Share Button

 

بقلم / محمـــــد الدكـــــرورى

نسمع كثيرا عن قول جملة ” ده إنسان طيب ” ولكن أتدرى من هو الانسان الطيب ؟؟؟ إن الإنسان الطيب هو الطاهر المطهَّر الذي يحرص على أن يتجرد من كل نقص ودنَس يتطرق إليه، ويُخِلّ بإيمانه، وينأى بنفسه عن التلبس بالجهل والفسق، وقبائح الأعمال، وفي المقابل يتحلى ويتجمَّل بالعلم والإيمان ومحاسن الأعمال من أوصاف المؤمن التي تبيِّن حقيقةَ حاله وتكشف عن نُبْل أصله وكريم خصاله وصفه بأنه طيب، وكل امرئ يحب أن يوصف بذلك، ويكره ويبغض أن يوصف بأنه خبيث، بل وينفر من أن يكون من أهل هذا الطبع، فإذا كان الأمر كذلك، فما هي صفات الطيبين؟ وبأي شيء يمتازون؟ وكيف يعيشون؟

إن الإنسان الطيب يسعى في إصلاح نفسه وتقويمها وتكميلها، فطاب قلبه بمعرفة الله ومحبته، ولسانه بذكره والثناء عليه، وجوارحه بطاعته والإقبال عليه، فقد روى الإمام أحمد عن الامام علي رضي الله عنه قال: “جَاءَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ائْذَنُوا لَهُ، مَرْحَبًا بِالطَّيِّبِ المُطَيَّبِ“، أي الطاهر المطهر.

والمؤمن طيب في كل شيء، في أعماله وتصرفاته، في تجواله وتنقلاته، في حياته وبعد مماته، فإن سألتم عن نفس المؤمن فهي نفس طيبة، فعن معاذ بن عبد الله بن خبيب عن أبيه عن عمه قال: كُنَّا فِي مَجْلِسٍ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى رَأْسِهِ أَثَرُ مَاءٍ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُنَا: نَرَاكَ الْيَوْمَ طَيِّبَ النَّفْسِ، فَقَالَ: “أَجَلْ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ” ثُمَّ أَفَاضَ الْقَوْمُ فِي ذِكْرِ الْغِنَى، فَقَالَ: “لَا بَأْسَ بِالْغِنَى لِمَنِ اتَّقَى، وَالصِّحَّةُ لِمَنِ اتَّقَى خَيْرٌ مِنَ الْغِنَى، وَطِيبُ النَّفْسِ مِنَ النَّعِيمِ“… رواه ابن ماجه.

فمن النعيم أن يكون العبد طيب النفس، وقد روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : “يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ مَكَانَ كُلِّ عُقْدَةٍ: عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَأَرْقُدَ، فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ“.

وينتاب القلب أمراضٌ حسيّة وأمراضٌ معنوية، والأمراض الحسيّة تؤدي إلى الموت وفقدان الدنيا أما الأمراض المعنوية وهي أشد خطورةً تؤدي إلى خسران الدنيا والآخرة وللأسف أن الناس في هذا الزمان يهتمون بعلاج الأمراض الحسيّة أكثر من اهتمامهم بالأمراض المعنوية.

والقلب يمرض كما يمرض البدن وشفاؤه بالتوبة، والقلب يصدأ كما تصدأ المرآة وجلاؤها بالذكر، والقلب يعرى كما يعرى الجسم وزينته التقوى، والقلب يظمأ ويجوع كما يظمأ ويجوع البدن وطعامه وشرابه المعرفة بالله ومحبته والتوكل عليه، ولم تخلق النار إلا لإذابة القلوب القاسية، بل أعظم عقوبة على العبد هي قسوة القلب والبعد عن الله عز وجل .

والقلب موضع نظر الله تعالى: فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم واموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم واعمالكم” رواه مسلم.

فالله تعالى يوم القيامة لا ينظر إلى كم رصيدك أو ما هو منصبك ورتبتك، ولا ينظر إلى كم لديك من الأولاد والقصور والعقار، ولكن الله ينظر إلى هذا القلب وما فيه من خيرٍ أو شر، لذا ينبغي علينا أن نهتم بهذا العضو ونزيّنه بزينة الإيمان والتوبة والإنابة والله تعالى انزل لباسين: لباسًا ظاهرًا يواري العورة ويسترها ولباسًا باطنًا من التقوى يجمّل العبد ويستره، فإذا انكشف هذا الغطاء انكشفت عورته الباطنة كما تنكشف عورته الظاهرة بنزع ما يسترها من لباس..

وصلاح الجوارح بصلاح القلب: فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” ألا و إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب” فإذا كان القلب صالحًا فتبعًا لذلك تصلح الجوارح فلا ترى العين إلا حلال ولا تسمع الأذن إلا الحلال ولا يقول اللسان إلا ما يرضي الله تعالى، وإذا كان القلب فاسدًا فتبعًا لذلك تفسد الجوارح فترى العين تنظر إلى الحرام والأذن يسمع الحرام وكذلك اللسان تجده يفري في اعراض الناس صباح مساء وهنا يقول النبى الكريم صلى الله عليه وسلم ” لا يستقيم إيمانُ عبدٍ حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه” …

والقلب كثيرُ التقلّب فيقول النبى صلى الله عليه وسلم ” لقلب ابن آدم أشد انقلابًا من القدر إذا استجمعت غليًا ” ويقول أيضا صلى الله عليه وسلم “إن هذا القلب كريشةٍ بفلاةٍ من الأرض يُقيمها الريح ظهرًا لبطن” وفي هذا دليلٌ على أن القلب كانه ريشه لخفته وسرعة تأثره بالفتن وهو كالثوب الأبيض يؤثر فيه ادنى أثر هو كذلك مثل المرآة الصافية يؤثر فيها ادنى شيء.

والقلبُ عُرضةٌ للفتن فيقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ” تُعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودًا عودًا فأيّ قلبٍ أُشربها نكتت فيه نكتةُ سوداء وأيّ قلبٍ انكرها نكتت فيه نكتةٌ بيضاء، حتى تعود القلوب على قلبين “قلبٌ أسود مربادًّا كالكوز مجخيًّا، لا يعرف معروفًا ولا يُنكر منكرًا إلا ما اُشرب من هواه، وقلبٌ أبيض فلا تضره فتنةٌ ما دامت السماوات والأرض ” … رواه مسلم.

والقلوب أنواع كثيرة، أجملُها القلوب الطيبة الحنونة، فالكلُّ يُحبُّها ويُحبُّ أصحابها فالقلب الطيب أكثر رقَّة، يحمل أجمل النوايا، يتجمَّل بلطيف العبارة، له روح مميزة ، القلب الطيب له رائحة طيبة زكية، تشمُّها من بعيد حتى لو كانت بينك وبينه مسافات بعيدة ،القلب الطيب له رنين وإشارات تجذب المحيطين به حتى البعيدين عنه.

والقلب الطيب معطاء رغم قلَّة ما قد يكون لدى صاحبه من زادٍ ،القلب الطيب قلبٌ لو بحثْتَ عن مدلولات الإنسانية فيه، لوجدتَها عنده دون عناء ،القلب الطيب هو قلبٌ مهما بلغت به الأحزان تجده محتسِبًا صبورًا شكورًا، يُشعِرُكَ وكأن ليس به ألمٌ والقلب الطيب قلبٌ يحسُّ بألمٍ وأنين وأحزان غيره من القلوب، ويُؤلمه أن يرى أحبابه يتوجَّعُون.

والقلب الطيب قلبٌ يُشارِكُ المشاعر، ويحرِّك الأحاسيس، ويمنح الدفء ،القلب الطيب قلب يملِكُ إحساسًا مرهفًا ومشاعرَ رقيقةً لا تعرف قسوةً أو ذبولًا ،القلب الطيب، قلب لا يعرف الحِقْد ولا الضَّغِينة، لا ينتقم، طَبْعُه المسامحة ،القلب الطيب، يبتسم رغم ما يُعانيه ويؤلمه وحين يفعل ذلك فهو من باب الرحمة بغيره.

والقلب الطيب، يجعل من دمعاته البيضاء غِطاءً يطوي به كلَّ سوادٍ مِنْ حوله ،القلب الطيب لا يحمل سوى نسماتٍ رقيقةٍ مع شريط ذكريات سعيدة، يأبى أن يَمحوَها؛ وفاءً لعِشْرةٍ أو حديث سابق بينه وبين قلب مثله ،القلب الطيب قلبٌ لا يحذف أي صفحة من قاموس صفحاته الجميلة مع مَنْ يُحِبُّ، فكل الصفحات عنده باقية راسخة في الذاكرة عاصية على المحو أو الزوال.

والقلب الطيب، قلب لا يملِك صفحات سوداء، ولا يُمكن تلويثُه رغم كل ما يُعانيه من ملوِّثات الطقوس حوله ،القلب الطيب قلبٌ له رذاذ ذو رائحة عطرة، ينتشي وينتشر في الأنحاء أينما وُجِد وكلما وُجِد هنا أو هناك ،القلب الطيب إذا اعترى غيره الفناء بقي هو ” كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ” …

والقلب الطيب هو قلبٌ دومًا دافئ، لا يعتريه جليدُ المواقف، ولا ألَمُ الأيام، ولا جفاء المعاملة ،القلب الطيب قلبٌ يستحقُّ الاحتواء، هو قلب لا يُنسى ،القلب الطيب هو قلب خارج الأشياء، وألف تحية لكل قلب خارج خارطة الأشياء ، والقلب الطيب ربما يكون مصباحه ضعيفًا، إلا أنك قد تلحظ نوره يملأ أي مكان يذهب إليه أو يوجد فيه والقلب الطيب، ربما يحمل بصرًا ضعيفًا، إلا أنه قد يرى ما لا يراه الناس.

والقلب الطيب، ربما تكون ثقافته ضعيفة، إلا أن له من الذوقيَّات والتعامُلات الراقية ما لا تجده في القلوب من حوله، القلب الطيب قلبٌ ربما تكون خطواته في المشي إلى الآخرين ثقيلة، إلا أنه يأسر القلوب بخطوات سريعة وكأنه مغناطيس جاذب ،القلب الطيب رغم أنه كنز، إلا أنه حتى اليوم مدفون، ولم يستطع الكثيرون أن ينصفونه أو يكتشفوه.

والقلب الطيب، ربما يغيب عنك فترة، رغم ذلك تجده يبقى في داخلك حاضرًا حيًّا وفي جنباتك يتحرَّك وبك ينبض ،القلب الطيب قلبٌ يُؤثِّر فيك بروحه تارة وبرسائله تارة، فتستشعر تمامًا أنه قريب منك للغاية، معك ليس بغائب ،القلب الطيب، حين يمتلئ دفئًا يفيض فيضانًا ،القلب الطيب، دومًا حساس ودومًا ما يكون سريع الأذى؛ لأنه يحمل من الأحاسيس ما لا يحمله سواه من القلوب ،القلب الطيب ترى البسمة دائمًا على مُحيَّاه رغم كل ألم يعتريه.

والقلب الطيب يسرق البسمة، وينتزعها رغم ما قد يكون فيه من تعب ،القلب الطيب، قد يموت قبل أوانه؛ لكنه يبقى ذا أثرٍ يملأ الدنيا جمالًا حتى لو واراه التراب ،القلب الطيب هو أجمل هدية لصاحبه يحملها بين أضلعه لنفسه، يُقدِّمها للناس صدقة دون مال أو عناء ،القلب الطيب قلبٌ يحمل أسرار الوصول إلى قلوب الآخرين والقلب الطيب عكس القلب القاسي والقلب الطيب يبتسم تمامًا كما تبتسم الوجوه على مُحيَّا صاحبها.

والقلب الطيب قريبٌ من الله، بعيد من الشيطان، عكس القاسي بعيد عن الله قريب من الشيطان والقلب الطيب قلبٌ يحمل بداخله أعينًا جميلة ترى كل جميل، وتتغاضى عن كل ما هو غير ذلك والقلب الطيب يتناسب طرديًّا ودائمًا مع القلب الطيب مثله؛ لذلك فإن القلوب الطيبة لو كان أصحابها بعيدين عن أعين بعضهما إلا أنهم قريبون ،القلب الطيب هو كقلب الطفل يتمنَّى دومًا ما يفرحه ويرتاح له ويسكن إليه.

والقلب الطيب هو في حقيقته وردةٌ جميلةٌ لا ينبعث منها إلا كلُّ رائحةٍ جميلة وبألوان أكثر جمالًا /القلب الطيب قادرٌ على التصالح والتسامُح بسهولة، وقد يفرط في حق نفسه من أجل أن يكسب القلوب ،القلب الطيب روضةٌ صغيرةٌ من رياض الجنة تمنح للمؤمن ،القلب الطيب لا يسكنه الحقد والغل والحسد والكراهية مهما أساءت القلوب الأخرى إليه؛ لعلمه بأنها مهلكات تؤدي بصاحبها إلى النار فالمؤمن طيب في كل شيء، في أعماله وتصرفاته، في تجواله وتنقلاته، في حياته وبعد مماته، فإن سألتم عن نفس المؤمن فهي نفس طيبة ..

وروى ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم “إِنَّ الْمَيِّتَ تَحْضُرُهُ الْمَلَائِكَةُ، فَإِذَا كَانَ الرَّجُلَ الصَّالِحَ، قَالَ: اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ، كَانَتْ فِي جَسَدٍ طَيِّبٍ، اخْرُجِي حَمِيدَةً، وَأَبْشِرِي بِرَوحٍ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ، فَيَقُولُونَ ذَلِكَ حَتَّى تَخْرُجَ، ثُمَّ يُعْرَجُ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ، فَيُسْتَفْتَحُ لَهَا، فَيُقَالُ: مَنْ هَذَا؟، فَيُقَالُ: فُلَانٌ، فَيُقَالُ: مَرْحَبًا بِالنَّفْسِ الطَّيِّبَةِ، كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطِّيبِ، ادْخُلِي حَمِيدَةً، وَأَبْشِرِي بِرَوحٍ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ، فَيُقَالُ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ“…..

فيا لها من خاتمة حسنة، وثمرة طيبة نسأل الله من فضله….

Share Button

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *