Share Button

فى طريق الاسلام ومع رمضان والفرقان ” الجزء السابع “

إعداد / محمـــد الدكـــروى

ونكمل الجزء السابع مع رمضان والفرقان، وإنها صور فريدة، تمثل التطبيق الواقعي لمبدأ الولاء والبراء، فالرابطة الحقيقة هي رابطة الدين والعقيدة، فلا نسب ولا صهر، ولا أهل ولا قرابة، ولا وطن ولا جنس ولا عصبةَ ولا قومية، حين تقف هذه الوشائج دون ما أراد الله، وإنما الحب والولاء لله ولرسوله وللمؤمنين أولئك حزب الله، ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هو الغالبون، فإنه يوم وتنسلخ العشرة الثانيه من شهر رمضان، وتدخل العشر الأواخر منه، العشر المباركة، التي هي أعظم أيام رمضان فضلا، وأرفعها قدرا، وأكثرها أجرا، تصفو فيها الأوقات للذيذ المناجاة، وتسكب فيها العبرات بكاء على السيئات، فكم فيها لله من عتيق من النار، وكم فيها من أسير للذنوب وصله الله بعد الجفاء، وكتب له السعادة بعد طول شقاء، إنها الفرصة التي إذا ضاعت فلن تنفع بعدها الحسرات، والأعمار بيد الله، ” وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا وما تدرى نفس بأى أرض تموت” وقد روى الإمام مسلم فى صحيحه.

عن السيدة عائشة رضى الله عنهما قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله، فلا ينبغى لك أن تفوت هذه الفرصة الثمينة على نفسك وأهلك، وما هى إلا ليالى معدودة لعلك تدرك فيها نفحة من نفحات الرحمن، فتكون بها سعادتك فى الدنيا والآخرة، إنه لمن الحرمان العظيم والخسارة الكبيرة أن تجد فئاما من المحرومين فى هذه العشر، رجال دأبهم سهر فى الاستراحات، ومشاهدة للمحرمات، وتسكع فى الطرقات، ونساء شغلهن التردد على الأسواق لحاجة وغير حاجة، والانشغال بالتوافه من الأمور، فاغتنموا عباد الله شريف الأوقات، وبادروا بالأعمال الصالحات، واعملوا وأحسنوا وأبشروا، إن الله لا يضيع أجر المحسنين، فإنه من المعلوم أن غزوة بدر في السنة الثانية من الهجرة ، وكانت أول غزوة بين المسلمين وكفار قريش، وكان عدد الكفار فيها كبيرا، بينما كان عدد المسلمين فيها قليلا، ولكن الله سبحانه وتعالى أيد المسلمين، ونصرهم على عدوهم، في أول لقاء بين الإيمان والكفر.

ولقد أظهر المسلمون فى غزوة بدر مواقف خالدة، سطرها التاريخ بأحرف من نور، وكانت هذه المواقف تبين صدق إيمان هذه الفئة القليلة من المسلمين، وبذل أرواحهم في سبيل الله، فعندما علم الرسول صلى الله عليه وسلم بنية قريش فى قتال المسلمين، استشار أصحابه، وأخبرهم بما بلغه من أمر قريش، فكانت هذه المواقف الخالدة من المهاجرين والأنصار، ثم نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأنصار ، ليعرف رأيهم ثم قال “أشيروا علي أيها الناس ” وإنما يريد الأنصار، وذلك أنهم عدد الناس، وكانوا حين بايعوه بالعقبة قالوا يا رسول الله إنا برآء من ذمامك حتى تصل إلى دارنا، فإذا وصلت إلينا فأنت في ذممنا، نمنعك مما نمنع منه أنفسنا وأبناءنا ونساءنا، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوف أن لا تكون الأنصار ترى أن عليها نصرته إلا بالمدينة، وأنه ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو بغير بلادهم، فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سعد بن معاذ “والله لكأنك يا رسول الله تريدنا” قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 ” أجل ” قال سعد بن معاذ فقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به حق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك، فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك، ما تخلف منا واحد، وما نكره أن نلقى عدونا غدا، إنا لصبر عند الحرب، صدق عند اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله، فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الكلمات، فسر بها، وطابت نفسه، ودعا لهم بالنصر على أعدائهم، وتحرك جيش المسلمين، لملاقاة عدوهم، ونزل الرسول صلى الله عليه وسلم بالجيش منزلا قريبا من ماء بدر، وهنا يظهر موقفا آخر من المواقف البطولية والخالدة في غزوة بدر، فقد كان الحباب بن المنذر عليما بالمكان، وعالما بفنون الحرب، فرأى أن هذا المكان غير مناسب، فتقدم الحباب إلى رسول الله بأدب جم، ودون خوف أو خجل، وعرض عليه رأيه، فقال له الحباب بن المنذر يا رسول الله، منزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتعداه ولا نقصر عنه.

أم هو الرأى والحرب والمكيدة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “بل هو الرأي والحرب والمكيدة” فقال الحباب يا رسول الله ، فإن هذا ليس بمنزل، ولكن انهض حتى تجعل القلب كلها من وراء ظهرك، ثم غور كل قليب بها إلا قليبا واحدا، ثم احفر عليه حوضا، فنقاتل القوم فنشرب ولا يشربون، حتى يحكم الله بيننا وبينهم، فقال” قد أشرت بالرأى” ففعل ذلك، فغورت القلب، وبنى حوضا على القليب الذى نزل عليه فملئ ماء، وهكذا أرسى رسول الله صلى الله عليه وسلم مبدأ الشورى، والأخذ برأى الآخرين، وكان هناك موقف آخر من مواقف غزوة بدر، ألا وهو مشاركة القائد جيشه، ومشاركة الراعى رعيته، فيكون معهم، يحس بإحساسهم، ويتألم لآلامهم، وهذا ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو معهم في الغزوة، يأكل مما يأكلون، ويتحمل معهم كل المصاعب، ويخطط للمعركة وهو قائم بينهم، فقيل أن سعد بن معاذ، قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما التقى الناس يوم بدر، يا رسول الله، ألا نبنى لك عريشا فتكون فيه.

وننيخ لك ركائبك، ونلقى عدونا، فإن أظهرنا الله عليهم وأنجزنا فذاك ما أحب إلينا، وإن تكن الأخرى فتجلس على ركائبك وتلحق بمن وراءنا من قومنا، فقد والله تخلف عنك أقوام ما نحن لك بأشد حبا منهم، لو علموا أن نلقى حربا ما تخلفوا عنك، يوادونك وينصرونك، فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له به، فبني لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريش، فكان فيه وأبو بكر رضى الله عنه ما معهما غيرهما، وتبدأ المعركة، ويحتدم القتال ويشتد فيتوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من بيده الأمر، يرفع أكفه إلى السماء ، يطلب المدد من العزيز القدير، ونصر الله رسوله، وأعز جنده، لأنه سبحانه وتعالى “غالب على أمره” ينصر من ينصره، ويؤيد من احتمى بحصنه، فهو القاهر فوق عباده، وبيده الأمر كله، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، ألا فاعتبروا يا أولي الألباب، فإن هذه دروس وعبر من غزوة بدر، فلتكن نبراسا لكم فى حياتكم، ونورا تهتدون به في طريقكم، ولكن نقول لماذا كانت الانتصارات الإسلامية الكبرى.

في شهر رمضان بالذات؟ مثل غزوة بدر، وفتح مكة، ودخول الأندلس، ومعركة عين جالوت، ومعركة العاشر من رمضان؟ فنقول إن سر انتصار المسلمين فى أى معركة، وضع الله عز وجل له مفاتيحا فى كتابه، أولها جعل النصر ليس بالقوة، ولا بالعدد ولا بالخطط، ولا بالتكتيكات فقط، وإنما كما قال عز وجل ” وما النصر إلا من عند الله” فالنصر في البداية والنهاية من الله عز وجل، ولذلك ورد فى أخبار غزوة بدر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده حفنة من التراب، ورمى بها في وجوه الأعداء، قائلا “شاهت الوجوه” فأصابت كل مشرك، فما السر فى ذلك؟ السر فى ذلك فى قوله تعالى ” وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ” ولذا قال للمسلمين لاحقا لما أخذت بعضهم نشوة النصر، فافتخر بقتله لصناديد أهل الكفر، قال الله تعالى لهم معلما ومؤدبا ” فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم ” فأنتم أمسكتم بالسيوف وضربتم، ولكن الله هو الذي أمدكم بالقوة، وأوصلها إلى رقاب الأعداء فقتلتهم، فالنصر بداية من الله عز وجل.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *