Share Button

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

نكمل الجزء الثالث مع حياة الخليفه مروان بن الحكم، وهو إبن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، وأمه هى أم عثمان آمنة بنت علقمة بن صفوان الكنانية، وهو وأسرته كانوا قد قضوا حياتهم كلها في الحجاز، ولم ينتقلوا إلى الشام إلا في نهاية ربيع الآخر فى سنة أربعه وستين من الهجره، أي قبيل البيعة لمروان بستة أشهر فقط بعد أن طردهم والي عبد الله بن الزبير من المدينة؟ وكان مروان بن الحكم من سادات قريش وفضلائها، وكان عثمان بن عفان يكرمه ويعظمه، وقد قاتل مروان يوم الدار قتالاً شديدًا، وحرب يوم الدار، وهى فتنة مقتل عثمان بن عفان أو الفتنة الكبرى وتُعرف كذلك بالفتنة الأولى، وهي مجموعة من القلاقل والاضطرابات والنزاعات، والتى أدت إلى مقتل الخليفة عثمان بن عفان في سنة خمسه وثلاثين من الهجره.

ثم تسببت في حدوث نزاعات وحروب طوال خلافة علي بن أبي طالب، وكان للفتنة الكبرى أثر كبير، في تحويل المسار في التاريخ الإسلامي، فتسببت بانشغال المسلمين لأول مرة عن الفتوحات بقتال بعضهم البعض، كما تسببت ببداية النزاع المذهبي بين المسلمين، فبرز الخوارج لأول مرة، كجماعة تطالب بالإصلاح وردع الحاكم الجائر والخروج عليه، كما برزت جماعة السبئية الغلاة، التي اتفقت على تقديم أهل البيت على جميع الناس، وغالت في حبهم، كما كانت من آثار الفتنة مقتل عدد مهول من الصحابة الكرام وكان على رأسهم عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب، وكما كانت من أبرز تحولات المسار، هو انتهاء عصر دولة الخلافة الراشدة والخلافة الشورية، وقيام الدولة الأُموية وبروز الخلافة الوراثية.

وقد بويع مروان بن الحكم له بالخلافة من قبل بني أمية بعد موت معاوية بن يزيد، وكان ذلك على إثر اجتماع تاريخي لكبار بني أمية وأعيانهم، وعقد في الجابية، في الثالث من ذي القعدة سنة أربعه وستين من الهجره، وقرروا فيه البيعة لمروان بن الحكم، وكان شيخا كبيرا قد تجاوز الستين، ولكن كان يتمتع بقسط وافر من الحكمة والذكاء وسداد الرأي، وكان شجاعًا فصيحًا يجيد قراءة القرآن، ويروي كثيرًا من الحديث عن كبار الصحابة، وبخاصة عمر بن الخطاب، ويعد هو رأس بني أمية بالشام، وقد وضع المجتمعون اتفاقًا تاريخيًا لتجنب أسباب الفتنة والشقاق، واشترطوا أن تكون ولاية الحكم لخالد بن يزيد، من بعد مروان بن الحكم، ثم الى عمرو بن سعيد بن العاص، وكان نفوذ الأمويين قد ضعف.

حيث بايعت أغلب الاقاليم الخليفة عبد الله بن الزبير، حتى الشام، معقل نفوذ الأمويين كانت قد انقسمت بين مبايعين لمروان بن الحكم ومبايعيين لعبد الله بن الزبير وعلى رأسهم الضحاك بن قيس الذي سيطر على دمشق، وقد هاجم مروان جيش الضحاك فواقعه بمرج راهط وهزمه في شهر المحرم سنة خمسه وستين من الهجره، وبعد السيطرة على الشام، خرج مروان بجيشة إلى مصر التي كانت قد بايعت عبد الله بن الزبير ودخلها وولى ابنه عبد العزيز بن مروان عليها، وبسقوط مصر التي كانت تمد عبد الله بن الزبير بالغلال في مكة أصبح وضعة ضعيفا، وقد بعث مروان بجيشين إحداهم إلى الحجاز لمحاربة عبد الله بن الزبير والثاني لمحاربة مصعب بن الزبير شقيق عبد الله وواليه للقضاء على الشيعة.

في الكوفة فى العراق، وقد هُزم الجيش الأول بينما لم يحقق الجيش الثاني أهدافه، وقد قرر مروان بن الحكم، أن يجعل الخلافة لابنه عبد الملك، من بعده بدلا من خالد بن يزيد، كما نصت اتفاقية الجابية التاريخية، فتزوج أم خالد وهى أرملة يزيد، وأصبح دائم التحقير من شأن خالد، يكثر من سبه ويعيّره بأمه، فلما أخبر خالد أمه بذلك نقمت على مروان الذي أسفر عن حقيقة نواياه باغتصاب الخلافة من ابنها، فتحينت الفرصة للانتقام منه، وكان خالد بن يزيد بن معاوية وهو حفيد الخليفة الأموي الأول معاوية بن أبي سفيان وابن الخليفة الثاني يزيد بن معاوية، وهو أبو هاشم القرشي، الأموي الدمشقي، أخو الخليفة معاوية، والفقيه عبد الرحمن كان مهتماً بالعلوم وراعيا للمشتغلين بها، وهو أول من اهتم من العرب بعلم الكيمياء.

وقد ترجم فيه الكتب من اللغة اليونانية إلى اللغة العربية، وألف فيه رسائل، وكان خالد من بيت الخلافة في دمشق وبعد أن تنازل أخوه معاوية بن يزيد وطلبها متنازعاً عليها مع عبد الله بن الزبير، ومروان بن الحكم، فذهبت إلى مروان بن الحكم واتجه هو إلى طلب العلم، وخصوصاً علم الكيمياء فأصبح من أشهر العلماء العرب، وكانت أمه هي أم هاشم فاختة بنت أبي هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وقد تعلم خالد بن يزيد هذه الصنعة وهى الكيمياء وقد استحضر من الأقباط المتحدثين بالعربية مثل مريانوس، وشمعون، وإصطفان الإسكندري.

وطلب إليهم نقل علوم الصنعة إلى العربية، وعندما أصبح مروان بن الحكم دائم التحقير من شأن خالد، وكان يكثر من سبه ويعيّره بأمه، فلما أخبر خالد أمه بذلك نقمت على مروان الذي أسفر عن حقيقة نواياه باغتصاب الخلافة من ابنها، فتحينت الفرصة للانتقام منه، وفي إحدى الليالي، بينما كان مروان مستغرقًا في نومه، وضعت أم خالد وسادة على وجهه، فلم ترفعها حتى مات، وقيل بأنها سقته لبنًا دست فيه السم، وكما قيل بأنها أغرت به جواريها فخنقوه، فلما علم ابنه عبد الملك بذلك أراد قتلها، ولكن قومه نصحوه ألا يفعل حتى لا يُعيّر بأن أباه قتلته امرأة، فمات مروان وقد نجح في اخضاع الشام ومصر للأمويين بينما فشل في السيطرة على الحجاز والعراق، وقد تولى ابنه عبد الملك بن مروان الخلافة من بعده.

ونجح في القضاء على عبد الله بن الزبير وبسط سيطرته على كافة الدولة الإسلامية وفتح المغرب العربي، وكانت وفاة مروان بن الحكم في الثالث من شهر رمضان سنة خمسه وستين للهجره، وعن عمر بلغ نحو خمسة وستين عامًا، وهو لم يكمل العام الأول من خلافته، وبرغم ذلك فقد استطاع أن يؤسس دولة قوية للأمويين في الشام، وتعد خلافته هي البداية الحقيقية للعهد الثاني من الحكم الأموي، وقد تميز عهده، على الرغم من قصره، بالعديد من الإصلاحات والإنجازات العسكرية والسياسية والاقتصادية، فمن الناحية العسكرية استطاع أن ينتزع مصر من قبضة ابن الزبير، كما استطاع أن يحقق انتصارًا عسكريًا وسياسيًا آخر بانتصاره على الضحاك، في موقعة مرج راهط.

ومعركة مرج راهط هي معركة دارت بين مروان بن الحكم، الذي بايعه أهل الشام، والضحاك بن قيس، الذي بايعه أهل دمشق وكان يَدعو لبيعة ابن الزبير سراً، وكان ذلك على أرض منطقة مرج راهط، وقد استغرقت المعركة عشرون يوما، ولما رأى مروان رأس الضحاك بن قيس، ساءه ذلك وقال: الآن حين كبرت سني ودق عظمي وصرت في مثل ظمء الحمار، أقبلت بالكتائب أضرب بعضها ببعض، ولما انهزم الناس لحقوا بأجنادهم، فانتهى أهل حمص إليها وعليها النعمان بن بشير، فلما بلغه الخبر خرج هرباً ليلاً ومعه امرأته نائلة بنت عمارة الكلبي وأولاده، فتردد ليلته كلها، وفي الصباح طلبه أهل حمص، بقيادة عمرو بن الجلي الكلاعي، فقتله ورد أهله والرأس معه.

وجاءت كلب من أهل حمص فأخذوا نائلة وولدها معها، ولما بلغت الهزيمة زفر بن الحارث الكلابي بقنسرين هرب منها فلحق بقرقيسيا وعليها عياض الحرشي، وكان يزيد ولاه إياها، فطلب منه أن يدخل الحمام ويحلف له بالطلاق والعتاق على أنه حينما يخرج من الحمام لا يقيم بها، فأذن له، فدخلها فغلب عليها وتحصن بها ولم يدخل حمامها، فاجتمعت إليه قبائل قيس عيلان، وكان قد هرب معه إلى قرقيسيا شابين من بني سليم، فجاءت خيل مروان تطلبه، فقال الشابين لزفر: انج بنفسك فإنا نحن مقتولين هنا بدلاً عنك، فمضى زفر وتركهما فقتلا، وهرب ناتل بن قيس الجذامي عن فلسطين فلحق بابن الزبير بمكة، واستعمل مروان بعده على فلسطين روح بن زنباع واستوثقت الشام لمروان واستعمل عماله عليها.

ثم بعث مروان بعث جيشا إلى المدينة بقيادة حبيش بن دلجة القيني، فسار بهم حتى انتهى للمدينة وعليها جابر بن الأسود بن عوف ابن أخي الصحابي عبد الرحمن بن عوف من قبل ابن الزبير، فهرب جابر من المدينة، ثم إن الحارث بن أبي ربيعة والي البصرة لأبن الزبير، أرسل جيشاً من البصرة لنصرة ابن الزبير وجعل عليهم الحنيف بن السجف التيمي لحرب حبيش، فلما سمع بهم حبيش سار لهم من المدينة، وأرسل عبد الله بن الزبير، العباس بن سهل بن سعد الساعدي إلى المدينة أميراً وأمره أن يسير في طلب جيش حبيش حتى يوافي الجند من أهل البصرة الذين عليهم الحنيف، فأقبل عباس في آثارهم حتى لحقهم بالربذة، فقاتلهم حبيش، فرماه يزيد بن سنان بسهم فقتله.

وكان مع حبيش بن دلجة يومئذٍ يوسف بن الحكم الثقفي وابنه الحجاج، وهما على جمل واحد، وانهزم جيش حبيش، فأسر منهم العباس خمسمائة بالمدينة، فقال العباس بن سهل: انزلوا على حكمي، فنزلوا، فقتلهم، ورجع فل حبيش للشام، ولما دخل يزيد بن سنان المدينة كان عليه ثياب بيض فاسودت مما صبوا عليه من الطيب، وانتهت بنصر مروان بن الحكم في عام أربعه وستين من الهجره، وقد كان لهذه المعركة دور هام في استتباب أمور الدولة الأموية لمروان بن الحكم والقضاء على خصمه عبد الله بن الزبير، وذلك ليُصبح لاحقاً الخليفة، كذلك استطاع مروان أن ينقل الخلافة من البيت السفياني إلى البيت المرواني في عملية سياسية، ربما تعد أول انقلاب سلمي في التاريخ الإسلامي، وكما عُني مروان بالإصلاح الاقتصادي، وإليه يرجع الفضل في ضبط المكاييل والأوزان، وهو ما ضبط عملية البيع والشراء حتى لا يقع فيها الغبن أو الغش.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *