتَشرَّب هذه التجربة الروحية، ولم نتذوق قطرة من عبابها الفياض بلوعة المعاناة. ولم نكن من أهلها القادرين عليها في كل حال والصادقين في ولوجها تحققاً بما فيها من مفعول الوعي ومفعول التطبيق.

لم نمشْ مشيهم في طريق الله، ولا حذونا حذوهم اتصالاً بهذا الطريق. ولم نعرف “وحدة القصد” إليه إلا بالنظر نستقيه من الكتب والمصنفات لا من واقع التجربة الروحية الحَيَّة أو واقع الذات العارفة خبرةً واستشرافاً وتحققاً وتطلعاً دائماً نحو الخفاء المجهول.

فنحن من أجل ذلك؛ أجهل في هذا الطريق (طريق الله) من دواب، تلك هى الحقيقة التي ينبغي أن نسطرها هنا رغماً عن أنوفنا صاغرين، وأي قول غيرها كذب وادّعاء، هو دعوى عريضة لا يقوم عليها من واقعاتنا الفعلية أدنى دليل.

والذين تكلموا في هذا الطريق ولا يزالوا فيه يتكلمون بغير معونة من ذوق أو من تجربة أو من تحقيق، هم أسوأ خلق الله وأشَدَّهم ضلالاً فيه، وأكثرهم ضرباً في متاهات دروبه الوعرة بمعونة عقولهم المحدودة لا بمعونة أذواقهم ومواجيدهم التي تكاد تكون معدومة الخبرة، فاقدة الأهلية، عقيمة البصيرة في هذا المجال على التخصيص.

إنّ هُوةً وسيعةً شاسعةً بين القول النظري والتطبيق العملي لهى أكبر الكوارث الخُلقية كما أنها أكبر الكوارث التي تبعدنا عن الله بمقدار ما تقربنا من “الوهم”، وتودي بنا في أودية المهالك، وتفتت عرى روابطنا الروحيّة : تمزقنا أشلاءً متناثرة في دروب الحياة الدنيا التي تمضي بنا إلى سراب هو أقرب إلى الوهم في غير تحقيق.

لم نكن قادرين على سدّ الفجوة بين الخطاب الأيديولوجي والممارسة التطبيقية أو بين القول والعمل، أو بين العقيدة والسلوك. وإنها لهوة سحيقة غائرة يقع فيها الوجود الإنساني ـ إلا ما رحم ربك ـ وإلا ما كشف عنه الغطاء، وإلا ما تولاه بحفظه ورعايته وعنايته وخَصَّهُ بخصوصية ولايته، إلا هؤلاء جميعاً؛ فالوجود الإنساني مدحورٌ في الجهالة والعمَاية والتردي عن “وحدة القصد” واكتشاف حقيقة البذرة الإنسانية الموصولة بالله على الدوام في أغواره الباطنة.

أقول؛ إنّ الفلاسفة وكبار النُّظَّار والمتكلمين في تاريخنا الفكري الفلسفي الإسلامي تحدثوا كثيراً عن الوحدة والتوحيد بمناهجهم التي اَسْتَنْوُها وفق ما تدفعهم إليه غايتهم سواء كانت هذه الغايات تقصد وجه الله حقيقة ـ والله وحده يعلم نواياهم ـ أو يتخفى ورائها توجهات سياسية كما حَدَثَ في نشأة الجبرية، وتشجيع خلفاء بني أمية على شيوع مذهب الجبر بين العوام تمكيناً لحكمهم وتعزيزاً لهذا الملك كونه من تمكين الله لهم، وأنهم لمجبرون عليه قهراً لا طمعاً كما يجبر المرء على كل ما لا حيلة له فيه، أو كما كان هو الحال لدى المعتزلة الذين تَذَرَّعوا بذرائع سلطان القوة والملك كيما يقيموا في الضمائر والقلوب سلطان “الفكرة” و”الرأي”؛ ففرضوا على الناس بالسيف أنظارهم العقلية وأنشطتهم المعرفية وتخريجاتهم إزاء النَّص المقدَّس بما يخدم المآرب السياسية؛ الأمر الذي جعل من الخليفة المأمون إذْ ذَاَك يسجن وراء القضبان كبار العلماء في عصره ممن خالفوه الرأي ـ وهو رأي المعتزلة ـ في مسألة خلق القرآن.

هذه وقائع في تاريخنا الفكري، وإنْ تكن معروفة متداولة فلا ينبغي أن نمر عليها مرور الكرام ولا نتوقف عندها؛ لأنها تكشف عن “كزازة روحية” في المقام الأول، جعلت من الدين غطاءً للوصول إلى السلطة السياسية دون اعتبار للقرآن في ذاته، ودون تحقيق كثير أو قليل في مسائل التوحيد.

وليس في هذا المعترك العلمي المخلوط بتوجهات سياسية ـ مع كل ما قيل فيه أو قيل عنه كائناً ما كان أو من كان هذا القائل ـ ما يمس “وحدة القصد” في شيء، ولا فيه ما يكشف ما لله في باطن الإنسان، ولا فيه ما يشجع على الاتصال به ومعرفته على شرعة المحبة والتحقيق، ولا فيه ما يحقق طريق القصد إليه من أدنى وأقرب طريق.

مَنْ يُمَارس “النظرية” كما مارسها الفلاسفة وعلماء الكلام يخرج في الغالب بثمرة معرفية معزولة عن توجه القلب الذي يعول عليه كل ما لله من معارف وتوجهات. ولم يستفد من العلوم الجدلية الخطابية إلا قدرة تورث العقل التحليق في الفضاءات النظرية المجردة بغير أن تمس الشعور مَسَّات التهذيب والاتصال بالله حقيقة لا مجازاً يفتقر إلى التحقيق. إنما الوحدة هى اكتشاف صوفي بامتياز. والقصد إليها ومحاولة الوصول إلى كنهها في الضمير الإنساني والعمل لأجلها بوسائل الرياضة والمجاهدة والترقب والاختبار إنما هو مهمة التصوف الإسلامي ممثلاً في أدبياته وشخصياته البارزة بين سنية ومتفلسفة في مقابل أنظار الفلاسفة والمتكلمين ممن تَوَخْوُا على الدوام منهجاً وطريقاً في السير أحال المعرفة لديهم إلى ظن لا يقين فيه؛ بمقدار ما صار التوحيد ـ مع التخليط في غير وحدة قصد ـ  أوْحَالاً يتناقلها خلفٌ عن سلف، وترددها على التقليد أبواق الأجيال جيلاً وراء جيل.

لم يستطع أحد ـ إلا في القليل النادر ـ أن يكتشف حقيقة التوحيد في ذاته، أو أن يجعل من هذه الحقيقة سبيلاً يقصده الناس دون أن يفترقوا فيه؛ لينتظم في القلب أولاً ثم يشع النور منه منعكساً على المجموع؛ ليُرى آثاره وثماره في الأخلاق والمعاملة والعبودية والتوجه والتسليك، أو ما شئت أن تضيف في أمور الحياة التي من المفترض فيها أن تخضع على الدوام للرقابة الباطنة : رقابة الله الأحد فيما يتولاه الضمير من علم ومن عمل ومن تقرير.

لم يكن التوحيد كما جاء على ألسنة علماء الكلام والفلاسفة إلا “نظرية” قلدوا فيها نظرات اليونان من أفلاطون وأرسطو وأفلوطين؛ ليجذبهم التنظير الفكري والمجادلات الفلسفية جذباً يكاد يبعدهم عن تقرير الحقيقة التي قررها وحي النبوة، لا بل منهم من ادّعى إمكان اتصال الفيلسوف بالمصدر الذي استقي منه النبي مشكاته، فساوى عن قصد وتعمد بين الفلسفة والنبوة كما فعل الفارابي حتى صَرَّحَ ابن طفيل، ناقداً له في غير تردد، بسوء معتقد الفارابي في النبوة.

صحيح أن هنالك محاولات عقلية سواء من جانب الفلاسفة والمتكلمين جادة ومثمرة وثرية في ذات الوقت، ولكنها لا تستهوي من أرادوا لأنفسهم أن تصل إلى “حقيقة الحقائق”، أو تتصل بالوجود الإلهي أو تتكشف حقيقتها الخفية المرقّاة إلى درجة الإنسانية الكاملة. لم يستهو هؤلاء فكرة البحث المجرد عن اللواحق العملية، ولا الغفلة بالكلية عن مسائل المصير. حقيقة إنما الدنيا فترة ضيافة والعمر فيها قصير والأجل محدود فهل يكون حظنا منها هو فقط ما نناله فيها من مغبون القيمة والتقدير؟

إنما القيمة والتقدير هما فيما عَسَاه يصل به المرء إلى حقيقته الأصلية ويكتشف ما لله في باطنه : قلبه وضميره وخفاياه. هنالك يصبح التوحيد معرفة تذاق لا عبارة تلفظ. يصبح “حالة” لا “مقالة” بتعبير القشيري، يصبح تجربة تُخَاض كما تخاض التجارب الكبرى في حياة الإنسان يخوضها القادرون عليها، الصابرون على التحقق منها والموفقون إلى خوضها بعون من الله. يصبح إدراكاً علوياً قائماً على المعايشة لا فكرة نظرية مجردة عن التسليك.

والفرقُ بينهما هو فرق بين مناهج الفلاسفة والمتكلمين من جهة، والصوفية من جهة ثانية. مناهج الفلاسفة نظرية أو جدلية : قصد العلم والغلبة فيه، مقدّم على قصد التصفية والتذوق.
ومناهج الصوفية مناهج سلوك ومعايشة وتحقق وتخلق وتذوق. 

نعم ! هو فرق بين علوم الأفكار وعلوم الأذكار أو بين طريق العقل وطريق التصفية. إنّ الصوفي وحده لهو الذي تحدى سلطة العقل والنظر والتحليق المجرد؛ فخصّ التوحيد بفرائد الخصوصية، ولم يستطع أن يكون بهذا التخصيص سوى فرداً متفرداً في التوجُّه؛ إنه ليعرف جيداً معنى هذا التوجُّه، فيدركه كما يدرك المرء كل محسوس منظور؛ لأنه تعود على تحدى العوائق المحدودة بحدود ما يفكر فيه الإنسان العادي. وكما تَعَوَّد على التعالي والتجاوز تعود أيضاً على أن يتسامى فوق ما هو منظور في كل حال وفي أية حال.

والتسامي والتجاوز وامتصاص السقطات الإنسانية وتحمل أذية الناس وأخطاء الضعفاء إنما هى قدرة يمنحها الله لمن يشاء حين يشاء من عباده.

لا شك إنّ “تَوَجُّه” الصوفي إلى الملأ الأعلى في الغالب لهو الذي يخلق فيه قوة التحدي ويرشده باليقين إلى أمور كان قد أدركها ولم يكن في مستطاع غيره أن يتوافر على إدراكها. وليس يكفى للصوفي أن يتحدى فقط سلطة العقل والنظر والتحليق المجرد، ولكنه يتحدى أولاً وقبل كل شيء أهم سُلطة يمكن أن تعوق مسيرته الروحية والفكرية وهى : سُلطة التقليد الأعمى لأصحاب السلطة الدينية.

فالذين يَتَسّلطون على الضمائر باسم الدين أسوأ خلق الله على الإطلاق، ولم يكونوا بمثل هذا السوء إلا لأنهم أقل خلق الله شعوراً بمعيته وتطلعاً لقَيوميَّته، فمتى نبذ الصوفي التقليد لأصحاب السلطة الدينية، أياً كان أصحابها، تساقطت أمامه على الفور كل سلطة سواها، ولم يعد يخشى من أمره خوفاً لا من أصحاب السلطة الدينية كائناً ما كانوا أو مَنْ كانوا، ولا من أصحاب السلطة الدنيوية؛ لأنه إذْ ذَاك سيكون قد تَحَرَّرَ من عبادة السّوى بإطلاق, وهنالك سينقله التوجه إلى الملأ الأعلى نحو الذكر القلبي : عبادة الفكرة الدائمة.

ولن يستطيع أن يصل إلى عبادة الفكرة الدائمة ما لم يكن من قبل قد تحرّر من عبادة السّوى ونبذ التقليد الأعمى لكل ذي منصب أو جاه أو دنيا أو سلطان. هنالك سيَعْرف أن الحياة التي يعيشها بغير الذكر القلبي (عبادة الفكرة الدائمة) إنما هى هَذَيَان : عبثٌ أو يكاد أن يكون عبثاً في كافة الأحوال.

تظهر إذن من هذا المثال الذي سقناه فوارق المنهج في تناول العقيدة بين الفلاسفة والمتكلمين والصوفية؛ إذْ يعمل المنهج نفسه في مضمون العقيدة التي يدين بها بالولاء؛ فتراه يؤدي بصاحبه إلى نتائج قد تختلف أو تفترق عن النتائج التي استخدمها منهج آخر سواه. فالعقيدة واحدة. والتناول المنهجي لها مختلف عند كل فريق، ومن ثم تأتي النتائج مختلفة ومتباينة؛ فليس تناول الفيلسوف لقضايا العقيدة كتناول المتكلم لها، ولا كتناول الصوفي. الفرق في المنهجية التي يستخدمها كل أحد ويُعملها على العقيدة التي يقوم بدراسة موضوعاتها، إمّا بالنظرية إمّا بالتطبيق. وبما أن الموضوعات التي تتوارد في مجال من المجالات مختلفة؛ فطبيعة الموضوع هى التي تحدّد المنهج، والعكس خطأ صريح.                                                           

وبعد هذا المثال المُساق؛ لتطبيق المنهج الجدلي على العقيدة بين الفلاسفة والمتكلمين والصوفية، نختم حديثنا بالقول : بأن الفصل بين مناهج البحث العلمي لا يكون مطلقاً. والمفاضلة بينها إنما يكون على أساس طبيعة المشكلة أو الموضوع العلمي الذى يبحث فيه فيختار الباحث منهجه وفق طبيعة موضوعه. والهدف من الدراسة، ونوعها، وحجمها. فموضوعات التربية المنطقية مثلاً تتداخل فيها المناهج الخمسة (الاستدلالي والاستقرائي والاستردادي والوصفي والجدلي). أى يمكن استخدام أى منهج منها في البحوث التربوية باعتبار أن التربية مثلا علم تتداخل فيه التخصصات الكثيرة. ولعلّ أسبق هذه المناهج فى البحث العلمي هو منهج التأمل الاستدلالي أو الاستنباطي، وبه استدل للحصول على أولى المعارف الإنسانية. ولكن مع ذلك كله يبقى البحث العلمي هو “القانون” أو “المبدأ” أو “القاعدة” التي تحكم أي محاولة للدراسة العلمية في أي مجال من المجالات سواء كانت نظرية أو كانت عملية وفي مختلف الميادين البحثية.

 

بقلم : د. مجدي إبراهيم 

 

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *