Share Button

 

بقلم ا.د/إبراهيم محمد مرجونة
أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية-رئيس قسم التاريخ
كلية الآداب بدمنهور

أرض النفاق… رواية ليوسف السباعي ، صدرت لأول مرة سنة 1949م تُصنّف هذه الرواية ضمن الأعمال الأدبية الاجتماعية التي تغرس اهتمتمنا في عمق المشاكل الاجتماعية. تتحدث الرواية عن المجتمع المصري والعربي في نهاية الأربعينات في إطار خيالي ولكنها واقعية في نفس الوقت. فضح الكاتب في الرواية معظم أشكال العوار الاجتماعي والسياسي في تلك الفترة الحرجة حيث كانت حرب فلسطين على الأبواب والمجتمع المصري في حالة غليان داخلي ومن بين الافتباسات التي وردت فيها:(“نحن شعب يحب الموتى، ولا يرى مزايا الأحياء حتى يستقروا في باطن الأرض.”) ، (“إن الإنسان .. هو الإنسان .. غشاش .. مخادع .. كذاب منافق .. في كل أمة .. في كل جيل”)
وعندما ينتشر فيرس التفخيم والتعظيم بمستوى يفوق النفاق ثم يأتي التفخيم والتعظيم للعلماء فتكون الطامة الكبرى فقد عُرِف العلماء بتواضعهم وظرفهم، وعذوبة معشرهم، وحبهم للناس، والميل إليهم، والتقرب منهم ومسامرتهم وتكريمهم. واقترنت الحكمة بالتواضع، واكتنزت بالمحبة، واهتزت أغصان المعرفة بحمولة السلام. وعلى خلاف ذلك ارتهن الجهل بالغرور، واشتّد بالاستكبار، ونما بالغطرسة. وإذا كان العالِم يٌعْرَف بتواضعه فإن الجاهل يتميز بغروره، ويعرف بتبجحه وتعاليه واستكباره. واذا كانت العلم قرينا للتواضع وهذا أكيد مؤكد فإن الجهل لا يكون إلا صنواَ للغرور والاستكبار وموئلا لمشاعر التضخم المرضية النرجسية. ويقول: (إلفرد دو موسّيه) “ليس للرجل سوى مجدٍ واحد حقيقي، هو التواضع”.
وينبئنا تاريخ الفلاسفة أن الفيلسوف الإغريقي فيثاغورث (570-495Pythagoras -) ق.م اعترض على تسمية الفيلسوف بالحكيم ونظر إليه على أنه مجرد محب للحكمة، فالحكمة أوسع من أن يقبضها الإنسان الفيلسوف، بل أقصى ما يمكن أن يصل إليه الإنسان هو فضيلة المحبة للحكمة التي تفيض بأنوارها الكونية، ومن هذا المنطلق التأسيسي كان يعتقد بوجود حكيم واحد هو الله لا غيره العارف بأحوال الكون والقابض على أسراره – وما الفلاسفة في النهاية إلا محبو الحكمة وعاشقوها – وفي قوله يكمن سر التواضع الفكري والفلسفي بين العلماء والمفكرين .
ومن أخبار التواضع المهيبة في الفلسفة والحكمة، يروي لنا بانوفسكي (Panofsky E.) أن ” الفيلسوف الألماني الشهير بمقولاته التنويرية عمانويل كانط تلقى زيارة من طبيبه قبل وفاته بتسعة أيام، وكان طاعنا في السن، مريضا، شبه أعمى، وما أن رأى زائره حتى قام من أريكته ومكث واقفا، يرتعش من الوهن، يتمتم بكلمات غير مسموعة. وقد أدرك زائره أنه كانط لن يستعيد سكونه ما لم يأخذ مقعدا ويجلس عليه، وهو ما قام به؛ وعندها هدأ الفيلسوف وسكن، وعندما استعاد بعض قواه قال: لم يغادرني حسّ الإنسانية بعد. وبفعل الارتباك، كان سامعاه على وشك البكاء”..
إن أحد أهم الدروس التي تعلمناها في مسيرة الحياة والمعرفة الأكاديمية أن المعرفة تتسم بالتواضع وترتسم فيه وتنهل من معينه، وأن أي علم فارق سمة التواضع هو علم خواء ومعرفة فارغة. فالتواضع سمة العلم وشيمة العلماء. فالتواضع هو إيمان عميق وإقرار راسخ بأن المعرفة بحر لا قرار له ومهما تعلم الإنسان فليس له من العلم إلا قليلا. ،أن العلم لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك وهذا الأمر يشكل جذوة التواضع في العلم والمعرفة.
ويصف الكاتب اللبناني (علي حرب ) حالة المثقف الجامعي، الذي غُرّ بنفسه ووقع تحت العُجْبَ بذاته، وبلغ حالة الشعور بالعظمة والاحساس الطاووسي بالاستعلاء على غيره من أبناء جلدته، وتعامله مع نفسه على نحو نخبوي اصطفائي ،أي اعتقاده بأنه يمثل عقل الأمة أو ضمير المجتمع أو حارس الوعي. إنه صار في المؤخرة بقدر ما اعتقد أنه يقود الأمة، وتهمش دوره بقدر ما توهم أنه هو الذي يحرر المجتمع من الجهل والتخلف …ولا عجب :فمن يغرق في أوهامه ،ينفي نفسه عن العالم، ومن يقع أسير أفكاره ،تحاصره الوقائع.
وهنا علينا أن ندرك بأن الشهادات العلمية في زمن الليبرالية الجديدة صارت تباع وتشترى حتى أصبح لها سوقا واسعا تزّور فيه الشهادات وتباع في الدبلومات العالية في أسواق النخاسة العلمية دون حسيب أو رقيب. ومما لا شك فيه أن الشهادات العلمية تشكل مؤشرات لا يستهان بها في مجال التحصيل العلمي والمعرفي ولكن المبالغة في تبجيلها وتعظيمها وإضفاء الهالة على حامليها يجعل من الأمر قضية إشكالية يجب أن تعالج وأن تخضع للبحث والتحليل خارج دائرة التقديس والتمجيد. وخلاصة القول أن الحصول على الشهادات العالية لا يعني إبدا الحصول على مطلق المعرفة وأن حملة هذه الشهادات يمكن أن يكونوا على درجة متواضعة من العلم والمعرفة، وأن التفوق مرهون بالنشاط والعمل والتدرج في مراتب المعرفة ومدارج العلم.
والادهى والأمر ظهور كتيبة جهزت نفسها على أعلى مستوى وتعلمت كل أشكال وأنواع النفاق والتفخيم والتعظيم وإن شئت فقل التقديس ، وخرجت تلهث وراء مصالحها حيثما وجدت مع العلماء في المجالات الأكاديمية أو مع المسئولين أو أصحاب السلطة أو الجاه والنفوذ قدموا كل مرادفات التفخيم والتعظيم وصاروا يباركون خطواته سواء كانت على الطريق الصحيح، أو جانبها الصواب، وسواء كان التأييد نابعًا من عاطفة جياشة نحوه ، أو جاء من جانب الذين احترفوا نفاق كل عالم أو صاحب سلطة أو جاه سعيًا للتقرب من دائرة اتخاذ القرار والاستقواء.. وتحقيق المكاسب تلو المكاسب ومعظمها غير مشروع.
هؤلاء أصابهم هوس التفخيم والتعظيم و يشكلون حزب «التطبيل» و«التزمير» و يتغير ولاء أعضاء الحزب إلى القادم الجديد.. «آفتها النسيان» على حد تعبير الاستاذ نجيب محفوظ. يغير هؤلاء مبادئهم، كما يغيرون ملابسهم الداخلية دون خجل.. ويوضح تاريخهم أنهم سرعان ما يحولون بصلتهم إلى القادم الجديد.
وأخيرا : أوصيكم ونفسي بعزة النفس والكرامة فهما أمران مرتبطان ببعضهما البعض، ويجب على كل شخص أن يفعلهما للحفاظ على نفسه، فجمال الوجه يجذب الانسان، لكن جمال النفس يأسره.
يا طير يا طاير في السما طز فيك.
ما تفتكرش ربنا مصطفيك.
برضك بتاكل دود وللطين بتعود.
بتمص فيه يا حلو، ويمص فيك.. .و عجبى “صلاح جاهين”

Share Button

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *