Share Button

بقلم ا.د/إبراهيم محمد مرجونة
أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية- رئيس قسم التاريخ – كلية الآداب بدمنهور

قال الغزالي عن العارف: .” .. قلب العارف بالله تعالى الموقن به خير من ألف قلب من العوام، وقد قال تعالى: وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين؛ تفضيلًا للمؤمنين على المسلمين. والمراد به المؤمن العارف دون المقلد، وقال عز وجل: يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات، فأراد ههنا بالذين آمنوا: الذين صدقوا من غير علم وميزهم عن الذين أوتوا العلم.”
أعتقد أننا تحت أيدينا ذخيرة مدفونة يجب استخراجها وهم العارفون أصحاب الرؤى والبصيرة والمعرفة الحقيقية، فقد عاش غير قليل منا مواقف لأشخاص نحسبهم على خير، ولا نزكيهم على الله، لهم القراءة الجيدة والآراء السديدة والتحليلات المذهلة؛ فهم أصحاب قوى خارقة تصحبك إلى عالم الغيبيات، يصولون ويجولون ويصدفون في أحيان كثيرة.
ومن أشهر روايات العرافين التي رصدها التاريخ؛ رواية عراف هند بنت عتبة والتي جاءت على النحو الأتي:
” كان للفاكه بن المغيرة بن عبد الله المخزومي القرشي بيت للضيافة يغشاه الناس فيه بلا إذن، فقام يومًا في ذلك البيت، وهند زوجته معه، ثم خرج عنها وتركها نائمة، فجاء بعض من كان يغشى البيت فلما وجد المرأة نائمة ًولى عنها. فاستقبله الفاكه بن المغيرة، فدخل على هند وأنبهها، وقال: من هذا الخارج من عندك؟ قالت: والله ما انتبهت حتى أنبهتني، وما رأيت أحدًا قط. قال: الحقي بأبيك. وخاض الناس في أمرهم. فقال لها أبوها: يا بنية: أنبئيني شأنك، فإن كان الرجل صادقًا دسست عليه من يقتله فينقطع عنك العار، وإن كان كاذبًا حاكمته إلى بعض كهان اليمن: قالت: والله يا أبت إنه لكاذب. فخرج عتبة، فقال: إنك رميت ابنتي بشيء عظيم، فإما أن تبين ما قلت، وإلا فحاكمني إلى بعض كهان اليمن. قال: ذلك لك. فخرج الفاكه في جماعة من رجال قريش، ونسوة من بني مخزوم، وخرج عتبة في رجال ونسوة من بني عبد مناف، فلما شارفوا بلاد الكاهن تغير وجه هند، وكسف بالها. فقال لها أبوها: أي بنية، ألا كان هذا قبل أن يشتهر في الناس خروجنا؟ قالت: يا أبت، والله ما ذلك لمكروه قبلي، ولكنكم تأتون بشرًا يخطئ ويصيب، ولعله أن يسمني بسمة تبقى على ألسنة العرب. فقال لها أبوها: صدقت، ولكني سأخبره لك. فصفر بفرسه، فلما أدلى، عمد إلى حبة بر فأدخلها في إحليله، ثم أوكى عليها وسار. فلما نزلوا على الكاهن أكرمهم ونحر لهم. فقال له عتبة: إنا أتيناك في أمر قد خبأنا لك خبية، فما هي؟ قال: ثمرة في كمرة. قال: أريد أبين من هذا. قال: حبة بر في إحليل مهر. قال: صدقت فانتظر في أمر هؤلاء النسوة، فجعل يمسح رأس كل واحدة منهن، ويقول: قومي لشأنك، حتى إذا بلغ إلى هند مسح يده على رأسها، وقال: قومي غير رسحاء ولا زانية، وستلدين ملكاً سمى معاوية. فلما خرجت أخذ الفاكه بيدها فنترت يده من يدها، وقالت: والله لأحرصن أن يكون ذلك الولد من غيرك”. فتزوجت أبا سفيان وولدت له معاوية مؤسس الخلافة الأموية الوراثية ووظفت النبوءة في خدمة القضية السياسية التي مكنت الدولة الأموية من الحكم.
فهل نحتاج إلى عراف يوقظ فينا الأمل، ويشعرنا أن المهدي المنتظر قادم ليحرر العقول، ويقود العالم إلى الخلاص، ويحدث طفرة علمية ثقافية صناعية تكنولوجية ذات طابع إنساني نقبل فيها بعضنا بعضًا، ونتعامل كمتنوعين لا كمختلفين، نحلم ونسعى لتحقيق الحلم، ننظر إلى مواضع الاتفاق، لا نجتهد لنختلف، هل مازال التنبؤ بمستقبل أفضل حلمًا مشروعًا حتى لو كان صاحبه عرافًا؟.
أم الأولى بنا البحث عن العارف بالله الذي يحمل طوق النجاة؛ ليعبر بنا الأمواج المتلاطمة والأعاصير، ويكشف لنا حقائق غائبة، ويعلمنا الزهد الحقيقي وحب الغير والتوافق حتى نصل إلى بر الأمان ونحقق السعادة في الدنيا تمهيدًا للوصول إلى النعيم الدائم في الآخرة.
أعتقد أن بداخل كل إنسان عارف وعراف يزاحم بعضهما بعضًا، لو اتفقا واتحدا لكان الأفضل للإنسانية جمعاء، احلم وتنبأ ولا تنسَ حظك من الدنيا، وكن عرافًا ما استطعت وفي الوقت ذاته كن عارفًا بالله حقًّا أو على الأقل جاور عارفًا وخذ منه حتى ترتوي، واجعل شمعته تضيء ظلامًا دامسًا ضاعت معه معالمنا.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *