Share Button

بقلم / محمـــــد الدكــــــرورى 

ما الذى وصلنا اليه الان من انهيار داخل الأاسر والعائلات هل هذا يليق بنا كمجتمع اسلامى ولنعلم جميعا أن القاعدةُ الكبرى في تحقيق سعادة المجتمع وضمان استقراره، والرَّكيزة العظمى في إشادة حضارة الأمَّة وبناء أمجادها، تَكْمُن بعد عقيدتها وإيمانها بربِّها في نسيجها الاجتماعي المترابِط، ومنظومتها القِيَمِيَّة المتألِّقة، التي تنتظم عواطفَ الودِّ المشترَك والحبِّ المتبادَل والتَّضامن المُشَاع والصِّلَة المستديمة، في بعدٍ عن الضَّغائن والبغضاء، وغوائل التَّقاطع والجفاء، وإثارة الأحقاد والشَّحناء.

 

وإنَّ المستقرئ للأوضاع الاجتماعية في كثيرٍ من المجتمعات الإسلامية ليدرك أنَّه في خِضَمِّ المتغيِّرات الاجتماعية، وفي ظلِّ تداعيات النُقلة الحضارية، وفي دوَّامة الحياة الماديَّة ومعترَك المشاغل الدنيوية حدثت أنواعٌ من السُّلوكيَّات والأنماط الخطيرة التي يُخشى أن تؤثِّر في اختلال نظام الأمَّة الاجتماعي، ويأتي الانفتاح العالمي والأخطبوط العولمي ليُذكِي أوار هذه السُّلوكيات، ويُشعل فَتِيلَ هذه السَّلبيات، مما يؤكِّد أهمية تمسُّك الأمَّة بعقيدتها وقِيَمِها الحضارية وأخلاقها الاجتماعية الأصيلة.

 

ولعلَّ من أخطر الظواهر والمشكلات التي أذكتْها المتغيِّرات في الأمَّة ما يتعلَّق بالأوضاع الاجتماعية، وما جدَّ عليها من مظاهر سلبيَّة، يوشك أن تعصف بالكِيَان الأسري، وتهدِّد التماسكَ الاجتماعي؛ فكثرت ظواهرُ عقوق الأبناء وتساهل الآباء، وتقلَّصت وظائف الأسرة، وكثُر جنوح الأحداث، وارتفعت نِسَبُ الطَّلاق والمشكلات الاجتماعية، وتعدَّدت أسباب الجريمة ومظاهر الانحراف والانتحار والعنف العائلي والمشكلات الزَّوجية، ووَهَنَ كثيرٌ من الأواصر، وضَعُفَ التَّواصل بين الأقارب والأرحام، وسادت القطيعة والجفاء، وحلَّت محلَّ الصِّلة والصَّفاء، وضعُفت وشائج الأخوَّة وروابط المودَّة، وشاعت قِيَم الأنانية والأحاديَّة بدلَ القِيَم الإيثارية والجماعية، مما يُنذر بإشعال فَتِيل أزمة اجتماعية خطيرة، يجبُ المبادرة إلى إطفائها والقضاء عليها، بإيلاء قضايانا الاجتماعية حقَّها من العناية والرِّعاية والاهتمام.

 

وهذه وقفةٌ مع قضيةٍ من أخطر القضايا الأسرية، نشخِّص فيها ظاهرةً من أخطر الظَّواهر الاجتماعية التي لها آثارها السَّلبية على الأفراد والأُسَر والمجتمع والأمَّة، تلكم هي ظاهرة التفكُّك الأُسَري والخلل الاجتماعي الذي يوجد في كثير من المجتمعات اليوم، ممَّا يُنذِر بشؤمٍ خطير وشرٍّ مستطير، يُهدِّد كِيَانَها، ويُزعزع أركانَها، ويُصدِّع بُنيانها، ويُحدِث شروخًا خطيرةً في بنائها الحضاري ونظامها الاجتماعي، ممَّا يهدِّد البُنى التحتيَّة لها، ويستأصل شأفتَها، وينذر بهلاكها وفنائها.

 

وإنَّ الترابطَ الأسري والتماسكَ الاجتماعي مَيْزةٌ كبرى من مزايا شريعتنا الغرَّاء، وخَصِّيصَةٌ عظمى من خصائص مجتمعنا المسلم المحافِظ، الذي لُحْمَتُه التَّواصل، وسُدَاهُ التَّعاون والتَّكافل.

 

 

 

ويومَ أن زَبَعَتْ زوابع العَصْرَنَة والتَّحديث على كثير من المجتمعات الإسلامية عاشت مرحلةً انتقاليَّة، افتقدت من خلالها ما كان يرفرف على جنباتِها من سلام أسريٍّ ووئام اجتماعي، مما أفرز جيلاً يعيش على أنماط اجتماعية وافِدة، وينحدر إلى مستنقع موبوء ووَحل محموم، من أمراض حضارة العصر التي سرت عدواها إلى بعض المجتمعات الإسلامية، فاجتاحت المُثُلَ الأخلاقيَّة العليا والقِيَم الاجتماعية المُثْلَى، وكأنها الإعصار المدمِّر لقِيَم الأمَّة ومُثُلها.

 

وإن نظرةً فاحصةً لما تعيشه المجتمعات الغربيَّة لتؤكِّد أن أقسى ما تعانيه هذه المجتمعات اليوم هو التفكُّك الأسري، والفرديَّة المقيتة التي ضاقت بها بيوتهم بعد أن ضاقت بها قلوبهم ولا عجب أن يطلبَ أهل الحيِّ فيهم الجهةَ الأمنية لأنَّ مُسِنًّا قد مات فأزكمت رائحتُه الأنوف بعد تعفُّنه دون أن يعلم بموته أحد .

 

وإنها الماديَّات حينما تغلب على القِيَم والأخلاقيَّات، والأعجب بل الأدهى من ذلك والأَمَرّ أن يسري هذا الدَّاء إلى بعض المجتمعات الإسلامية وهي ترى بأمِّ عينها كيف أوشكت الأسرة الغربية على الانقراض؛ فكم نسمع من مظاهر التفكُّك وصور الخَلَل والعقوق في بعض المجتمعات، فهذا أبٌ لما كبرت سنُّه ووهن عظمه واحتاج لأولاده لم يجد ما يكافؤوه إلاَّ بالتخلص منه في دور الرِّعاية ..

 

 

 

وهذا آخَر طاعنٌ في السِنِّ يدخل المستشفى وهو على فراش المرض، ويعاني مرارة العقوق والحرمان، ويقول: “لقد دخلتُ هنا منذ أكثر من شهر، ووالله ما زارني أحدٌ من أبنائي وأقاربي”!.

 

بل تعدَّى الأمر إلى ما هو أفظع من ذلك، فهذا مأفون لمَّا بلغت أمُّه من الكِبَر عِتِيًّا تبرَّم وضاق بها ذَرْعًا، فما كان منه إلا أن أمر الخادمة فأخرجتها خارجَ المنزل، لتبيت المسكينة على عتبة الباب، حتى يُحسن إليها الجيران من الغد.

 

ولقد وصل الحال ببعض الناس أن يمتلئ قلبه غيظًا وحقدًا على أقاربه وذوي رَحِمِه؛ فيقاطعهم؛ بل يعاديهم ويخاصمهم؛ بل يقاضيهم ويتمنَّى لهم الموتَ الزؤام من أجل أمر تافهٍ حقير، يتعلَّق بحفنة من الحطام، أو وشاية غِرٍ لئيم، أو زلَّة لِسان، أو شجار بين الأطفال، فتمرُّ الأشهر والسنوات وقلبُه يغلي عليهم، ونفسه تموج غلاً ضدَّهم كما يموج البركان المكتوم، فلا يستريح إلا إذا أَرْغَى وأَزْبَد، وآذَىَ وأَفْسَد 

 

وانبلجت أساريرُه بنشر المعايب وإذاعة المثالِب، وسرد القبائح وذِكْر الفضائح، من دلائل الصَّغار واللؤم، وخسَّة الطَّبع وقلَّة المروءة، لدى أقوامٍ لا يتلذَّذون إلا بالإثارة والتَّشويش، ولا يرتاحون إلا بالتَّحريش والتَّهويش…

Share Button

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *