Share Button

 

بقلم ا.د/إبراهيم محمد مرجونة
أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية-رئيس قسم التاريخ
كلية الآداب بدمنهور

الرجولة والشجاعة أو الرجولة والمروءة أو الرجولة والشهامة. ثنائيات ارتبطت معا أو قل ربطهما المجتمع معا، ليس لأنه لم يجد كلمات كثرة يوصف بها رجولة الرجل، بل لأنه حين نتحدث عن الرجولة يتبادر إلي الذهن صورة الرجل الشهم الشجاع الأصيل الحر. كما قال الشاعر:
وتهزنى ذكري المروءة والندى بين الشمائل هزة المشتاق.
فهذه الصفات تجعلنا نشتاق إليها نحلم برؤيتها في أوجه المارة نأمل أن نجدها مستقرة في قلوب أبنائنا وشبابنا. فلماذا اختار الشاعر تلك الصفات؟لأنها دليل على السمو والعظمة، الفخر والفخامة، العلو والرفعة، الشرف والكرامة، فالرجال هم قادة الأمم ورواد الشعوب، فكيف يقود الأمم قادة إن لم يكونوا شجعان؟!إن ما يلزم القائد أو قل الرجل إنما شجاعته، فمتى كانت الرجولة تكن الشجاعة
الرجولة والشجاعة من أروع الصفات وأجملها، لأنهما صفتان تُشيران إلى القوة والعزّة والكرامة، كما أنهما تعبران عن قدرٍ كبير من الثقة بالنفس والجرأة، فالرجولة والشجاعة صفتان متلازمتان لا يمكن أن تفترقا، ولأنهما كذلك فقد قيلت فيهما الكثير من القصائد والكلمات والأمثال التي مجدت الشخص الذي يتصف بالرجولة والشجاعة، فالجميع يعتبر أنهما مقياسٌ للرجل القوي الذي لا يخاف الصعاب والأخطار، والذي يقدر على أن يتحدى الظروف ، يقول المتنبي:
يرى الجبناءُ أن العجزَ فخرٌ وتلكَ خديعةُ الطبعِ اللئيمِ
وكُل شجاعة في المرءِ تُغْنِيْ ولا مثلَ الشجاعةِ في الحكيمِ
الرجولة لا تحتاج إلى برهان لكن الإنسانية تحتاج لأن نبرهن عليها في كل لحظة.والصدق عنوان الرجولة ، (فعن سفيان بن أسد الحضرمي – رضي الله عنه – قال : سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول : ” كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثا هو لك به مصدق وأنت له كاذب ” . رواه أبو داود )
إن ظننت للحظة أن باستطاعتك إثبات رجولتك بالتحدث عن نفسك فأنت حتما مخطئ..الرجولة تُشعر وتُلمس وتُرى.. تعيش ملاصقة لصاحبها كظله يراها الجميع إلا هو، تحضر معه إن حضر فتضيف لحضوره هيبة وسحرا، ولا تغيب إن غاب فتُطبع في عقول الناس تماما كما تُطبع ملامح صاحبها.. الرجولة أجمل ما يمكن أن يوجد في المرء على الإطلاق، هي ثمرة حكمة العقل وقوة الإيمان وطهارة القلب، ليست لأي أحد ولا تليق بأي أحد ولا تشترى لا بالمال ولا بالكلام ولا بغيره، فأرح نفسك من عناء إثبات رجولتك..
الرجولة عمل بطولي لا يُصنع في النوادي الرياضية ولا يقاس بأرقام كشوف الحسابات البنكية، لن تصل إليه بالصوت العالي ولن تناله بالاستعلاء على البشر، ليس زرا تضغط عليه أو ميزة تقتنيها، الرجولة أمر صعب لا يطيقه الكثيرون، إذ لا يمكن لصاحبها أن يعيش على هامش الحياة هائما على وجهه بلا هدف، حياته أسمى من أن تتمحور حول نفسه وأكبر من أن تدور في فلك ممتلكاته، لا خبز له في الادعاء ولا يجيد لعبة الأقنعة ولا يكترث كثيرا لاعتبارات البشر، يكفيه أن يطرح ما لديه بصدق ولا يهمه بعد ذلك إن صدقته أم لا.
الرجولة يا سادة كلمة حق وموقف حق، هي نصرة المظلوم على الظالم وابتغاء وجه الله في كل قول وفعل، هي الأخلاق الكريمة والمعاملة الحسنة، هي الشهامة عند حاجتها والشجاعة في وقتها، هي أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك، هي أن تكون مستعدا للتضحية في سبيل ما تؤمن به.
عذرا أيها المدعي، فإن اداءك المسرحي ، وطريقتك الاستعراضية ، ووصفك المبالغ فيه لم يقنعني. كيف لي أن أصدق رجولةً يتحدث صاحبها عن نفسه كما يتحدث المتيم عن محبوبته، يرى نفسه أفضل من غيره تماما كما يرى المحبوب محبوبته أجمل النساء. كيف أصدق كلامك وأنت تضع نفسك في مرتبة فوق كل البشر ثم تدعي أن نظرتك الفوقية تلك هي الأصدق والأكمل! الرجولة يا سيدي شأنها كشأن أي شيء حقيقيّ، ليست بحاجة لإثبات، فدعك إذن من عناء إثبات رجولتك..
وصدق مصطفى محمود عندما قال: متى نفهم أن الرجولة هي الجلد على العمل وحمل المسؤولية والصمود للعقبات الجسام والبطولة في الميدان وفداء الأوطان، وأن المجد الحقيقي ليس مكانه مخادع الغواني وإنما المعامل والمصانع والحقول وميادين القتال.

Share Button

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *