Share Button

بقلم أ. د إبراهيم محمد مرجونة
أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية
رئيس قسم التاريخ – جامعة دمنهور
تُعَدُّ الألوانُ من أهم المؤشرات التي تعبر بشكلٍ، أو بآخر عمَّا يدورُ في النفس الإنسانية من فرح، أو حزن، أو قوة، أو ضعف، فمن اللون الذي يرتديه الإنسان، أو يفضله، يمكن معرفة شخصية هذا الإنسان، و كذلك ميوله، و حالته النفسية، و مقدار الطاقة التي يحتويها، و الروح المسيطرة عليه، في الوقت ذاته تُعد الألوان باعثًا لتلك الحالات نفسها، فمثلما تظهر لنا حالة الإنسان، و شخصيته من اللون الذي يرتديه، أو يفضله، فهي أيضًا تستطيع أن تُغيرَ من حالته المزاجية، و طاقته الداخلية عند رؤيتها.
بل تعدى الأمر ذلك، و أصبحت الألوان ذات عامل إيجابيّ، أو سلبيّ علي الحالة الصحية للإنسان ؛ و ذلك لأن الألوان المحيطة بالإنسان تؤثر بصورة مباشرة علي نفسيته، و سرعان ما يتحول هذا التأثير إلي تأثير عضويّ يجعل الجسد قابلًا للإصابة ببعض الأمراض التي تُعرف بأمراض النفس الجسدية التي تتسلل من النفس إلي الجسد، و لأهمية الألوان في حياة الإنسان اهتم علماء النفس، و كذلك علماء الطاقة منذ زمن بعيد بدراسة العلاقة بين الألوان، و الإنسان، و قد توصلوا في هذا المضمار إلي عديد من الأمور التي توضح العلاقة بين الطرفين، و تأثير كلٍّ منهما علي الآخر.
و قد كان للألوان ذكر في القرآن الكريم فقال الله ـ تعالى ـ : ” مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ” (الأنعام اية 38 )؛ لذلك لم يخلُ القرآن الكريم من الحديث عن الألوان، و التي ثبت أن جميعها يتكون من أربعة ألوان رئيسة ، و هي : الأحمر، و الأصفر، و الأخضر، و الأزرق، و منها يشكّل جميع الألوان الأخرى عن طريق المزج بين تلك الألوان، و قد وجدت تلك الألوان في القرآن كما وُجِدَ أيضًا اللونان : الأبيض، و الأسود ؛ نظرًا لما لهما من وضع خاص بين الألوان، مع أنهما ليسا من الألوان الرئيسة ، و علي هذا يمكن القول: إن الألوان جميعها وجدت في القرآن الكريم بما لها من مدلولات، و تأثيرات، و بُشرى، و تحذيرات.
و لعلنا إذا تدبرنا قليلًا في مخلوقات الله ـ سبحانه ـ سنجد هذا المعني واضحًا في كل ما حولنا، في الأرض، و السماء، و الطيور، و الصخور، و النبات، و الزهور، و إذا أمعنا في التدبر، و التأمل فسنجد أن مدلول هذه الألوان يتغير بتغير الزمان، و المكان، و ثقافة الإنسان، فاللون الذي يعبر عن شيء ما في مجتمعٍ ما ربما يختلف في المعنى، و المغزى في مجتمعٍ آخر.
يقول تعالى: “يوم تبيض وجوه وتسود وجوه”،( ال عمران آية 106) فالسواد هنا ليس تغير اللون، فإن لون الوجه يكون أبيضَ ؛ لكنه مسود بمعنى مضيق علي صاحبه من الخزي، و العار على ما اقترفه في الحياة من خزي و عار، و الوقت نفسه يدل هذا اللون على السيادة، و الأفضلية، و الشرف، و السلطة، إذا عاد الي أصله الثلاثيّ (سود) أي من السيادة ؛ حيث وصف الله ـ سبحانه وتعالي ـ نبيه ـ صلي الله عليه وسلم ـ قائلًا: “مصدقًا من الله وسيدًا وحصورًا” .
فاللألوان دلالات سياسية، و دينية، و حضارية في تاريخ الدول والشعوب، الذين أرادوا بكل قوة إقامة دولهم، و السيطرة علي المجتمع فكريًا، و دعويًا، و سياسيًا.
والشيء اللافت للنظر أنه ما اتخذ علم، أو راية، أو لواء إلا لدولة، أو صاحب سلطة، أو طامع في الحصول على سلطة، و أراد أن يتخذ من الراية بلونها أحقيةً، و مبررًا في رفعها كما لو أنه يرفع راية الحق، و على الجميع أن يتبعه في تحقيق غايته فكانت هناك رايات للدول الإسلامية، و اتخذت الفرق الإسلامية الطامعة في السلطة لنفسها راياتٍ خاصةً بها، و دلالة طمعهم في الحكم، و السلطة أن كل الفرق الكلامية مثل المعتزلة، و الأشاعرة، و غيرهما لم يتخذوا لأنفسهم علمًا، أو لونًا مستقلًا، و كانت الألوان دائمًا تأتي لتعبر عن شخصية رافعيها وهويتهم، و رسالتهم ، فعلى الجميع توخي الحذر قبل اتباع ألوان تقود إلى الخراب والدمار.
فيجب أن يتحد الجميع، و يلتفوا حول لون واحد يعبر عن هُوية الدولة، و شخصيتها، و يكون له مغزاه السياسيّ، و صبغته الحضارية ثم يكون جزءًا من هوية الأمة العربية بشكل عام، و لا تتنوع الفرق، و المذاهب، و المعتقدات السياسية، و الدينية، و تظن كل فرقة خطأ بأنها هي الفرقة الناجية، و بالتالي يتنوع معها اللون، و يصبح لكل فريق لونٌ، و هدفٌ، و غايةٌ، فينقسم المجتمع، و تنهار الدولة، و تختلط الألوان، و تتشابك الخطوط، فعلى الجميع أن يسعى، و يبتكر ؛ لخلق لونٍ حضاريّ يضمن للبلاد مكانة منمازة داخلية وخارجية، و يقترب من الصدارة العالمية بلونه الحضاريّ المتميز في المجالات الآلية، و الثقافية، و الأدبية، و الفنية.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *