Share Button

بقلم / محمــــد الدكــــرورى

إن حب الشهرة داء مُنصِف يفتك بصحابِه قبل أن يفتِك بغَيره ، وإن من الاغترار بالدنيا هو السعي خلف الشهرة وبريقها، فكثير من الناس تتوق نفسه إلى أن يُشار إليه بالبنان أو أن يكون هو حديث المجالس أو أن يُسمع قوله أو يُكتب، لذا قد يسعى بعضهم بكل سبيل إلى تحقيق ذلك ولو على حساب مخالفة الدين والأخلاق، إذ من خصائص الشهرة أنها تؤز المرء إلى المغامرة أزا، ويدعى إلى تبرير كل وسيلة موصلة إليها دعًا، وهنا مكمن الخطر ومحمل الشرك الذي لا ينتقش .

ولكن يجب أن تكون كل أعمال المسلم ومقاصده محصورة في طاعة اللّه ورضوانه، وعلى المسلم أن يكون قصده وعمله وكل ما يقدمه من عمل هو وجه اللّه تعالى، سواء في أثناء حياته، أو ما يعقبه من عمل صالح بعد مماته، وهو للّه، وإلى اللّه، وفي سبيل اللّه، ولطاعة اللّه تعالى ، فإذا كان لله لم يَبقَ فيه نصيب لغير الله .

وقد قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : “من لَبِس ثوب شُهرة ألبسَه الله يوم القيامة ثَوْب مَذَلَّة ” وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين يفرون من الشهرة وعدم الإخلاص لله في الأقوال والأفعال، كما تفر الفريسة من الأسد ، فهذا بُريدة بن الحصيب يقول: “شهدتُ خيبر، وكنت فيمن صعد الثُّلْمة، فقاتلتُ حتَّى رُئِي مكاني، وعليَّ ثوبٌ أحمر، فما أعلم أنِّي ركبتُ في الإسلام ذنبًا أعظم عليَّ منه” .

وينبغي للعالم أن يتكلم بنية وحسن قصد، فإن أعجبه كلامه فليصمت، فإن أعجبه الصمت فلينطق، ولا يفتر عن محاسبة نفسه، فإنها تحب الظهور والثناء ، ووالشهرة يجب ألا تكون هدفًا في ذاتها بل يمكن أن تكون نتيجة للأعمال الصالحة أحيانًا، فعلى من ابتلي بها الصبر والمجاهدة ومدافعتها قدر الإمكان دون الإخلال بوظيفته الصالحة في الحياة .

والبحث عن الشهرة خلل في عقيدة التوحيد، وانقلاب في مفاهيم الغاية البشرية في الوجود، ونكسة في ترتيب الاهتمامات، فهو الصورة التطبيقية للرياء المحبط للأعمال في ميزان الشريعة ، وأما من اشتهر بالعلم والزهد والورع ونيته صالحة وعمله خالصًا لوجه الله فإنه خارج عن هذه الدائرة ولكن الواجب عليه أن يتفقد حال قلبه بين الفينة والأخرى .

ولكن الكثير منا يسعى للشهرة وللظهور أمام الجماهير وأمام الناس ، ولا لشيء إلا ليظهر ويلمع أمام الناس، حتى يصير حديث الناس في مجالسهم وأماكن تواجدهم ومن أجل هذه الشهرة الزائفة تجده ينفق الملايين، أو ربما يقوم بتحدث في الإذاعة حتى يسمعه الناس في كل مكان وحتى يقول الناس سمعنا فلانا يتحدث في المذياع، أو يتصدر للفتوى فيظهر على شاشة التلفاز أو يسمع صوته عبر المذياع وهو ليس أهلاً للفتوى ولا مجازًا من طرف أهل العلم .

أو يقوم بتأليف كتاب لا من أجل الفائدة، وإنما من أجل أن يقول الناس: فلان مؤلف بارع، أو يقوم بطبع وتعليق صوره العملاقة في الشوارع والطرق الرئيسة لا من أجل خدمة الناس والسعي في قضاء حوائجهم، وإنما من أجل الشهرة واللّمعان ، ولو كانت الشهرة منقبة تتشوق لها النفوس الكريمة لأكرم الله عز وجل بها سادة الدنيا من الأنبياء والمرسلين الذين بعث منهم ما يزيد على ثلاثمائة رسول، وأكثر من مائة ألف نبي .

ورغم ذلك لم يحفظ لنا القرآن سوى أسماء خمسة وعشرين رسولاً لا غير ، وقد حذر سلفنا الصالح من حب الظهور والشهرة بين الناس لمن يسعى إليها ويجعلها هدفه، وتضافرت أقوالهم المحذرة من هذا الخلق الذميم ، والمشاهير ، كلمة يتمنى الكثيرون أن تكن أسمائهم ضمن قائمتها، وأن تغلف حياتهم باللمعة البراقه والأحاديث المشوقة عنهم ، ودائماً يظهر المشاهير والابتسامات العريضة تعلو وجوههم، وقد ارتدوا أفخر ما أنتجته دور الأزياء العالمية.

فترى عيون المعجبين لا تكفّ عن مطاردتهم والبحث عنهم. تلك هي حياة المشاهير في العالم كما تصورها لنا دائماً قنوات التلفزة والصحف ، ويكمن السر خلف وراء تلك الأستار، فالصورة البراقة لحياة المشاهير لا تكشف إلا عن أقنعة لامعة يرتديها أصحابها عند لقاء الجمهور، أما في الحياة الخاصة فتسقط كل الأقنعة، حيث الشقاء والعذاب النفسي الذي يجثم على حياة الكثير منهم، والنهايات أكبر دليل على ذلك.

وقد حذر النبى الكريم صلى الله عليه وسلم من سوء الأخلاق التي يكون عملها وسعيها وقولها لغير الله ، وذلك فى حديث الثلاثة وعملهم الجليل سواء كان الشهادة أو تعليم العلم أو الإنفاق في سبيل الله وهذا كله يُعد من أعظم الأعمال في ميزان الإسلام ولكنهم أحبطوا ثواب عملهم بسبب طلب الشهرة بين الناس وحب الظهور الذي يقسم الظهور، فكانوا أول من تُسعَرُ بهم جهنم، فهم حطبها الأول لأنهم أرادوا أن يكونوا أول الناس وعلى رأسهم، فعاقبهم الله بضد قصدهم، والجزاء من جنس العمل، وما ربك بظلام للعبيد.

وقل ما شئت عن الشهرة و ، عن اقتحام الأخطار فإن كل أمجاد العالم و كل حوادثه الخارقة للعادة لا تعادل ساعة واحدة من السعادة العائلية ، وليس الطب سلعة وليس النجاح مالاً وشهرة ، والطب هو أن أمنح الصحة لكل من يحتاج الصحة بلا قيود ولا شروط ، والنجاح هو أن أمنح ما عندي للآخرين ، وللعبد ستر بينه وبين الله، وستر بينه وبين الناس ، فمن هتك الستر الذي بينه وبين الله هتك الله الستر الذي بينه وبين الناس .

وهذا خالد بن الوليد عندما أمره عمر بن الخطاب الخليفة أن يترك قيادة الجيش لأبي عبيدة بن الجراح، قال: “سمعًا وطاعة لأمير المؤمنين” وهذا موقف والله يُحسد عليه ولو تعرض له أحد القادة في هذا العصر وبشهرة سيف الله المسلول لما ترك قيادة الجيش ولما ترك هذه الشهرة بل انقلب على أميره وحاربه، ولكنه أبو سليمان ، الإخلاص لله ولدينه والفرار من الشهرة وحب الظهور.

وهذا أبو عبيدة بن الجراح أمين الأمه ، لما ذهب مددًا إلى عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل قال عمرو بن العاص لأبي عبيدة والنفر الذين معه: أنا أميركم وأنا أرسلت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أستمده بكم، فقال المهاجرون بل أنت أمير أصحابك وأبو عبيدة أمير المهاجرين، فقال عمرو إنما أنتم مدد أُمددته، فما كان من أبي عبيدة في هذا الموقف إلا أن أخلص لله وترك الشهرة وراءه ظهريًا وقال: “والله يا عمرو إنك إن عصيتني لأطيعنَّك وسلم إليه الإمارة .

فليست الشهرة تُراد في ذاتها، قد تتفق للرجل فإذا صبر على حقها فإنه لا حرج عليه، والخفاء كذلك لا يراد لذاته، وإنما الذي يراد أن يراك الله حيث أمرك وأن يفقدك حيث نهاك، الذي يراد أن تكون لك خبيئة سر بينك وبين الله؛ تلج عليه من خلالها، وتنفعك أحوج ما تكون إليها عند طلوع الروح في لحظات الخواتيم، وتنفعك أحوج ما تكون إليها إذا حقت الحقائق وقامت القيامة وقرعت القارعة وزلزلت الزلزلة وحقت الحاقة وتطايرت صحف الأعمال ونودي الناس إلي ربهم أن هلموا إلى ربكم لفصل القضاء.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *