Share Button

بقلم / محمـــــــد الدكــــــرورى 
لقد نادى الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – فى أحاديثه الكثيره بالحث على الإيمان بالله وباليوم الآخر واليوم الآخر هو الإيمان بكلِّ ما أخبرَ به الله – تعالى – في كتابه وأخبرَ به رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – في سُنَّته الصحيحة ممَّا يكون بعد الموت من فِتنة القبر وعذابه ونَعيمه، والبعث والحشر، والصُّحف والحساب والميزان، والحَوْض والصراط والشفاعة، والجنة والنار، وما أعَدَّ الله – تعالى – لأهلها جميعًا …

ومعنى ذلك أى إنَّ الإيمان بكلِّ ما أخبرَ الله – تعالى – به ونبيُّه – صلَّى الله عليه وسلَّم – بعد الموت، هو فرْضٌ على كلِّ مؤمن ومؤمنةٍ، وما عاد من أهل الملَّة والإيمان مَن جَحَد منها شيئًا.

ولقد كان الناس وما زالوا يَنْقسمون إلى قسمين في إيمانهم باليوم الآخر؛ فقسم آمنوا، وقسم كفروا، فأمَّا الذين كفروا وهؤلاء تناقَضوا في أسباب نفْيهم اليومَ الآخر ..

ومن هذه الأسباب السفِيهَة التي دَعَتْهم للكفر بمثْل هذا اليوم الآخر واقتنعتْ بها عقولُهم البليدة أنهم لا يؤمنون إلا بما يَرَون، وهذا متناقِضٌ في واقع حياتهم؛ فهم يؤمنون بالهواء ويعيشون بسببه، هل رأَوْه؟ كلاَّ، وعندما تسألُهم عن عِلَّة الْتِصاق الإنسان بالأرض، سيقولون لك: الجاذبيَّة، فالجاذبية هل رأَوْها؟ كلاَّ، وهم يؤمنون بالمئات من الحوادث في كلِّ يوم، يعتمدون عليها في رِزقهم ومعاشهم، فهل رأوها كلَّها؟ كلاَّ، فهذا هو تناقُضهم، فأعماهم وأضلَّهم، وأفسدَ عقولَهم …

ولقد اهتمَّ القرآن الكريم بهذا الركن لِحِكْمة عظيمة أرادَها الله – تعالى – فقَرَنَها بالإيمان به – تعالى – في مواضعَ عديدة من القرآن الكريم، ولا تفتأ تجدُ صفحة من القرآن إلاَّ وتتكلَّم عن هذا اليوم بصورٍ مُختلفة وأساليبَ شتَّى، ثم يرقَى الاهتمام عبر سبيل قرآنيٍّ جميلٍ، وذلك من خِلال تسمية هذا اليوم بالكثير من الأسماء التي وصلتْ إلى العشرات، بل سَمَّى – عز وجل – سورًا عديدة من القرآن على أسمائها، ومنها ..

القيامة والساعة، والصاخَّة والحاقَّة، والآخرة ويوم الدِّين، والزلزلة والقارعة، والغاشِية والآزِفَة، والطامَّة والواقعة، ويوم الخلود ويوم التَّناد، والآزفة ويوم الخروج، ويوم الْحَسرة ويوم التَّلاق، ويوم الفتْح ويوم الْجَمْع ويوم التغابُن…

ومن حِكمة هذا الاهتمام القرآني أنَّ الإيمان يُقوِّم نوازعَ النفْس، فيرشِّدها ويقوِّمها كلَّما تَذْكُر معادها ونهايتها ومآلَها، فيكون إنسانًا قرآنيًّا، سائرًا على أوامر الله – تعالى – عالِمًا بعاقبة كلِّ عملٍ، فإنْ كان خيرًا فخير، وإنْ كان شرًّا فشرٌّ، وما الحياة الدنيا إلاَّ مَحطة الاختبار.

ومن حِكمة هذا الاهتمام القرآني تحذيرُ النفس من الرُّكون إلى هذه الدنيا، وجعْلِها الغاية في العيش، فلا بُدَّ لك أيُّها المؤمن أنْ تعلمَ أنَّ الغاية في الدار الآخرة وليستْ هنا؛ قال – تعالى -: ﴿ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ ﴾ ..

وهذا كلُّه بعد العودة إلى الله – عز وجل – بعد البعث، بعد الرجوع، بعد الفَزَع الأكبر؛ ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ * إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴾ ..

وقد جاءت الأحاديث مُخبِرةً بأنَّه يَسبق النفخة الثانية في الصور نزولُ ماءٍ من السماء، فتنبتُ منه أجسادُ العِباد؛ ففي صحيح مسلم عن عبدالله بن عمرو قال: قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ثُمَّ يُنْفخ في الصور، فلا يسمعه أحدٌ إلا أصغى لِيتًا ورفَع لِيتًا))، قال: ((وأوَّل مَن يسمعه رجلٌ يلوطُ حَوْضَ إبِله، قال: فيُصْعقُ، ويُصْعَق الناسُ، ثم يُرسِل الله – أو قال: يُنزلُ الله – مطرًا كأنَّه الطَّلُّ أو الظِّلُّ – نعمان أحد رواة الحديث هو الشاكُّ – فتنبتُ منه أجسادُ الناس، ثم يُنْفَخ فيه أخرى، فإذا هم قِيام ينظرون…)).

والإنسان يتكوَّن في اليوم الآخر من عَظْمٍ صغير، عندما يُصيبه الماء ينمو نموَّ البَقْل، هذا العظْمُ هو عَجْب الذنَب، وهو عظم الصُّلب المستدير الذي في أصل العَجُز، وأصل الذنَب؛ ففي صحيحي البخاري ومسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما بين النفختين أربعون، ثم ينزل من السماء ماءٌ، فيَنْبتون كما ينبت البَقْل، وليس في الإنسان شيءٌ إلاَّ يَبْلَى، إلا عَظْمًا واحدًا، وهو عَجْب الذَّنَب منه خُلِق، وفيه يُركَّب)).

Share Button

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *