Share Button

بقلم / محمــــد الدكـــــرورى

إن فضل المعلم عظيم ، وبذله وعطاؤه وجهده حق لا يُكافا إلا بالمعروف، فإياكم ثم إياكم من سوء الأدب معه، فإنه فشل تربوي، وتمرد أخلاقي، وسلوك فوضوي لا يرضى به إلا اللئيم ، ولكم في السلف أسوة وقدوة ، فهذا الربيع تلميذ الشافعي رحمهما الله تعالى يقول: “ما اجترأتُ أن أشرب الماء والشافعي ينظر إليَّ هيبة له“.

فالحاجة إلى العلم فوق كل حاجة فلا غنى للعبد عنه طرفة عين وقال الإمام أحمد رحمه الله: الناس إلى العلم أحوج منهم إلى الطعام والشراب فالرجل يحتاج إلى الطعام والشراب مرة أو مرتين وحاجته إلى العلم بعدد أنفاسه وكيف لا تكون هذه منزلة العلم ؟

وهو الذي به يعرف العبد ربه أسماءه وصفاته وأفعاله وأمره ونهيه وبهذه المعارف يحصل العبدُ أكملَ السعادات وأشرفَ الغايات به يُخرج الله العباد من الظلمات إلى النور ، ولما كانت هذه منزلة العلم ومكانته جاءت الشريعه متضافرة في الحث عليه وبيان فضله وفضل أهله وشحذ الهمم إليه.

ولقد رفع الله عز وجل شأن العلم وأهله، وبيَّن مكانتهم، ورفع منزلتهم ، ولقد منع الله سبحانه وتعالى المساواة بين العالم والجاهل ، لما يختص به العالم من فضيلة العلم ونور المعرفة ، فالعلم شرف لا قدر له، ولا يجهل قدر العلم وفضله إلا الجاهلون .

ولقد رفع الله سبحانه وتعالى شأن العلم وأهله، وبيَّن مكانتهم، ورفع منزلتهم، فقال سبحانه وتعالى: ﴿ يَرْفَعِ الله الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ ، ولم يأمر الله تعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالاستزادة من شيء إلا من العلم، فقال له سبحانه وتعالى: ﴿ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً ﴾ .

إن العلم هو حجر الأساس، وهو الوسيلة التي يتعرف بها الإنسان على دينه، وهو الوسيلة التي يستطيع بها الإنسان أن يعرف طاعة ربه، وأول أمر جاء به جبريل من عند الله إلى نبينا محمد عليه الصلام والسلام ، هو الأمر بالتعلم، وأول آية نزلت من القرآن ” اقرأ”.

وبالعلم تُبنى الأمجاد، وتشيد الحضارات، وتَسُود الشعوب، وتبنى الممالك، بل لا يستطيع المسلم أن يحقق العبودية الخالصة لله عز وجل ، على وَفق شرعه، فضلاً عن أن يبني نفسه كما أراد الله سبحانه وتعالى ، أو يقدم لمجتمعه خيراً، أو لأمته عزاً ومجداً ونصراً، إلا بالعلم.

ولقد جاءت نصوص الكتاب والسنة منوهة بفضل العلم وأهله، والحث على تعلمه وكسبه، فقد شرف الله تعالى هذه الأمة ، حيث جعلها أمة العلم والعمل معاً، تمييزاً لها عن أمم الظلم والجهل. وجاءت الصيحة الأولى المدوية التي أطلقها الإسلام في أنحاء المعمورة ، لتنوه بقيمة العلم والعلماء، وتسمو بقدره، وتجعل أول لَبِنة في بناء الأفراد والشعوب، وكِيان الأمم والمجتمعات هى القراءة والكتابة.

فخذوا للعلم من أوقاتكم نصيبًا مفروضًا، وحثوا أبناءكم على الاجتهاد في طلبه وتحصيله ، فإنه أنجع وسائلِ التربية وأرسخ يقينا في التزكية، وأكثر أمانا من الفتنة، وأشد ثباتا في المحنة، وصبرا عند المصيبة، وأفضل الحسنات، وأعظم القربات، وأعلى الدرجات .

ولقد اختار الله الإنسان ليستخلفه في الأرض ، فوهبه العلمَ مناطَ العمل والتشريف، ومنحه العقلَ مناط الخطاب والتكليف ، ففضل الله الإنسان على كثير ممن خلَق بنعمة العلم والعقل، ورتَّب على ذلك التكليف والعمل ، ولقد حث القرآن على التعلم، والله لم يأمر نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، بأن يسأله الزيادةَ من شيء إلا من العلم .

ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، وخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا، والعلماء ورثة الأنبياء، والاشتغال بالعلم من الباقيات الصالحات، والصدقة الجارية بعد الممات، والثواب المستمر بعد الوفاة، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: “ إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ “ .

وإن للعلم أوعية يحفظونه وحماة يحمونه، ورجالا يحملونه، وشيوخا يخدمونه، ينتقل عبر الأجيال عن طريقهم، وينتشر في الآفاق بجهودهم ، وإن المعلمين ينوبون عن الأنبياء والعلماء في وظيفتهم التربوية والتعليمية، ويقومون بخدمة الأمة في إعداد الأجيال المستقبلية، ويزرعون في أبناء الجيل بذور الحياة والسعادة الدنيوية والأخروية، فهم أحرى بالاحترام والتقدير، وأجدر بالتبجيل والتوقير، فأقيلوا عثراتهم، أقيلوا عثراتهم وتجاوزوا عن زلاتهم.

ومن سلك طريقاً يظنه الطريق الموصل إلى الله عز وجل ، بدون علم فقد سلك عسيراً، ورام مستحيلاً، فلا طريق إلى معرفة الله سبحانه وتعالى ، والوصول إلى رضوانه إلا بالعلم النافع الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه، فهو الدليل عليه، وبه يُهتدى في ظلمات الجهل، وشبهات الفساد والشكوك.

والعلم الشرعي هو العلم بكتاب الله عز وجل ، وسنة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وهو القاعدة الكبرى التي تبنى عليها سائر العلوم ، وحملة العلم الشرعي هم ورثة الأنبياء، والأمناء على ميراث النبوة، ومتى ما جمعوا بين العقيدة الصحيحة والعلم الشرعي المتوج بالأدلة الشرعية، مع الإخلاص للهسبحانه وتعالى .

والتأدب بآداب العلم وأهله، فهم الأئمة الثقات، والأعلام الهداة، مثلهم في الأرض كمثل النجوم يُهتدى بها؛ فقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم “إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء ، يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة” رواه أحمد.

والعلم بغير ورع ولا طاعة كالسراج يضيء البيت بنوره، ويحرق نفسه ، وماذا يفيد العلم جُمَّاع القولِ المصِرِّين على معاصيهم وأخطائهم، الذين يستمعون القول ولا يتبعون أحسنه؟

وروى عبد الله بن وهب، عن سفيان، أن الخضِر قال لموسى عليهما السلام ، يا ابن عمران، تعلَّم العلم لتعمل به، ولا تتعلمه لتحدث به، فيكون عليك بوره، ولغيرك نوره ، وقال أبو الدرداء رضي الله عنه أخوَف ما أخاف إذا وقفت بين يدي الله عز وجل أن يقول: قد علمت، فماذا عملت؟ وفي منثور الحكم: لم ينتفع بعلمه من ترك العمل به.

والعلماء بالله عز وبشرعه هم أهل خشية الله، وشهداء الله في أرضه، وخلفاء الرسول في أمته، فمَن كان بالله أعرف كان منه أخوف؛ لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم الكريم، الموصوف بصفات الكمال، والمنعوت بالأسماء الحسنى، كلما كانت المعرفة به أتم، والعلم به أكمل، كانت الخشية له أعظم، وأكثر.

وقال ابن عباس رضي الله عنهما ، العالم بالرحمن من عباده ، من لم يشرك به شيئاً، وأحَلَّ الحلال، وحرم الحرام، وحفظ وصية الله، وأيقن أنه ملاقيه ومحاسبه بعمله ، فالخشية: هي التي تحول بين العبد وبين معصية الله، وتدعوه إلى طاعته والسعي في مرضاته، وقال الحسن البصري رحمه الله “العالم مَن خشِيَ الرحمنَ بالغيب، ورغب فيما رغَّب الله فيه، وزهد فيما سخط الله فيه .

وقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم “إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويثبت الجهل، ويشرب الخمر، ويظهر الزنا” متفق عليه ، وارتفاع العلم إنما يكون بموت العلماء ، حيث يموت علمهم معهم .

فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي اله عنهما ، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبقِ عالماً اتخذ الناس رؤوساً جُهَّالاً، فسُئلوا، فافتَوا بغير علم، فضَلُّوا وأَضَلُّوا” متفق عليه.

وعن أبى الدرداء قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض، والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظً وافر” رواه احمد .

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *