Share Button
………
كانَ يُعاني سكرات الموت، سمعه يقول باِرتعاشٍ:
– يَدُ الموت تدبُّ فِيَّ مخالبها.
انتابته رعشةٌ قويَّةٌ، نظرَ إِليه فوجدَهُ لا يقوى على الحراك، حرَّكَ شفتيه فأَصغى إِليهِ السمع:
– لقَد وصلتُ نهايةَ المطاف.
أَجابَهُ:
– لا تقل ذلكَ، فمَا زالت الشمسُ مشرقة.
قالَ بيأَسٍ:
– لقَد اِنتهى كلّ شيءٍ، لَم يعد لي هنا مَا يستحق لأَجلِهِ البقاء.
إِنــَّه الآن يموت لكي يعيش..!!، فساعة رحيله يبدأ حياته من جديد؛ فقَد تهاوت أَمام ناظريه كلُّ الآمال، وَ تلاشت جميع أَحلامه الجميلة، وَ لَم يعد هناكَ مَا يطمح إِليه بالوصول..!!؛ فهُوَ الآن بلا هدف..
بدأَت قطرات العرق تتجمّع فوق جبينه، مرَّر لسانه على شفتيه ثمَّ قالَ ببطءٍ شديدٍ وَ الدموع تترقرق في عينيه:
– كانت هِيَ كلّ سعادتي، فبدونها لَن أَشمَّ الهواء، لَن أَشربَ الماء، لَن أَمشي على الأَرض..
– لَن أَمشي على الأَرض..
– لَن أَمشي على الأَرض.
اِهتزَّ جسدُهُ بعنفٍ وَ كأَنــّه قَد صُعِقَ بتيارٍ كهربائيّ، أَغمضَ عينيه للحظاتٍ ثمَّ فتحهما ببطءٍ شديدٍ، نظرَ إِلى صاحبه الجالس جواره على فراشه المتهرِّئ نظرةً ملؤها الحزن وَ القنوط..
قالَ متلفّظاً كلماته بصعوبةٍ بالغةٍ:
– لقَد.. ضاعَ منّي.. كلّ شيء.. تحطّمت،، سفينتي.. في بحرٍ هائج.. وَ تكسَّرت.. أَشرعتُهَا.. في ريحٍ عاصفة..
– لقَد.. اِنتهيتُ يَا صاح.. فبدونها.. لَن أَمشي.. على الأَرض.. ثانيةً..
– إِنِّي الآن أَهوي.. فالوداع.
وَ بدأَ يهوي لاحقاً شريكة حياته لخمسةٍ وَ ثلاثين عاماً..
لقَد أَحبَّها بصدقٍ مثلما أَحبّته..
لَم تُنجب لَهُ طوال تلك السنين غير حبّها لَهُ، وَ لَم يُعطها شيئاً سوى دفء أَحضانه، فقَد كانت عاقراً، وَ كان هُوَ فقيراً لا يملك غيرها.. حتّى ثيابه كان المحسنون يتصدّقونَ بهَا عليه..
لقَد هوى إِلى أَبعدِ أَعماق الأَرض؛ ليضعَ رأَسَهُ جوارَهَا هناكَ، فيغمض عينيه بهدوء، ليتلاشى جسدُهُ بعدَ حين، بعدما تلاشى جسدها قبلَه منذ أَيَّامٍ قليلةٍ.
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏٢‏ شخصان‏، ‏‏‏‏لحية‏، ‏شاشة‏‏ و‏منظر داخلي‏‏‏‏
Share Button

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *