Share Button

لم يكن الفلاسفة الذين تمّ ذكرهم في مقال الديمقراطية بين الممارسة والشعار المنشور فيما سبق، بمعزل عن التأكيد على أمرين أولهما : أن دمار الديمقراطية يكمن في إخراجها من دائرة التطبيق إلى فوضى الشعارات، وانتقال حمى التعصب إلى آراء المتساجلين، فتصبح صكوكًا ومقدسات لا يمكن التنازل عنها أو التسامح مع من ينكرها من المخالفين، أضف إلى ذلك تغلغل الفساد في دنيا السياسة، فيبيتُ الدولار والمصالح الخاصّة والكذب والتآمر على مقدرات الشعب هو ديدن رجالات الأحزاب ورؤساء النقابات ورجال الثقافة والإعلام، ذلك فضلًا عن جعل شعار الغلبة للأقوى هو دستور العلاقات السياسية في الأمم غير المؤهلة.

أمّا الأمر الثاني : فيتمثل في غيبة آليات الديمقراطية باعتبارها أفعالًا وسلوكيات، وفلسفة للتطبيق : فالوعى بأبعاد مفهوم مصطلح الحريّة بكل أشكالها وتربية الرأي العام وتعليمه وتثقيفه والمشاركة الإيجابية في جل ضروب التعبير عن الرأي والتمسك بالقيم الأخلاقية أثناء الثورات، وإعلاء روح التسامح بين المتنافسين والمتناظرين؛ كل أولئك من أهم هذه الآليات بل إن شئت قلت هى عمد الديمقراطية.

وقد أجمع فلاسفة السياسة أيضًا على ضرورة استبعاد الجهلاء والحمقى من ممارسة الديمقراطية المباشرة، كما أوصوا بأن أهل الدُّربة والدراية هم المسئولون في المقام الأول عن احتلال موقع الصدارة على المسرح السياسي. أمّا من يفضل الانزواء أو المقاطعة أو الصمت والخنوع، فيجب إدراج أسمائهم في جداول الخائنين للديمقراطية المفتقرين للحرية”.

وفي نهاية المطاف، يمكننا الوصول إلى خلاصة الموضوع كما نتصوره نافعاً للإنسانية بمقدار نفعه لمجتمعاتنا العربية فنقول : إننا إذا أردنا التقدُّم، ولا نتقدم إلى الأمام خطوة واحدة، في مجال الحياة عموماً، والحياة السياسية خصوصاً إلا اذا أصبحت السياسية قرينة الأخلاق، لا تنفصل عنها بحال، وأصبح التعليم قريناً لها لا ينعزل عنها بوجه من الوجوه.

فالأخلاق والحياة السويّة صنوان لا ينفصلان، (ولن يكون هنالك سلامٌ على الإطلاق، كما جاء في تلخيص فكرة مشروع السلام الدائم لكانط، بترجمة الدكتور عثمان أمين، إلاّ في الوقت الذي يصبح دستور كل دولة دستوراً ديمقراطياً حقاً، يمتنع فيه إعلان الحرب إلا بتصويت المواطنين جميعاً، وبمقتضى ذلك ينقضي عهد الملوك الطغاة والحكام المستبدّين الذين يعدون أنفسهم سادة على الناس، ويعتبرون الدولة متاعاً خاصّاً لأنفسهم من دون العباد، وأخيراً يوم يصبح كل إنسان في كل بلد شخصاً محترماً في ذاته، أي من حيث هو “غاية” مطلقة، ويوم أن تتعلم الحكومات المختلفة أن من الإجرام والافتئات على الكرامة الإنسانية أن يستعمل إنسان من الناس أو أمة من الأمم وسيلة أو آلة لمصلحة إنسان آخر أو أمة أخرى).

وبعد؛ فإنّا نقول إنّ لهذا القلم صولة عقلية أصيلة لا يشك فيها قارئ متابع لما يقرأ، وإن له كذلك لجولات في عالم التفكير منوّعة المعارف متعددة الرؤى متصلة بأواصرها الفلسفية وروابطها المنهجيّة لا تخفى على من يطلع عليها من أول وهلة .. فهل لي أن أعيد ما ذكرته صادقاً في مطلع الدراسة من أن علامة الكاتب المبدع : أن يثير فيك حفيظة التفكير لتوافق أو تعارض، سيّان. المهم أنك تفكر فيما تقرأ، وأن يقودك التفكير دوماً إلى الإثارة المعرفيّة.

ومن غير المعقول أن تثار معرفيّاً أمام هذا الرصد الهائل لقنوات التعبير المنظم المخلص بين شجون الفكر وهموم الواقع ثم في الوقت نفسه لا تغبط الكاتب غبطة السعادة والرضى بما تركه فيك ظاهراً من مفعول الآثار.

فتحيّة عطرة بأريج العرفان للأستاذ الدكتور “عصمت نصار”، صادرة من شغاف القلب، مُعززة بوعي العقل ما بقيت في القلوب والعقول سبحات التأمل وأشجان المعرفة، وما ظلّت في الأرواح دوماً مُعانقة الأفكار.

بقلم : د. مجدي إبراهيم

Share Button

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *