Share Button

إعداد / محمـــد الدكـــــرورى

نكمل الجزء الرابع مع الخليفه سليمان بن عبد الملك، وقد أسس سليمان مدينة الرملة كمقر لإدارته، وقد بقيت الرملة عاصمة لولاية فلسطين حتى العهد الفاطمي، حيث استبدلها سليمان بمدينة اللد، والرملة هى من أكبر وأقدم مدن فلسطين التاريخية، تقع اليوم في اللواء الأوسط شمال غرب القدس، وقد تأسست على يد الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك، وسميت نسبة إلى الرمال التي كانت تحيطها، وتقع الرملة على الطريق القديمة بين يافا والقدس ولذلك كانت موقعا استراتيجيا مهما وأصبحت مركزا إداريا للمنطقة بعد تأسيسها بقليل، وكان موقع مدينة اللد مفيدًا من الناحية اللوجستية والاقتصادية، ولكن الخليفه سليمان بن عبد الملك، أسس عاصمته خارج المدينة.

وكان من المحتمل أن هذا يرجع إلى صغر مساحة اللد، وعدم مقدرته على توسيعها، خاصة أن أغلب أراضي اللد تعود ملكيتها إلى أهلها، ولا يستطيع سليمان مصادرتها لتوسيع المدينة، فلجأ إلى نقل عاصمته الإدارية، وبناء مدينة جديدة، واللد هى من أكبر وأقدم مدن فلسطين التاريخية، وهى تقع اليوم في اللواء الأوسط الإسرائيلي شمال غرب القدس، وقد أسسها الكنعانيون في الألف الخامس قبل الميلاد، وتم ذكرها في العديد من المصادر التاريخية، حيث تقع اللد على مسافة ستة عشر كيلو متر، جنوب شرق مدينة يافا وخمسة كيلو متر شمال شرق الرملة، وفي الماضي سيطرت المدينة على الطريق الرئيسية وعلى خط سكك الحديد يافا، والقدس.

وقيل أن الخليفه سليمان بن عبد الملك، سعى لتخليد ذكراه بعمل كبير، على غرار سمعة دائمة كبناء عظيم على غرار والده الذي بنى قبة الصخرة، والوليد الذي بنى الجامع الأموي في دمشق، وسميت الرملة نسبة إلى الرمال التي كانت تحيطها، ونقل القلقشندي أن اسم الرملة نسبةً إلى امرأة اسمها رملة، وجدها سليمان في بيت من الشعر في هذا المكان، ولما رأت هذه المرأة سليمان أكرمته دون أن تعرفه، وقد تطورت الرملة وأصبحت مركزا اقتصاديًا وموطنًا للعديد من العلماء المسلمين، واستمرت كعاصمة إدارية لولاية فلسطين حتى القرن الحادي عشر، وكان المبنى الأول الذي شيَّده سليمان في الرملة هو مقر إقامته، الذي يُعد الديوان أيضًا، وقد أمر بتشييد مسجد جامع في وسط المدينة الجديدة.

وقد عرف فيما بعد بالمسجد الأبيض، والذي اكتمل بنائه في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز ، حيث لم يبق اليوم من المسجد سوى المئذنة الكبيرة، لذا تطلق عليه السلطات الإسرائيلية اسم البرج الأبيض، بدل المسجد الأبيض، وقد تطورت الرملة اقتصاديا كمدينة تعج بأسواق للمنتجات الزراعية، ومركزا للصباغة والنسيج والفخار، وكما كانت موطنًا لنسبة كبيرة من علماء الدين المسلمين، وقد بنى سليمان قناة في مدينة تسمى البردى، والتي تنقل المياه إلى الرملة من تل الجزر، على بعد عشره كيلومتر، إلى الجنوب الشرقي، وحلت الرملة محل اللد كمركز تجاري لفلسطين، وانتقل العديد من سكان اللد المسيحيين والسامريين واليهود إلى المدينة الجديدة.

وقد اهتم سليمان أيضا بالتشييد في ولايته عموما وبيت المقدس خصوصا، وقد أمر سليمان ببناء حمام بالقرب من المسجد الأقصى، وقد استخدم المصلون في قبة الصخرة هذا الحمام في الوضوء أيضًا، وينسب سليمان بناء الأقواس والمطاحن والحدائق في أريحا، والتي دُمرت بسبب الفيضانات فيما بعد، وكما طور منطقة زراعية بالقرب من القطيفة في ضواحي دمشق سميت السليمانية من بعده، وكان توليه الخلافه في عام خمسه وتسعين من الهجره، وقد حاول الوليد بعد نصيحة من الحجاج بن يوسف الثقفي إلى أخذ البيعة لابنه عبد العزيز خلفًا له، وإلغاء البيعة التي أخذها أبوه عبد الملك لسليمان من بعده، ووفقًا للمؤرخ عمر بن شبة أن الوليد عرض على سليمان أموال طائلة للموافقة على ذلك.

ولكن سليمان بن الملك رفض ذلك فبعث الوليد إلى ولاته وعُمَّاله يأمرهم بأخذ البيعة لابنه عبد العزيز، ولكنه لم يتلق ردود سوى من الحجاج بن يوسف الثقفى، والي العراق وقتيبة بن مسلم والي خراسان وما وراء النهر، ولكن توفي الحجاج في ذات السنة، بينما اعترض عمر بن عبد العزيز على ذلك وقال: لسليمان في أعناقنا بيعة، فأخذه الوليد فحبسه وضربه، وقيل: خنقه بمنديل حتى صاحت زوجة عمر فاطمة بنت عبد الملك، فشكر سليمان لعمر ذلك الموقف، ونصح عباد بن زياد بن أبيه الوليد بالضغط على سليمان بالقوة، واستدعائه إلى دمشق، فأبطأ سليمان بالقدوم، فاعتزم الوليد المسير إليه على أن يخلعه من ولاية العهد، وأمر الناس بالتأهب، لكنه مرض، وتوفي الوليد بعد فترة وجيزة.

وكان ذلك في يوم السبت الخامس عشر من شهر جمادى الآخرة فى عام سته وتسعين من الهجره، وقد وصل سليمان نبأ وفاة أخيه، وبذلك تولى الخلافة، وقد وصل سليمان نبأ وفاة أخيه بعد سبعة أيام، وكان بالرملة، فسار إلى دمشق، فأخذ البيعة من أهلها، ولما قدم دمشق صعد المنبر، فخطب خطبة طويلة، فقال: أيها الناس، أين الوليد وأبو الوليد وجد الوليد وخلفاء الله، وأمراء المؤمنين، وساسة الرعية؟ وأسمعهم الداعي، وقبض العارية معيرها، فاضمحل ما كان كأن لم يكن، وأتى ما كأنه لم يزل، وبلغوا الأمد، وانقضت بهم المدة، ورفضتهم الأيام وشمرتهم الحادثات فسلبوا عن السلطنة، ونفضوا لدة الملك، وذهب عنهم طيب الحياة، فارقوا والله القصور وسكنوا القبور، واستبدلوا بلينة الوطاء خشونة الثرى.

فهم رهائن التراب إلى يوم الحساب، فرحم الله عبداً مهد لنفسه، واجتهد لدينه، وأخذ بحظه، وعمل في حياته، وسعى لصلاحه، وعمل ليوم، ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ﴾ فعلى رسلكم بني الوليد، فإني شبل عبد الملك، وناب مروان، لا تظلعني حمل النائبة، ولا يفزعني صريف الأجرف، وقد وليت من أمركم ما كنت له مكفيا، وأصبحت خليفة وأميراً، وما هو إلا العدل أو النار، ليجدني الممارس لي أخشن من مضرس الكذاب، فمن سلك المحجة حذي نعل السلامة، ومن عدل عن الطريق وقع في وادي الهلكة والضلالة، ألا فإن الله سائل كلا عن كل، فمن صحت نيته ولزم طاعته كان الله له بصراط التوفيق، وبرصد المعونة.

وكتب له بسيل الشكر والمكافأة، فاقبلوا العافية فقد رزقتموها، والزموا السلامة فقد وجدتموها، فمن سلمنا منه سلم منا، ومن تاركنا تاركناه، ومن نازعنا نازعناه، فارغبوا إلى الله في صلاح نياتكم وقبول أعمالكم، وطاعة سلطانكم، فإني والله غير مبطل حداً، ولا تارك له حقاً حتى أنكثها عثمانية عمرية، وقد عزلت كل أمير كرهته رعيته، ووليت أهل كل بلد من أجمع عليه خيارهم، واتفقت عليه كلمتهم، وقد جعلت الغزو أربعة أشهر، وفرضت لذرية الغازين سهم المقيمين، وأمرت بقسمة صدقة كل مصر في أهله إلا سهم العامل عليها، وفي سبيل الله وابن السبيل، فإن ذلك لي وأنا أولى بالنظر فيه، فرحم الله امرءاً عرف منا سهو المفعل عن مفروض حق وأوجب فأعان برأي.

وأنا أسأل الله العون على صلاحكم فإنه مجيب السائلين، جعلنا الله وإياكم ممن ينتفع بموعظته، ويوفي بعهده، فإنه سميع الدعاء، واستغفر الله لي ولكم، وقد استمر سليمان في الحكم من فلسطين، حيث كان محبوبًا كثيرًا، وكان له دار كبيرة مكان طهارة جيرون وأخرى أنشأها للخلافة بدرب محرز، وعمل لها قبة شاهقة صفراء، وكان أسلوب حكم سليمان مختلف عن أسلافه، فمال إلى الموادعة والأخد برأي أهل العلم، والتمسك بتعاليم الإسلام، فكتب إلى عماله: إن الصلاة قد أُميتت فأحيوها بوقتها، كما انتهج منهج الشورى، فقد قال في خطبته: قد عزلت كل أمير كرهته رعيته، ووليت أهل كل بلد من أجمع عليه خيارهم، واتفقت عليه كلمتهم، مما يعني أنه عزل العمّال والولاة الذين يكرههم الناس، وولى مكانهم من رغب الناس فيهم، وقد قيل عنه بأنه من خيار بني أمية، وكان سليمان لين الجانب، لا يعجل إلى سفك الدماء، ولا يستنكف عن مشورة النصحاء، وقيل أنه يرجع إلى دين وخير ومحبة للحق وأهله، وإتباع القرآن والسنة وإظهار الشرائع الإسلامية رحمه الله.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *