Share Button

بقلم / محمـــــــد الدكـــــــرورى
لقد نهانا الله – عز وجل – عن الظلم وأمرنا أن نبتعد عنه والا نكون من الظالمين فالله – سبحانه وتعالى – لا يحب الظالمين ولنعم جميعا أن الظلم نهايته أليمه ولنعلم أنَّ الظلمَ من الأمراض الفتاكة، والجرائم البشعة، التي انتشرت في أواسط المجتمعات، حتى هلك إثر ذلك أفرادٌ وجماعات، وسحقت بسببه شعوبٌ، وأبيدت أُمم، وسلبت خيرات، ونزعت بركات.

ويكفينا إذا أردنا أن نعرف خطورته أن نعلم أن الله جل جلاله حرَّمه على نفسه، وجعله محرَّماً بين عباده، ومن أجل مكافحته وعلاج المرضى بدائه وإزالته واستئصاله؛ بعث الله الرسل، وأنزل الكتب، وأوضح السبل، قال سبحانه إرشاداً لعباده وتذكيراً: ﴿ وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا ﴾ وقال: ﴿ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ ..

ولقد حذر الباري جل في علاه من هذا الداء المستفحِل، فقال: (يا عبادي إنِّي حرمتُ الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا)، إنها دعوة للتطهر من أدران الظلم بجميع أنواعه، في حق العباد وحق المعبود، جاءت في سياق الامتداح للذين سمت نفوسهم، وتطهرت أرواحهم من براثِن الشرك ومستنقعات الرذائل: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾..

وإنّ الظلم والطغيان هو الديوان الذي لا يتركه الله حتى يقتصَّ من الظالم للمظلوم؛ فمرتع الظلم وخيم، وعاقبته سيئة،وجزاءُ صاحبه البوار وخراب الدار، ولو بغى جبلٌ على جبلٍ لدُّكَ الباغي منهما.

فعن جابرٍ – رضي الله عنه – قال: لما رجعت مهاجرةُ الحبشةِ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا تخبروني بأعجب ما رأيتم في أرض الحبشة؟ فقال فتيةٌ منهم: بلى يا رسول الله، بينما نحن يوماً جلوسٌ إذ مرت عجوزٌ من عجائزهم تحمل على رأسها قُلةً من ماء، فمرت بفتًى منهم، فجعل إحدى يديه بين كتفيها ثم دفعها، فخرت المرأة على ركبتيها وانكسرت قُلَّتُها، فلما قامت التفتت إليه وقالت له: سوف تعلم يا غادر إذا وضع الله الكرسي وجمع الأولين والآخرين، وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون، سوف تعلم ما أمري وأمرُك عنده غداً، قال صلى الله عليه وسلم:صدقت، كيف يقدِّسُ اللهُ قوماً لا يؤخذ من شديدهم لضعيفهم؟…

وإنَّ من ألدِّ خصوم البشرية وأعداء الإنسانية، هم جلساء الظلمة وبطانتهم وأعوانهم، الذين يحققون للظالم رغباتِه، ويوصلونه إلى طموحاته وأمنياته، يحسنون القبيح ويقبِّحون الحسن، يزينون له الباطل ويسترون الحق، يحجبون الفضيلة ويعينون على الرذيلة، يقرِّبون السفهاء ويُبعدون العقلاء.

ونتأمل جميعا إلى قول ربك وهو يبين مصارع الطغاةِ وأعوانِهم، وأنهم لا يستطيعون أن يقدموا عذراً ولا مبرراً وهم الذين كانوا يثبِّتُون أوتاد الظلم ليخلُدَ في الأرض، قال تعالى حكايةً عن فرعون وحرسه وقواته الخاصة به: ﴿ وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ * فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ * وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ ﴾ [القصص: 39 – 42]

عَن ابنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ أَعَانَ ظَالِمًا سُلِّطَ عَلَيْهِ)).

ولقد ساق لنا القرآن نماذجَ وأمثلةً لمن استكبروا في الأرض، وطغوا وبغوا، وعاثوا فيها الفساد، وساموا شعوبهم أمر الشقاء والعذاب.. كيف كانت عاقبتهم؟ ما أخبار قُرُوشِهم وعروشِهم؟

ولنعلم جميعا انَّ ليل الظلم لن يستمر، وثوب العار سوف يتمزق، وشمس الحق سوف تشرق، وأعداءُ الله مهما مكروا فإنَّ الله سيستدرجهم من حيث لا يعلمون ﴿ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾ ..

ويقول صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الرجلَ لترفعُ له يومَ القيامةِ صحيفةٌ حتى يرى نفسه أنَّه ناجٍ فما تزالُ مظالمُ بني آدم تتْبعه حتى ما يبقى له حسنة، ويحمل عليه من سيئاتهم)) .

وإنَّ عصابة الظلم والطغيان في كل مكانٍ وزمان، تُحسن تقديم المبررات والأعذار، حتى يوم القيامة يظنون أنه سينجيهم تذرُّعهم بــ: ﴿ وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا ﴾ وأين كانت عقولكم إذن؟.. أما كنتم تقرؤن قوله تعالى: ﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾.

ولقد أخبرنا – صلى الله عليه وسلم – عن امرأةٍ ((دخلت النَّار في هرة حبستها، لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض)) .

Share Button

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *