Share Button

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

نكمل الحديث عن السيده أم عماره المجاهده الصابره المحتسبه، وكان إبنها عبد الله بن زيد وهو أخو حبيب بن زيد، الذى أجهز على مسيلمة بن حبيب بسيفه في معركة اليمامة بعد أن رماه وحشي بن حرب، وقد قُتل عبد الله أيضا يوم الحرة، وبعد وفاة زوجها زيد بن عاصم، قد تزوجت السيده أم عمارة من بعده غزية بن عمرو الأنصاري، وكان أيضا ممن شهد بيعة العقبة وأحد، وهو أخو سراقة بن عمرو، وأنجبت له ضمرة الذي قتل في موقعة الجسر، وكانت موقعة الجسر فى العام الثالث عشر من الهجره، بين جيش الخلفاء الراشدين بقيادة أبو عبيد بن مسعود الثقفي والامبراطورية الفارسية، وكان أبو عبيد بن مسعود الثقفي، قد وصل إلي العراق، وكانت أولي حروبه النمارق، ثم السقاطية، ثم باقسياثا، ثم هذه الموقعة، فخلال عشرين يوما من وصول أبي عبيد بجيشه.

قد انتصر المسلمون في ثلاث معارك، وهُزموا في معركة واحدة هي معركة الجسر وهى التى قضت علي نصف الجيش، ومن بقي فرَ، بعد مقتل قائدهم أبوعبيد في هذه المعركة، وكان لأم عمارة، ولد آخر يدعى تميم، ويختلف كتاب السير في نسبته إلى زوجها زيد بن عاصم أم لزوجها غزية بن عمرو، وكانت أم عمارة من أوائل أهل يثرب دخولا في الإسلام، فقد كانت إحدى امرأتان بايعتا النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، في بيعة العقبة الثانية، ولما هاجر النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، إلى يثرب، كانت أم عمارة من المخلصات في نشر الدين، فشاركت في غزوة أحد مع زوجها غزية بن عمرو وابنيها، لتسقى الجرحى وتطبّبهم، لكنها بعد أن دارت الدائرة على المسلمين قاتلت هي وزوجها

وابناها دفاعا عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وقد أبلت بلاء حسنا وجُرحت ثلاثة عشر جُرحاً بين طعنة برمح أو ضربة بسيف، فدعا لهم النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أن يكونوا رفقائه في الجنة، وحين نادى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، في أصحابه صبيحة يوم أُحد للخروج لمطاردة قريش، همّت أم عمارة للخروج معهم، لكنها لم تقو على المشاركة في تلك الغزوة بعد أن أثقلتها جراح يوم أحد، وحين عاد المسلمون من تلك الغزوة، أرسل أخاها عبد الله بن كعب ليُطمئنه على أم عمارة لما أبلته من بلاء في أحد، فطمئنه على سلامتها، فسُر النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بذلك، ثم شاركت أم عمارة بعد ذلك في غزوة بني قريظة وغزوة خيبر.

وفي السنة السادسه من الهجره، خرجت أم عمارة مع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وألف وخمسمائة من المسلمين لأداء العمرة، وقبل أن يدخل النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وأصحابه مكة، أرسل عثمان بن عفان ليبلغ قريش أنهم جاءوا للعمرة، تأخر عثمان في العودة بالرد، فظنّ المسلمون أن عثمان قُتل، فبايعوا النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بيعة الرضوان على الموت ثأرا لعثمان، وكان فيهم أم عمارة، وهي البيعة التي نزل فيها الوحي بكلام من الله عز وجل، وهى بيعة الرضوان، كما قال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، عن من بايعه يومها: ” لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجره ” وهو الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال عنه أنه حديث حسن صحيح.

وقد شهدت أم عمارة بعدئذ صلح الحديبية الذي عُقد بين المسلمين وأهل مكة بعد عودة عثمان بن عفان، وقال الذهبي: أم عمارة الفاضلة المجاهدة، شهدت ليلة العقبة وشهدت أحدًا والحديبية ويوم حنين، ويوم اليمامة، وجاهدت وفعلت الأفاعيل، وتحدثنا أم عمارة عن صفة بيعتها فتقول: كانت الرجال تصفق على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليلة العقبة، والعباس بن عبد المطلب عمّ الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، آخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما بقيتُ أنا وأم منيع وهى أسماء بنت عمرو بن عدي السلمية، نادى زوجي غزية بن عمرو: يا رسول الله هاتان امرأتان حضرتا معنا يبايعناك فقال: “قد بايعتهما على ما بايعتكم عليه، إني لا أصافح النساء” رواه الإمام مالك.

ثم حضرت مع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، عمرة القضاء في العام التالي، وبعد فتح مكة، بلغ النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أن هوازن قد جمعت لقتاله، فقرر الخروج لقتالهم بكامل الجيش الذي فتح مكة، وكان قوامه عشرة آلاف مقاتل، حيث تقابل الفريقان في حنين ووقع المسلمون في بداية المعركة في كمين نصبته هوازن، ففر معظم جيش المسلمين، يومئذ، وقفت أم عمارة وفي يدها سيف تصيح في الأنصار: أيَّة عادة هذه؟ ما لكم وللفِرار؟ ووقفت تقاتل، ثم عاد المسلمون للقتال لمّا رأوا ثبات النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، في قلة معه.

ولأم عمارة رضوان الله عليها بطولات نادرة ومواقف رائعة، فبعد وفاة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ارتدت بعض القبائل عن الإسلام، فقرر خليفته أبو بكر الصديق قتالهم، ودارت في معظم أركان الجزيرة العربية معارك عُرفت بحروب الردة، التحقت أم عمارة ببعث خالد بن الوليد الذي خرج لقتال بني تميم ومن بعدهم بني حنيفة ومتنبئهم مسيلمة بن حبيب الذي كان قتل ابنها حبيب ومثّل به، وقد شاركت أم عمارة ومعها ابنها عبد الله بن زيد، في قتال معركة اليمامة، وهى أعتى معارك حروب الردة وأبلت فيها بلاء حسنًا، ونجح ابنها عبد الله في الثأر لأخيه، وقتل بسيفه مسيلمة الكذاب، وقد أصيبت أم عمارة في تلك المعركة بأحد عشر جرحا، وقُطعت يدها فبعث إليها خالد بن الوليد بطبيب كوى لها القطع بالزيت المغلي.

وقد تميزت أم عمارة بالإخلاص لدينها، وشجاعتها في الذود عنه، وهو ما تجلى من قتالها في غزوتي أحد وحنين ومعركة اليمامة، كما عُرف عنها صبرها، فعندما جاءها الخبر بمقتل ابنها حبيب على يدي مسيلمة، قالت: لمثل هذا أعددته وعند الله احتسبته، ومن حرصها على ابتغاء ثواب عبادتها، أتت أم عمارة الى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، يوما، فقالت: ما أرى كل شيء إلا للرجال، وما أرى النساء يذكرن بشيء؟ فنزلت هذه الآية: ( إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرًا والذاكرات أعدَّ الله لهم مغفرة وأجرًا عظيمًا ) من سورة الأحزاب،

فهذه الصحابيه التى كانت إذا رأت الخطر يدنو من رسول الله صلى الله عليه وسلم، تسرع لإزالته وإبعاده عنه، حتى قال عنها صلى الله عليه وسلم: “ما التفتُ يمينًا ولا شمالاً إلا وأنا أراها تقاتل دوني” وهذه الصحابيه التى كانت أثناء المعركة جُرح ابنها عبد الله جرحا بليغا، فربطت أم عمارة جراحه، ثم قالت له: انهض بنيّ فضارب القوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من يطيق ما تطيقين يا أم عمارة؟” ثم أقبل الذي جرح ابنها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “هذا ضارب ابنك” فاعترضته، وضربت على ساقه فوقع، ثم أجهزت أم عمارة ومن معها على الرجل المشرك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “الحمد لله الذي ظفّرك وأقر عينك من عدوك”.

وظلت أم عمارة رضي الله عنها تحظى بالمكانة اللائقة في حياة الخلفاء الراشدين، فكان أبو بكر رضي الله عنه، يأتيها ويسأل عنها، وكذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عرف مكانتها، وبعد أن عاشت حياة معطاءة حافلة بالتضحيات لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى، وكانت النهايه، لأم عمارة المبايعة بالعقبة، والمحاربة عن الرجال والشيبة، التى كانت ذات جدّ واجتهاد، وصوم ونُسك واعتماد، وتوفيت أم عمارة بعد معركة اليمامة بعام متأثرة بجراحها في خلافة عمر بن الخطاب، ودفنت في البقيع، فرضى الله عنهم أجمعين

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *