Share Button

بقلم / محمــــد الدكـــــرورى
لماذا الخلافات ؟ ولماذا كل هذه الصراعات التى نعيش فيها ؟ ولماذا وصلنا الى هذا الحد من الخلافات والمنازعات والمشاحنات والبغضاء والكراهيه فأين الاصلاح وأين المصلحين ألم نعلم بأن الاصلاح بين الناس له من الأجر العظيم من الله عز وجل ألم نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم “ما عَمِلَ ابنُ آدم شيئاً أفضلَ من الصلاة، وصلاحِ ذات البين، وخلقٍ حسن” رواه البخاري

ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا “أفضل الصدقة إصلاح ذات البين” رواه البزار والطبراني ، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا “أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ؟” قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: “إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ.
وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ الْحَالِقَةُ ، أى : الخَصْلة الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تَحْلِق الدِّين، أي: تُهْلِكه وتَستأصِله كَمَا يَسْتَأصِل المُوسَى الشَّعَرَ ” رواه أبو داود

ويقول رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “لَيْسَ الكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ، فَيَنْمِي خَيْرًا، أَوْ يَقُولُ خَيْرًا” رواه البخاري ومسلم ، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم أيضا “الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ المُسْلِمِينَ، إِلَّا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا” رواه الترمذي ..
وإن الأمة تحتاج إلى إصلاح يدخل الرضا على المتخاصمين، ويعيد الوئام إلى المتنازعين ، إصلاح تسكن به النفوس، وتأتلف به القلوب، إصلاح يقوم به عصبة خيرون شرفت أقدارهم، وكرمت أخلاقهم، وطابت منابتهم، وإنهم بمثل هذه المساعي الخيرة يبرهنون على نبل الطباع وكرم السجايا.

فئات من ذوي الشهامة من الرجال والمقامات العلية من القوم، رجال مصلحون ذو خبرة وعقل وإيمان وصبر، يخبرون الناس في أحوالهم ومعاملاتهم، حذاق في معالجة أدوائهم، أهل إحاطة بنفوس المتخاصمين وخواطر المتباغضين والسعي بما يرضي الطرفين.

فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر الله لكل عبد مسلم لا يشرك بالله شيئا إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا”
ويدل هذا الحديث على أن الذنوب إذا كانت بين العباد فسامح بعضهم بعضاً سقطت المطالبة بها من قبل الله عز وجل .

وإن سبيل الإصلاح عزيمة راشدة، ونية خيرة، وإرادة مصلحة ، وبريد الإصلاح، حكمة المنهج، وجميل الصبر، وطيب الثناء، سبيل وبريد يقوم به لبيب تقي يسره أن يسود الوئام بين الناس ومن هنا يقول الله عز وجل (وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً)
سورة النساء .

وللإصلاح فقه ومسالك دلت عليها نصوص الشرع وسار عليها المصلحون المخلصون ، إن من فقه الإصلاح النية، وابتغاء مرضاة الله، وتجنب الأهواء الشخصية والمنافع الدنيوية ، إذا تحقق الإخلاص حل التوفيق وجرى التوافق وأنزل الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد.

أما من قصد بإصلاحه الترؤس والرياء وارتفاع الذكر والاستعلاء فبعيد أن ينال ثواب الآخرة، وحري ألا يحالف التوفيق مسعاه (وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) سورة النساء ..

وقد سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوت خصوم بالباب عالية أصواتهما؛ إذا أحدهم يستوضع الآخر ويسترفقه “أي يطلب منه أن يخفف عنه دينه”، وهو يقول: والله لا أفعل. فخرج عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: ” أين المتألي على الله ألا يفعل المعروف؟” فقال: أنا يا رسول الله. فقال له: “أي ذلك أحب؟”. فعدل الرجل عن يمينه، واستجاب لتذكير رسول الله صلى الله عليه وسلم ، طاعة لله ورسوله، واستجابة لداعي الحق.

وهذا فقه في الإصلاح دقيق، فلعل فشل كثير من مساعي الصلح ولجانه بسبب فشو الأحاديث، وتسرب الأخبار، وتشويشات الفهوم مما يفسد الأمور المبرمة والاتفاقيات الخيرة وإن من الخير في باب الإصلاح أن يسلك به مسلك النجوى والمسارة؛ فمن عرف الناس وخبر أحوالهم لاسيما فيما يجري بينهم من منازعات وخصومات وما يستتبع ذلك من حبٍ للغلبة وانتصار للنفس أدرك دقة هذا المسلك وعمق هذا الفقه.

وإن من الناس من يأبى أن يسعى في الصلح فلان أو فلانةٌ، وآخر يصر على أن تكون المبادرة من خصمه، وتمشياً مع هذه المسالك السرية والتحركات المحبوكة أذن الشارع للمصلح بنوع من الكذب في العبارات والوعود “فليس الكذاب بالذي يصلح بين الناس فينمي خيراً، أو يقول خيرا” هذا هو حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وفي خبر آخر عنه يقول الرسول الكريم الصلاة والسلام “لا يصلح الكذب إلا في ثلاث؛ رجل يصلح بين اثنين، والحرب خدعة، والرجل يصلح امرأته” وميدان الصلح واسع عريض؛ في الأفراد والجماعات والأزواج والزوجات، والكفار والمسلمين، والفئات الباغية والعادلة، في الأموال والدماء، والنزاع والخصومات.

ومن أجل ذلك فقد عظم ثوابه، وكبر أجره، فهو أفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة، فقد قال الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام “إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدِّين” ولقد باشر الصلح بنفسه عليه الصلاة والسلام حين تنازع أهل قباء، فندب أصحابه وقال: “اذهبوا بنا نصلح بينهم”.

وخرج النبى عليه الصلاة والسلام للإصلاح بين أناس من بني عوف حتى تأخر عن صلاة الجماعة ، وهكذا فما خطوة أحب إلى الله عز وجل من خطوة في إصلاح ذات البين” وإذا كان الأمر كذلك فمن ذا الذي لا يقبل الصلح ولا يسعى فيه، ليسوا إلا أناس قد قست قلوبهم، وفسدت بواطنهم وخبثت نياتهم؛ حتى كأنهم لا يحبون إلا الشر، ولا يسعون إلا في الفساد، ولا يجنحون إلا إلى الظلم.

والأشد والأنكى أن ترى فئات من الناس ساءت أخلاقها، وغلظت أكبادها، لا يكتفون بالسكوت والسكون، بل في أجوائهم يستفحل الخصام، ويقسو الكلام، وما أشبه هؤلاء بأعداء الإسلام وأهل النفاق، إنهم يلهبون نار العداوة ويوقدون سعير البغضاء كلما خبت نار الفتن أوقدوها ، ولا غرو بعد ذلك أن تضيع الحقوق، وتهدر الحرمات، ويرق الدين، وتنزع البركات.

إن إصلاح ذات البين هو التأليف بين المتنافرين والتوفيق بين المختلفين، وحقْن دماء المقتتلين، به تُسَل السخيمة في القلوب، وبه تزال الخطوب والكروب، وبه تحيا النفوس بعد العطَب، وتصان الحُرمات ونِعم المطلب، وبه تحفظ الحقوق والثروات، وبه يجمع الشمل بعد الشَّتات، وبه تؤصل المؤدة، وتُستدام الصلة بعد القطيعة، ويَسهُل سبيل التعاون على التقوى والبر، ويتحقق التواصي بالحق والصبر، والدعوة إلى الخير، فما أعظم شأنه! وما أعلى مكانه! وما أحسن عاقبته! وما أكرم عائدته!

وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ﴾، وصدق رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم إذ يقول: ” الصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحًا أحلَّ حرامًا، أو حرَّم حلالاً ” أي: إلا صلحًا على ما يخالف الشرع؛ لأنه لا بد أن يشتمل على معصية لله، أو جَور على عباد الله.

ولقد أمر الله تعالى بالصلح العادل، وجعله قرين التقوى وشرط الإيمان؛ إذ يقول في الكتاب المبين: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ سورة الأنفال ويقول: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ سورة الحجرات . وفى النهايه فإن إصلاح ذات البين والإصلاح بين المتخاصمين هذه عبادة عظيمة جداً فرط فيها الكثير، ولذلك عمت الفرقة والشتات في كثيرٍ من طبقات المجتمع ونواحيه، وتفككت كثيرٌ من الأسر، لو أن المسلمين تدخلوا كما أمر الله لتفادينا كثيراً من الشر، ولكن هذا يخالف الشرع، وهذا يهمل ولا يهمه الأمر، ولذلك انتشرت الخلافات، وعم الشقاق بين المسلمين، فلنبادر إلى الإصلاح على جميع المستويات ، والإصلاح بين كل متخاصمين من المسلمين ..

Share Button

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *