Share Button
يوم عمّاني
بقلم /سليم النجار
متابعة/لطيفة القاضي
تفتح عمّان صباحاتها يوم الجمعة بفرح غير معتاد، وغير متكرر فكل يوم في عمّان له مذاقه الخاص.
شوارع وسط البلد تعجّ بالناس وربّات البيوت، وشارع الأمير محمد يمتلأ بباعة الرصيف، ويصبح فاكهة محرّمة على المّارة.
صلاة يوم الجمعة تقترب، وأصحاب المحلات وبعض المّارة الذين يأتون خصيصاً للصلاة في هذا اليوم العّماني، يستعدون للذهاب للمسجد الحسيني أحد معالم وسط البلد.
بعض المّارة يكملون مسيرتهم لسوق السكر، وآرمة صيدلية “يعيش” تعلن نهاية الشارع والانعطاف يميناً، من أراد الذهاب للمسجد، والأخرون يواصلون سيرهم اتجاه سوق.
وأثناء السير يفاجئك شاب في مقتبل العمر، ويقدم لك كوب ماء مبرد، وهذه العادة خاصة بيوم الجمعة، وما أن تضع قدمك في السوق، حتى تبدأ أصوات الباعة تطربك، اليافاوي يصرخ بأعلى صوته خيار يا حلو، والمصري بندورة يا مجنونة، والحيفاوي يشجي صوته أنين موجع يفطر القلب، برتقال ابو صرّة ما في منّه، والكركي يغني بصوت الربابة على الجميد، جميد كركي أصلي مش مغشوش، والعراقية التي افترشت مدخل السوق تعرض بضاعتها الملوخية والجرير. تتنقل بين البسطات، لعلك تفوز بسعر مناسب لجبيك، الذي يصرح طوال الشهر من فراغه شبه الدائم. لكن الصحف اليومية لها رأي آخر في هذا الموضوع، ما أن تقرأ مانشيتاتها، تعتقد للحظة أنك تعيش في سويسرا.
تتجول في السوق، ما أن تصادفك إحدى البسطات مغطاة بفراش عفي عليه الزمن، تعرف أن صاحبها ذهب للصلاة، ولكلٍ صلاته في السوق.
يَمُر الوقت ليس بالطويل، ويعلن خطيب المسجد الحسيني انتهاء خطبته، وإيذانا للصلاة. وما أن تنتهي، تبدأ الأمواج البشرية بالخروج، والشوارع المحاذية للمسجد تُخلي هذا الحيز، المخصص للناس، يتم الاستيلاء عليه من قبل المصلين، لأن المسجد لا يتسع لكل للمؤمنين، إنه كرنفال عمّاني، وبازار من الألبسة، فالبعض البنطال والشماغ، عنوانه، والبعض الآخر يحتفي بملابسه الأفغانية التي انتشرت في معظم العواصم العربية، بعد دخول القوات السوفيتية لأفغانستان، وأصبحت هذه الملابس محل اعتزاز رمز للثوّار الأفغان الذين يقاتلون السوفييت، وآخرون يمشون على الأرض هوينا بدشاديشهم الصعيدية.
يتفرقون أهالي عمّان كلٍ في طريقه، وتعود الحياة، وشباب البسطات، وأغلبهم من حي الطفايلة، وسكنة المحاسرة، ترتفع أصواتهم للترويج عن بضاعتهم، يتخللها نكات خارجة عن المألوف، وتنخفض أصواتهم مجرد ظهور امرأة.
وتنتشر بسطات الكتب التي تعرض نفسها بشكل قبيح، والمارّة يلقون نظرة ويذهبون الى حال سبيلهم، لتأتي الصدفة بشاب يبتاع بعض الكتب الأكثر انتشاراً، كعقب حديدية لجاك لندن، وقصة حب مجوسية للكاتب عبد الرحمن منيف، ورواية عابر سرير لأحلام مستغانمي. وبعض المتحذلقين يبحثون عن روايات الكاتب سليم بركات، قد تخدمهم الصدفة بوجود رواية “موتى مبتدئون”، وما بين المتحذلق وشخصيات بركات التي تعيش في متاهات: من نحن؟
وشاب آخر معجب بكوفيته الزرقاء، والغرور يملأ وجهه ويسأل عن الشاعر محمود درويش، هيئته لا تدل على أنه قرأ له، لكنه سمع شطر شعر من أشعاره: جنون أن تكون فلسطينياً” كأنه وجد ضالته.
وتستمر عمّان في الحياة، بعد أن ودعت يوم الجمعة، لتستقبل يوم آخر.
قد تكون صورة لـ ‏‏نصب تذكاري‏ و‏سماء‏‏
Share Button

By ahram misr

رئيس مجلس ادارة جريدة اهــــرام مــصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *