Share Button

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

ونحن في أيام الخير والبركة، الأيام المباركات من شهر ذو الحجه، ماذا ينبغي علينا أن نفعله جميعا الآن؟ وهو أن نعمل بقول واحد للحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فيه خير لنا في الدنيا وسعادة يوم الدين، فقال صلى الله عليه وسلم: ” إن لربكم في أيام دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها فعسى أن تصيبكم نفحة لن تشقوا بعدها أبدًا ” فما هذه النفحات التي ينبغي أن نتعرض لها؟ وكيف نستعد ونتجهز لها لنكون من أهلها؟ وتتنزل علينا بفضل الله عز وجل، في حينها ووقتها؟ إن نفحات الله عز وجل التي ذكرها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، ليست نفحات حسّية أرضية، كأكل أو شرب، أو مال أو مناصب فانية، وإنما النفحات التي تنزل من الله عز وجل على قدر الله سبحانه.

وهو أن يمنح عبدا مغفرته، فيغفر له ما تقدم من ذنبه، أن يَمُنّ الله عز وجل، على عبد فيبدل ذنوبه حسنات، وأن يتنزل الله عز وجل على عبد فيجعل صدره منشرحا للطاعات، ويجعله حريصا على قيامه بأعمال البر والنوافل تقربا لله سبحانه، لا رياء ولا سمعة بين خلق الله، وأن يَمُنّ الله سبحانه، على عبد فيجعل الموت بين عينيه، ويجعل الآخرة ملموحا لناظر قلبه، فيمشي ويقعد ويتحرك ويسكن وهو ينتظر الموت، وينظر لما قدمه لنفسه في أخراه، فيمتنع عن الشر وعن السوء وعن أهله، ويسارع إلى الخيرات والنوافل والقربات، ويحرص على أن يكون في كل أنفاسه في الطاعات، وأن يتأسى فيها كلها ويقتدي فيها بهدي برسول الله صلى الله عليه وسلم، فحقا إن لله في أيام الدهر نفحات.

فتعرضوا لها، فلعل أحدكم أن تصيبه نفحة فلا يشقى بعدها أبدًا، ولقد أثقلت كواهلنا الذنوب والخطايا والإعراض عن الله عز وجل، وربنا عز وجل، رحيم بخلقه، ورحمته مطلقة، فمن تمام رحمة الله عز وجل، أنه جعل لنا مناسبات من أجل أن نتعرض لنفحة من نفحات الله عز وجل،وأن نتعرض لمغفرة ذنوبنا قبل أن يُحال بيننا وبين التوبة، وقبل أن نندم ولا ينفع الندم، فيا بن آدم، يا أيها العبد المذنب وكلنا هذا العبد المذنب، يا أيها العبد الخطاء، وكلنا هذا العبد الخطاء، فمن منا لا يحفظ قول الله عز وجل: ( يوم لا ينفع مال ولا بنون ، إلا من أتى الله بقلب سليم ) أين القلوب السليمة بين الزوج وزوجته؟ وبين الأصول والفروع؟ وبين الإخوة والأخوات؟ وأين القلوب السليمة بين الناس؟

وبين الغني والفقير؟ وبين القوي والضعيف؟ أما تعلم بأن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، في يوم أحد عندما شقت شفته السفلى وكسرت رباعيته وشج وجهه الشريف، ووقع في حفرة، والصحابة تألموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله ادع على المشركين، فقال صلى الله عليه وسلم: ” إني لم أبعث لعاناً، وإنما بعثت رحمة ” رواه مسلم، وإن من الأدب مع الله عز وجل، أن يتعرض العبد لنفحاته ويقبل عطياته وهباته ومن تلك النفحات هذه الأيام التي نحن فيها والتي تستحق منا وقفات مختلفة وعناية من نوع آخر علنا ونكون ممن تعرضوا لتلك النفحات، وإن أقل الأعمال وأهون القربات تورث ما لا يسعنا وصفه من الخيرات والحسنات.

وتلك الأيام التي نحن فيها تعد نموذجا واضحا لذلك الشكر العظيم أيام العشر الأول من ذي الحجة تلك الأيام التي يستطيع العامل فيها ويمكن للطائع من خلالها بحسب حديث النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أن ينافس المجاهد فى سبيل الله، نعم، تستطيع أن تنافسه في هذه الأيام بل وتتفوق عليه كما ثبت عن خير الأنام عليه الصلاة والسلام إنها حقا أيام مختلفة أيام فارقة قال عنها النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أنها أفضل أيام الدنيا هكذا تفضيل بإطلاق وقد جعل فريقا كبيرا من أهل العلم يقطع أنها أفضل بنص ذلك الحديث محكم اللفظ يكفيها احتواءها على هذا اليوم الذي يُكفِّر صيامه عامين يوم واحد بعامين، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، عندما سئل عن صيام يوم عرفة.

قال: ” يكفر السنة الماضية والسنة القابلة ” وهذا الحديث رواه مسلم، فما أعظم هذا الكرم وما أطيب نفحات الله عز وجل فهو تكفير سيئات عامين كاملين ببضع سويعات من الإمساك عن الطعام والشراب والشهوة؟ فهل بذل هذا الممسك مجهودا خارقا للعادة أو ضحى بنفسه أو ماله لينال هذا الفضل العظيم؟ فالجواب لا، ولكن هو إن مجرد تذكر هذه الذنوب التي اقترفناها في عام كامل مضى أمر مرهق بل قد يكون مستحيلا على بعض الناس عد ذنوبهم فما بالك بأنك لن تعد وحتى لن تتذكر بهذه السويعات القليلة تنال مغفرة كل تلك الذنوب لا شك أنه ليس من سبب لذلك إلا قوله سبحانه وتعالى ( ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ) فليقبل من أراد الإقبال، ولا أقول ليعرض من أراد الإعراض.

لأنني والله أريد من نفسي ومن كل مؤمن أن يقبل على الله، لأننا بأمس الحاجة إلى رحمة الله عز وجل، وإذا أقبلت على الله، فكما تطهّر جسدك الظاهر وتطهر ثوبك، طهّر قلبك، لتتعرض لنفحة من نفحات الله عز وجل، فتصالحوا يا عباد الله، أزيلوا ما بينكم من بينكم، وأقبلوا على الله، وقد يكون بيننا خلاف في الرأي، فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم،كانوا يختلفون في الرؤى، لكن كان هديهم ومبدؤهم: أن الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، ولا يتحول الخلاف إلى خصام ولا إلى نزاع، ولا إلى حقد ولا إلى كُره، ولا إلى حرب، لأن الحرب لا تكون إلا على الكافرين ظاهرين الكفر، أو المشركين المحاربين لنا، أما كل من يقول لا إله إلا اله محمد رسول الله، فهو أخي فى الإسلام.

وقد ارتضى رأيا من الدين وعمل به، فلا بأس، لكن لا يفرضه علي، ولا يقتتل من أجل هذا الرأي، وأنا أيضا لي رأيي الذي أختاره من دين الله تعالى ما دام يطابق شرع الله، وله دليل في كتاب الله عز وجل، وله برهان في سنة رسول الله، وإذا اختلفنا فنرجع إلى العلماء العاملين، أهل الوسطية الذين قال لنا فيهم الله: ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ ولكن هؤلاء يسبّون هؤلاء، وهؤلاء يشتمون هؤلاء، وهؤلاء يشنعون على هؤلاء، وهؤلاء يحاولون أن يقبّحوا هؤلاء وآراءهم، ليس هذا من دين الله سبحانه، وإنما من النفوس التي بعدت عن رحمة الله عز وجل، وإذا مشينا في ذلك وحلّ بنا العنا، فإن رحمة الله عز وجل تتوقف عن هذه العباد.

حتى يرجعوا إلى قول الله: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْل الله جَمِيعا وَلا تَفَرَّقوا﴾ فيجب علينا أن نقوم بين يديه سبحانه، دائما وأبداّ مرتدين ثياب العبودية، نشعر أننا في حاجة إلى الله، وأننا فقراء إلى الغني، وأننا جهلاء أمام حضرة العليم، وأننا نحتاج إلى الله عز وجل في كل أنفاسنا، فإذا تجهّز العبد بذلك كان أهلا لعطاء الله وخير الله وإكرام الله، فإن الله تعالى خلق كل شيء فقدَره تقديرا، واختصَ الله بحكمته الباهرة وعلمه الذي وسع كل شيء أزمانا وأمكنة بمزيد من الفضل والشرف، وقد أخبرنا الله تعالى، في كتابه وأخبرنا رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته، بما فضَل من الأزمان والأوقات، لكي نبادر ونسارع إلى الخيرات فيها.

والمحروم من يجعل جهده وسعيه في تلك الأزمان والأمكنة معادلاً لجهـده في غيرها من الأزمان والأمكنة، فلا يخصصها بمزيد من الاجتهاد في الخيرات التي هي ميدان التسابق والتي فيها الربح العظيم، والخاسر من يحصر جهده في تلك الأزمان والأمكنة في الحصول على زهرة الحياة الدنيا التي لن يأتيه منها مهما اجتهد وسعى إلا ما قدَر الله له، وإذا كانت المسارعة بالخيرات محمودة مطلوبة في كل آن وحين وكل مكان، فإن حدوث ذلك في الأماكن المفضلة والأزمان الشريفة أكثر فضلا وخيراً وأعظم أجراً، وقد مدح الله عز وجل، المسارعين بالخيرات وبيَن أن عاقبتهم الفلاح في الدنيا والنعيم الذي لا يزول في الآخرة.

Share Button

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *