Share Button

 

بقلم : لطيفة محمد حسيب القاضي
المرآة عرفها العلماء بأنها سطح لامع يعكس الأشعة الصادرة من أي جسم تسقط علية لتعكس صورة الجسم ,تعتبر المرآة أحد أكثر أدوات الأستخدام اليومي غموضا لدى الأنسان القديم حيث ترتبط بها العديد من الخرافات والأساطير وكذلك الحقائق التي لا يعرفها الكثير من الناس ,أول ظهور للمرايا في روما فكانت في تلك الوقت صغيرة الحجم أما المرايا المعروفة التي ظهرت لأول مرة في العصور الوسطي كانت محدبة ,هذا الشكل من الزجاج العاكس (المرايا)يثير الخوف لدى الكثير من الناس فكانوا يطلقون عليها مرايا السحر لأرتباطها بالسحر و الشعوذة وكان الأعتقاد بأستخدام الزجاج العاكس له تأثير سلبي علي الأنسان فقد حظيت المرايا بقوة هائلة وسعى الأنسان في الماضي إلي النظر من خلالها إلي المستقبل ,بعض العلماء رأى أن المرايا تحتوي على ذاكرة حيث بعض المرايا تشع طاقة إيجابية والبعض الأخر يشع طاقة سلبية ويتوقف ذلك على الأحداث التي أنعكست فيها أى جرت أمامها, وتعتبر المرآة هي عنصر أساس فى التراث الصوفي العربي الذي تقترن فية المرآة بأحوال الشهود وحيث يرى فيها العارف الحقائق التي تنزاح عنها الحجب كما لو كان يتطلع إلي مرآة, فالمرآة أهم ميزة لها أنها تعكس صور الأجسام الماثلة أمامها ومن هنا جاء الكتاب والأدباء للأستفادة من ميزة المرآة في أعمالهم فجاءت المرآة لكي تعكس نفسية الأديب من ثم تطورت أستخداماتها حتي أصبحت تقنية فنية في توظيف التراث فتفنن الأدباء بتوظيف المرايا في كتاباتهم بأنواعها المستوية ,المحدبة ,والمقعرة .ويعتبر أول من طور المرايا كتقنية شعرية تعبيرية جديدة هو أدونيس .
فالمرآة عند حسيب تعددت رموزها فهي تغدو نماذج تجريبة الملامح ,فكانت المرآة رمزا وعلامة حيث البحث عن الشعر خارج المألوف والمعتاد ما بين المفارقات أو نوافير الأضداد حيث يحتقن المجاز وتتجاوز النقائض ,فأستخدم حسيب المرآة ووظفها بشكلها الصريح والأصطلاحي في نصه الحداثي ,جاءت المرآة عندة متعددة السمات والصفات فكانت تحمل صفات الوطن فيكتب حسيب من خلالها عن الوطن والبحث عن الذات والهوية ,فرمزية المرآة هي تضرب بجذورها في الميراث الإنساني الأسطورى والأبداعي و الفلسطيني الذي تحتل فية المرآة بمجالات ترتبط بالمعرفة ,إلا انه تفنن في أستخدام تقنية المرآة فذهب فيها إلي مذاهب شتي من خلال (المرآة ,الرائي ,المرئي)فظهرت المرآة عند حسيب كعنصر من عناصر الخيال حيث الغوص في العميق في التجربة الأنسانية ,فأستطاع أن يستثمر مزايا المرايا بكل ما فيها من رموز أنعكست فيها صورة الأنا في ذاتها لترى فيها آخر ليس الآخر العدو ولكنه الأخر المنشق عن الأنا ,حتى أصبحت صوتا داخليا رقيب مصاحب للشاعر في خطاه.
أن مرايا حسيب مختلفة عن غيرة من الشعراء العرب لم تتعدد أنواع مراياة بل كانت مرآة أسطورية تمثل الأصل الكنعاني المرسوم في ذاكرة الوعي والتصوير الفلسطيني ,أتخذ حسيب من خلال مراياة وصف وكشف الصراع القائم علي أرض الواقع الفلسطيني بين الأنا و الآخر وما لقيتة المقاومة الفلسطينية علي يد الآخر الإسرائيلي من جهة و الآخرالعربي من جهة آخرى .
آلية المرآة عند حسيب تقع في منطقة تجاذبها مجموعة من التقنيات الآخرى مثل التناص ,والقناع ,قأستطاع حسيب من خلال المرايا أن يقدم أفكارة وأسقاط المرايا علي الواقع الذي يعاش والكشف عن بعض مدلولاتة الغنية,فأستطاع أن يطور هذة التقنية لتصبح إحدي آليات الشعر الحداثة لديه لما تقدمة المرايا للشاعر تعددية في مساقط الرؤيا ,ومن خلالها يستطيع الشاعر التعبير عن نفسة أو عن الأخر من أي زاوية حيث الحرية في التعبير والكتابة من خلال تنوع وأختلاف المرايا ,فلا بد أن نقف علي أنماط متعددة للمرآة في شعر حسيب .
المرايا الصامتة :حيث الآلام عند حسيب وقت أنهيار الواقع الفلسطيني حيث جعل مراياة تفقد الإنعكاس ,وهذا يحمل دلالة القسوة , فكانت صامتة.
المرايا المظلمة :أصبح الفلسطيني عاجزا عن تحديد هويتة وذاتة لأن المرايا مظلمة فهي عاجزة عن نقل الحقيقة.
المرايا الضاحكة:الإنسان الفلسطيني فقد هويتة في المنافي والشتات وبالرغم من العودة إلي أرض الوطن فما زالت الغربة قائمة وما زال الفلسطيني يمشي غريبا في الشوارع ولهذا فأن المرايا ضاحكة تضحك من هذة الحقيقة المريرة ,وأحيانا تضحك المرآة ممن يقف أمامها.
المرايا الكالحة :لقد كانت العودة إلي أرض الوطن لم تكن كما يريد حسيب , لقد عاد إلي وطن محتل يفتقد إلي الكثير من الأستقرار و الأمان ,فكانت المرآة كالحة.
المرايا المكسورة:هي بالأصل لا تعكس أو تفسر الحقيقة ببساطة لأنها مكسورة ,لذلك تعد المرآة لا قيمة لها أمام محاولة الشاعر البحث عن الذات .
المرايا المهشمة: هنا المرآة مزيج بين الواقع والحلم ,الواقع مثقل بالظلمة والحلم هو الملجأ أمام الواقع المظلم.
المرايا المعراة: ضياع هوية وملامح الأنسان الفلسطيني جعل الشاعر لم يعد قادر على معرفتة ,فالمرآة المعراة تعبر عن الضياع والألم ,الغربة,الأنقسام المرير ,والأنكسار.
المرأة عند في شعر حسيب أحيانا نذير الشؤم ولكن قد يكون هناك بعض من الفرح وبعض من الأمل والرغبة في الخلاص ,مرايا حسيب أتصفت بالعمق والظلام والتهشمية والصمت والضحك ةالسخرية من صور الجسم الذي أمامها والمعاناة من أنكسار وتشظي بسبب ما رأى وما تعرض ويتعرض له في حياته من عناء بشكل مستمر ,فاسلوب حسيب في شعره يلاحظ فية القدرة علي التعبير عن أفكارة بطرق تعبيرية مختلفة فهو تارة يستعمل السمات مضافة إلي المرايا وأحيانا يعتمد علي الصفة ذاتها التي تأتي بعد المرآة الموصوفة تنكيرا وتعريفا ,كان حسيب دائم التحدث عن ذاته باحثا عن هويتة وملامحة الأصلية وذلك بعد تعرض الشعب الفلسطيني للنكبات والتشرد الذي قضي علي كثيرا من الملامح الأصلية له ,بالاضافة إلي المنفى الذي كان يحاول محو هويته ,فأن المرايا تحمل عمقها طبيعة وأصل الشيء فكانت مرايا الفلسطينين داخل وطنهم .
صور الرائي والمرئي: كانت أشعار حسيب فيها المرآة بدلالات صريحة بما تعبر فية عن الغربة الضياع حيث تقوم المرايا بوظيفة سردية وتعبيرية تنهض في السياق الشعري .
كان التشابة بين المرآة والماء جعله يكتب ويتفنن عن سطح المرآة و سطح الماء , كتب حسيب عن سطح الماء في قصيدتة فأبدع في قصيدتة فأكد قيمة الشهادة من أجل عودة فلسطين فأستخدم الشاعر سطح الماء كمرأة يعكس من خلالها المعاناة حيث أن سطح الماء لا يعكس إلا صورة الواقع والألم ,كما استعمل حسيب الماء أحيانا ليعبر عن الفلسطيني وهو في حالة تخبط دائم .
تقنية المرآة في شعر حسيب ساعدتة علي السرد وتكثيف وأكتشاف الأحداث وعلي إقامة حوار بين الشخص والشخص الآخر عبر نص شعري متميز , وظف حسيب المرآة بشكل واضح للبحث عن التفاصيل ليكتب شعرا ,لقد ابدع ,تفنن ,وأتقن حسيب في شعرية وأستخدام المرايا فية.

Share Button

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *