Share Button

بقلم / محمــــد الدكــــرورى

إذا أراد المرء منا أن يرتقي أو يتقدم أو يفوز بعلو الدنيا وعلو الآخرة فلابد من أن يستضيء بنور أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهم الذين عضوا بالنواجذ على سنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وتتجلى روعة أصحاب رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم في أنهم رأوا في الإسلام المنهج السامي الذي يحقق لهم الحياة مثلى في دنياهم وأخرتهم، فتمثلوا بمبادئ الإسلام وتعاليمه إلى أرض الواقع، وحققوها في أنفسهم وفيمن حولهم .

مصعب بن عمير ، أو مصعب الخير ، كما سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي القرشي أحد السابقين إلى الإسلام ، وقد أسلم قديما والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم ، وكان محببا إلى والديه يغدقان عليه بما يشاء من أسباب الراحة والترف والنعيم ولهذا كان من أنعم فتيان مكة ، فكان فتى مكة شبابا وجمالا وتيها، فهو غُرّة فتيان قريش وأوفاهم بهاءً وجمالا وشباباً، وكانت أمه هى ، خُنَاس بنت مالك ، تتمتع بقوة فذة في شخصيتها وكانت تُهاب الى حد الرهبة، وكانت أمه غنية كثيرة المال تكسوه أحسن ما يكون من الثياب وأرقه، وكان أعطر أهل مكة .

وقبل الإسلام، اشتهر مصعب بن عمير بجماله، وتأنّقه، وارتدائه أفضل الملابس وأغلاها، وتعطُّره بأجمل العطور، كما عُرِف بـ”أعطر أهل مكة”، فكان من زينة شباب قريش ، وبعد إسلامه، هاجر ابن عمير إلى الحبشة عندما اشتدّ الأذى على الصحابة رضوان الله عليهم، ثم هاجر إلى المدينة المنوره إثر البيعة الأولى، إذ أرسله الرسول عليه الصلاة والسلام إليها ليُعلّم سكانها القرآن الكريم وتعاليم الدين الإسلامي، ثم عاد بعد ذلك إلى مكة المكرمة مع الأنصار.

وحين أسلم مصعب خاف أمه وقرر أن يكتم إسلامه حتى يقضي الله أمراً، ولكن أبصره (عثمان بن طلحة) وهو يدخل الى دار الأرقم ، ثم مرة ثانية وهو يصلي صلاة محمد، فأسرع عثمان الى أم مصعب ينقل لها النبأ الذي أفقدها صوابها، ووقف مصعب أمام أمه وعشيرته وأشراف مكة المجتمعين يتلو عليهم القرآن الذي يطهر القلوب، فهمَّت أمه أن تُسْكِتُه بلطمة ولكنها لم تفعل، وإنما حبسته في أحد أركان دارها وأحكمت عليه الغلق.

وقد إختاره الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن يكون سفيره إلى المدينة ، يفقّه الأنصار الذين آمنوا وبايعوا الرسول عند العقبة ، ويدخل غيرهم في دين الله ، ويعدّ المدينة ليوم الهجرة العظيم ، وقد أختاره الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لرجاحة عقله وكريم خلقه وزهده وبها كان أول سفير للإسلام ، وقد جاءها وليس فيها سوى اثني عشر مسلما ، وفي موسم الحج التالي لبيعة العقبة ، كان مسلمو المدينة يرسلون إلى مكة للقاء الرسول وفدا يمثلهم وينوب عنهم ، وكان عدد أعضائه سبعين مؤمنا ومؤمنة ، جاءوا تحت قيادة مصعب ابن عمير.

وقد أسلم على يديه أسيد بن خضير سيد بني عبد الأشهل بالمدينة ، فجاء شاهرا حربته و يتوهج غضبا وحنقا على هذا الذي جاء يفتن قومه عن دينهم فلما أقنعه أن يجلس ويستمع ، فأصغى لمصعب واقتنع وأسلم ، وجاء سعد بن معاذ فأصغى لمصعب واقتنع ، وأسلم ثم تلاه سعد بن عبادة ، وأسلم كثيرا من أهل المدينة ، فقد نجح أول سفراء الرسول صلى الله عليه وسلم نجاحا منقطع النظير .

وبعد هجرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وصحبه إلى المدينة ، وحدثت غزوة بدر ، تلتها غزوة أحد الذي أمر فيها الرسول مصعب ليحمل الراية ، وتشب المعركة الرهيبة ، ويحتدم القتال ، ويخالف الرماة أمر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، فقد حمل مصعب بن عمير اللواء يوم أحد ، فلما جال المسلمون ثبت به مصعب ، فأقبل ابن قميئة وهو فارس ، فضربه على يده اليمنى فقطعها ، ومصعب يقول: وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ، وأخذ اللواء بيده اليسرى وحنا عليه ، فضرب يده اليسرى فقطعها ، فحنا على اللواء وضمّه بعضديه إلى صدره وهو يقول: وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ، ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه وأندق الرمح ، ووقع مصعب ، وسقط اللواء .

ويقول خبّاب بن الأرت ، هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله ، نبتغي وجه الله ، فوجب أجرنا على الله ، فمنا من مضى ، ولم يأكل من أجره في دنياه شيئا ، منهم مصعب بن عمير ، قتل يوم أحد ، فلم يوجد له شيء يكفن فيه إلا نمرة ، فكنا إذا وضعناها على رأسه تعرّت رجلاه ، وإذا وضعناها على رجليه برزت رأسه ، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعلوها مما يلي رأسه ، واجعلوا على رجليه من نبات الاذخر .

ووقف الرسول صلى الله عليه وسلم عند مصعب بن عمير وقال : (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) ثم ألقى في أسى نظرة على بردته التي كفن بها وقال لقد رأيتك بمكة ، وما بها أرق حلة ،ولا أحسن لمّة منك ، ثم هاأنتذا شعث الرأس في بردة ، ويقال إن زوجة مصعب بن عمير هي حمنة بنت جحش الأسدية، وتنتمي إلى بني أسد بن خزيمة، من الصحابيات وراويات الحديث، أمها هي أميمة بنت عبدالمطلب عمة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وأختها أم المؤمنين زينب بنت جحش.

وقد جلدت حمنة في حادثة الإفك مع حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة عندما تحدثت عن أم المؤمنين عائشة، وتزوجت من مصعب وأنجبت منه فتاة، وبعد استشهاده تزوجت من طلحة بن عبيد الله، وأنجبت له محمد السجّاد، وعمران.

Share Button

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *