Share Button

بقلم / محمــــد الدكــــرورى

فتح مكه هو أهم الفتوحات الإسلامية وأعظمها أثرًا، والتي بسببها اهتدى رؤوس الكفر من قريش وغيرها من القبائل لدين الإسلام وخروا خاضعين، إيمانًا يحركه القلب، لا إذعانا يحركه السيف وإراقة الدماء ، ويعد فتح مكة ملحمة كبرى من ملاحم تعظيم بيت الله الحرام، ونصر المؤمنين والذين خرجوا من ديارهم مستضعفين، وبسببه دخل الناس في دين الله أفواجًا.

وكان الوضع الإسلامي بعد جمادى الثانية من سنة ثمان من الهجرة وأوائل رجب من نفس العام في غاية الاستقرار ، إذ إن هناك رهبة وهَيْبة للدولة الإسلامية، وهناك انتصارات متكررة في صورة جديدة لدولة ناشئة في المدينة المنورة، تبسط سيطرتها على أطراف واسعة من الجزيرة العربية.

وقد جرى الفتح في العاشر من رمضان فى السنه الثامنه هجريًا، وذلك بمدينة مكة المكرمة بقلب الجزيرة العربية، والتي احتضنت أنوار الرسالة المحمدية منذ بعثه صلى الله عليه وسلم وحتى إيذائه وهجرته للمدينة، ثم عودته إليها منتصرًا فاتحًا.

وحين نتكلم على فتح مكة لا بد أن نعلم أن فتح مكة كان لحظة فارقة حقيقية في تاريخ المسلمين، بل في تاريخ الأرض، حتى إنه إذا ذكر الفتح معرفًا هكذا ، الفتح ، انصرف الذهن مباشرة إلى فتح مكة، مع أن كل انتصارات المسلمين كانت فتحا ، فكان انتصار المسلمين في خيبر فتحا، وعلى الرومان في مؤتة فتحا، وعلى المشركين في بدر فتحا ، فكل هذه فتوحات، إلا أنه إذا ذُكر الفتح فقط، عُرف أنه فتح مكة.

وقد قاد رسول الله صلى الله عليه وسلم،في عشرة آلاف من أصحابه المسلمين ، وقاد النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بنفسه الفرقة الأولى، وقاد الفرق الألوية الأخرى القائد الزبير بن العوام ، شمالًا، والقائد خالد بن الوليد ، جنوبًا، والقائد أبوعبيدة بن الجراح الشمال الغربي ، والقائد قيس بن ساعدة بن عبادة ، الجنوب الغربي .

إن فتح مكة جزء من سلسلة غزوات النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، لدعوة الناس إلى الإسلام، وإزالة الحواجز التي تصدهم عن رب العالمين ، ولكن الغزوة هنا استهدفت بالتحديد تأديب قريش، بعد نقض صلح الحُديبية، ونصرتها لحلفائها من بني بكر ، في عدوانهم على قبيلة خزاعة، المحالفة للمسلمين، برغم سريان الهدنة لمدة عشر سنوات بين الطرفين .

في السنة الثامنة من الهجرة النبوية، هاجم رجل من بني بكر آخر من بني خزاعة، وكانت بين القبيلتين حروب في الجاهلية، ووصل القتال هذه المرة لحرم مكة، وتورطت قريش بإمداد حليفتها “بنى بكر” بالسلاح ، وإن دخول خزاعة في حلف الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، يحتاج لوقفة خاصة .

وذلك لأن الله عز وجل دفع خزاعة دفعًا للدخول في حلف الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، فقد كانت خزاعة قبيلة مشركة، وإنه وإن كانت هناك عَلاقات حميمة وقديمة بين خزاعة وبني هاشم، إلا أنه كان من المتوقع أن تدخل خزاعة في حلف بني هاشم من المشركين، وليس في حلف بني هاشم من المسلمين .

وذلك لأنها مشركة وعلى مثل دينهم، فلماذا إذن تترك خزاعة بني هاشم المشركة، وتتحالف مع بني هاشم المسلمة المتمثلة في الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ؟ وهو أمر عجيب حقًّا.

وإذا راجعنا قصة القبيلتين اللتين دخلتا في المعاهدة، وجدنا أنه كان بينهما بني بكر وخزاعة ، ثأر قديم، ولعل هذا الثأر هو الذي دفع بني بكر للدخول في حلف قريش، عندما دخلت خزاعة في حلف المسلمين، وهو الحلف المعاكس ، وذلك لتكون ضد خزاعة، مع أن العلاقة بين بني بكر وبين قريش ليست على أفضل حال .

بدليل أن قريش حين خرجت من مكة لحرب المسلمين في موقعة بدر كانت تخشى من غزو بني بكر لمكة، ثم ظهر لهم الشيطان في صورة سُرَاقة بن مالك وقال لهم: إني جار لكم من كنانة ، وكنانة هذه تشمل بني بكر ، فكانت القصة معقدة، والأحداث فيها لا يمكن أن تفسر إلا عن طريق أن الله سبحانه وتعالى ، أراد لها أن تتم على هذه الصورة .

وبنو بكر مع أن العلاقة بينهم وبين قريش معقدة إلا أنها دخلت في حلفها، وخزاعة مع أنها مشركة إلا أنها دخلت في حلف المسلمين، وذلك كله سيؤدي إلى شيء غير متوقع بالمرة ، وبنو بكر بن عبد مناة بن كنانة، وهي من مُضَر ، ومهما يكن من أمر فقد كان ثمة خلاف كبير وثأر قديم بين بني بكر وخزاعة، وقد كان هناك ضحايا من بني بكر قتلتهم خزاعة.

وبعد مرور سنوات وسنوات على هذه الجريمة التي قامت بها خزاعة في حق بني بكر، تذكرت بنو بكر ثأرها مع خزاعة فأرادت أن تنتقم ، وهذا بعد صلح الحديبية ، فأغارت على خزاعة وقتلت منهم رجالاً، وكانت معاهدة الحديبية تنص على أن من أغار على خزاعة، فكأنه أغار على الدولة الإسلامية، وموافقة قريش على إغارة بني بكر على خزاعة يُعَد نقضا صريحًا للمعاهدة بينهم وبين المسلمين.

وأغارت قبيلة بكر على خزاعة، التي كانت آمنة وغير مستعدة للقتال، وقتلتْ منهم الكثير من الرجال، فلم تجد خزاعة إلا أن تفر إلى الحرم، بحكم أن مساكنها قريبة منه، فخرجت رجالاً ونساء وصبيانا إلى مكة، فطاردتها بكر بالسلاح، حتى وقع القتال داخل الحرم، دون أن تحرك قريش ساكنا، بل إنها أمدت بكرا بالسلاح في هذا القتال الأرعن.

وأسرعت خزاعة إلى المدينة المنورة تستغيث بالرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، وكان عمرو بن سالم أول من جاء إليه من خزاعة، وكان رد فعل الرسول عندما سمع منه ما حدث قوله: ” نصرت يا عمرو بن سالم “.

وقرر الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم نصرة خزاعة، لأنه كان فيما بينهم حلف يقضي بأن يدافع كل طرف عن الآخر إذا ما تعرض إلى أي اعتداء، بغض النظر عن ملة قبيلة خزاعة مسلمة أو مشركة.

واتجه الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، نحو السماء قائلًا: “إن هذه السحابة لتُستهل بنصر بني كعب ” فكانت تلك شرارة فتح مكة ، وحدد رسول الله خيارات واضحة أمام المشركين ، دفع دية من قُتل من خزاعة، أو أن تحل نفسها من عهد بني بكر، أو تعلن أن صلح الحديبية صار لاغيًا، فردت قريش بقبول الشرط الأخير .

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *