Share Button

بعد صلاة الفجر صافح سمعي صوت الشيخ المنشاوي و هو يقرأ الأية ١١٢ من سورة التوبة و فيها يقول الله عز وجل
(ٱلتَّٰٓئِبُونَ ٱلۡعَٰبِدُونَ ٱلۡحَٰمِدُونَ ٱلسَّٰٓئِحُونَ ٱلرَّٰكِعُونَ ٱلسَّٰجِدُونَ ٱلۡأٓمِرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡحَٰفِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ )

و تذكرت أن الله سبحانه وتعالى قد أمر بالتوبة فقال :
(و توبوا إلي الله جميعا) سورة النور ٣١ ‘
و وعد بالقبول فقال :
(و هو الذي يقبل التوبة عن عباده) سورة الشورى ٢٥ ‘
و فتح باب الرحاء فقال :
(لا تقنطوا من رحمة الله) سورة الزمر ٥٣ ‘
و عن ابن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
“يا أيها الناس توبوا إلى ربكم فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة” رواه مسلم ٢٧٠٢ و ابن ماجة ٣٨١٥ و احمد ٩٥١٥ ”
و قد أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف أن الله تعالي يقبل توبة العبد ما لم يغرغر بنفسه ” رواه احمد ١٥٠٧٣
و قد ورد في الصحيحين في حديث ابن مسعود عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال:
“لله أفرح بتوبة عبده المسلم من رجل نزل بأرض دوية مهلكة معه راحلته فَضَلَّت فطلبها حتي إذا أدركه الموت قال :
أرجع إلى مكاني الذي أضللتها فيه فأموت فيه فأتي مكانه فغلبته عيناه فاستيقظ فإذا راحلته عند رأسه عليها طعامه و شرابه و زاده و ما يصلحه فالله أشد فرحاً بتوبة عبده المؤمن من هذا براحلته و زاده رواه البخاري و مسلم و الترمذي و بن ماجة و احمد

و قد أوحي الله إلى داود عليه السلام :
يا داود لو يعلم المدبرون عني كيف انتظاري لهم و رفقي بهم و شوقي إلى ترك معاصيهم لماتوا شوقاً إليَّ و تقطعت أوصالهم من محبتي ، يا داود هذه إرادتي في المدبرين عني فكيف إرادتي بالمقبلين عليّ !
فطوبي لمن غسل درن الذنوب و رجع عن خطاياه قبل فوت الأوبة و بادر الممكن قبل أن لا يمكن
من رأيت من آفات دنياه سلم، و من شهدته صحيحا و ما سقم، و أي حياة بالموت لم تختم، و أي عمر بالساعات لم ينصرم!
إن الدنيا لغرور حائل و سرور إلي الشرور آيل
ترضي مستزيدها و تؤذي مستفيدها بينما طالبها يضحك أبكته و يفرح بسلامته أهلكته ، فندم علي زلله إذ قدم علي عمله و بقي رهين خوفه و وجله ، و ود أن لو زِيد ساعة في أجله فما هو إلا أسير في حفرته و حسير في سفرته.
و قد حدث علي بن الموفق قال :
حدثنا منصور بن عمار قال :
خرجت ليلة فقعدت عند باب صغير و إذا بصوت شاب يبكي و يقول :
و عزتك و جلالك ما أردت بمعصيتك مخالفتك و قد عصيتك حين عصيتك و ما أنا بنكالك جاهل ولا لعقوبتك متعرض ولا بنظرك مستخف، لكن سولت لي نفسي و غلبت عليّ شقوتي و غرني سترك المرخي عليّ و آلان فمن عذابك من ينقذني ، و بحبل من أتصل إن قطعت حبلك عني واسوأتاه من تصرم أيامي في معصية ربي
يا ويلي ؟! كم أتوب و كم أعود ؟
قد حان لي أن أستحي من ربي
فقال منصور بن عمار : فلما سمعت كلامه قلت ” يا أيها الذين أمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة” سورة التحريم آية ٦ ‘
فسمعت صوتا و اضطراباً شديداً و مضيت لحاجتي ،
فلما أصبحت فإذا هو ميت و لما سألت أمه قالت :
هذا ولدي مر بنا البارحة رجل لا جازاه الله خير قرأ آية فيها ذكر النار فلم يزل ابني يبكي و يضطرب حتي مات
فقال منصور : هكذا و الله صفة الخائفين يابن عمار
( يراجع كتاب التبصرة للإمام ابن الجوزي ص ٢٧ : ٤٥)
و قد أنبأني شيخي الأزهري النابه أن للتوبة ثلاثة شرائط
هي الندم و الإقلاع و الإعتذار
فحقيقة التوبة هي الندم علي ما سلف في الماضي و الإقلاع عنه في الحال و العزم علي أن ألا يعاوده في المستقبل و الثلاثة تجتمع في الوقت الذي تقع فيه التوبة فإنه في ذلك الوقت يندم و يُقلع و يعزم فحين إذٍ يرجع إلى العبودية التي خلق لها و هذا الرجوع هو حقيقة التوبة و لما كان متوقفاً علي تلك الثلاثة جُعلت شرائط له، و أن الندم لا تتحقق التوبة إلا به.
إذ من لم يندم علي القبيح فذلك دليل علي رضاه به و إصراره عليه و في المسند الندم توبة ( أخرجه البخارى و مسلم)
و أما الإقلاع فتستحيل التوبة مع مباشرة الذنب و أما الإعتذار فخلاصة القول فيه أنه إظهار الضعف و المسكنة
و أن ما وقع من ذنب ما كان عن استهانة بحق الله ولا جهلا به ولا إنكاراً لإطلاعه عليه ولا استهانة لوعيده و إنما كان من غلبة الهوي و ضعف القوة عن مقاومة مرض الشهوة و طمعاً في مغفرة غفار الذنوب و اتكالاً علي عفوه و حسن ظنٍ به و رجاء كرمه و طمعاً في سعة حلمه و رحمته إذ غره به الغرور و النفس الأمارة بالسوء و ستر الله تعالي المرخي عليه و أعانه عليه جهله و أنه لا سبيل إلي الإعتصام إلا به ولا معونة علي طاعته إلا بتوفيقه و هذا من تمام التوبة و هو سبيل الأكياس المتملقين لربهم عز وجل و الله يحب من عبده أن يتملق له
و في الحديث ” تملقوا لله ” و في الصحيح :
“لا أحد أحب إليه العذر من الله أخرجه احمد في مسنده والحاكم عن بن مسعود”
فالله يحب من عبده أن يعتذر إليه و أن يتنصل إليه من ذنبه
و في الحديث “من اعتذر إلى الله قبل عذره”
أخرجه البخاري و مسلم ‘
(يراجع كتاب مدارج السالكين للإمام ابن قيم الجوزية الجزء الأول ص ١٣٩ : ١٤٠)
فسبحان من وفق للتوبة أقواماً، ثبت لهم علي صراطها أقداماً، كفوا الأكف عن المحارم احتراما، فكفر عنهم ذنوباً و آثاما و نشر لهم بالثناء ما عملوا أعلاماً، فهم علي رياض المدائح بترك القبائح يتقلبون
كشف لهم سُجُف الدنيا فرأوا عيوبها و ألاح لهم الأخري فتلمحوا غيوبها و بادروا شمس الحياة يخافون غيوبها و أسبلوا من دموع الأجفان علي تلك الأشجان غروبها و استغلوا الطاعات فحصَّنوا مرغوبها و حثهم الإيمان علي الخوف فما يأمنون ، ندموا علي الذنوب فندبوا و سافروا إلي المطلوب فاغتربوا و سقوا غرس الخوف دمع الأسف و شربوا ، فإذا أقلقهم الحذر طاشوا و هربوا و إذا هب عليهم نسيم الرجاء عاشوا و طربوا ،
نظروا إلي الدنيا بعين الاعتبار فعلموا أنها لا تصلح للقرار و تأملوا أساسها فإذا هو علي شفا جُرفٍ هارٍ.
هجروا المنازل الأنيقة و فصموا عري الهوي الوثيقة و باعوا الفاني بالباقي و طلبوا الآخرة ،
أبدانهم قلقة و أجفانهم قد حالفت في الليل السهر و دموعهم تجري كما يجري دائمة المطر
فاللهم يا ربنا سِر بنا في سرب النجابة و وفقنا للتوبة و الإنابة و افتح لأدعيتنا أبواب الإجابة ، يا من إذا سأله المضطر أجابه ، يا من يقول للشيء كن فيكون
يا من بابه مفتوح للطالبين و جنابه مبذول للراغبين و فضله ينادي يا غافلين و إحسانه ينادي الجاهلين فاخرجوا من دائرة المذنبين و بادروا مبادرة التائبين و تعرضوا لنسمات الرحمة تخلصوا من كربكم و سارعوا إلى مغفرة من ربكم
و رحم الله عبداً اقترف فاعترف و وجل فعمل و حاذر فبادر و عَمّر فاعتبر و اجاب فأناب و راجع فتاب و تزود لرحيله و تأهب لسبيله.
هل ينتظر أهل غضاضة الشباب إلا الهرم و أهل بضاعة الصحة إلا السقم و أهل طول البقاء إلا مفاجأة الفناء و اقتراب الفوت و نزول الموت و حفز الأنين و عرق الجبين و عظم القلق و قبض الرمق.
جعلنا الله و اياكم ممن أفاق لنفسه و فاق بالتحفظ أبناء جنسه و أعد عدة تصلح لرمسه _ قبره _ و استدرك في يومه ما مضي من أمسه قبل ظهور العجائب و مشيب الذوائب و قدوم الغائب و زم الركائب ، إنه سميع الدعاء
فاللهم إنا نسألك مسألة المسكين و نبتهل إليك ابتهال الخاضع الذليل و ندعوك دعاء الخائف الضرير
سؤال من خضعت لك رقبته و رغم لك أنفه و فاضت لك عيناه و ذل لك قلبه إلا رحمتنا و تبت علينا توبة نصوحا و غفرت لنا ذنوبنا و أصلحت ذات بيننا و ألفت بين قلوبنا و رفعت عنا مقتك و غضبك و دفعت عنا الفتن و المحن ما ظهر منها و ما بطن و جمعت شملنا و وحدت كلمتنا و حشرتنا مع البشير النذير النبي العدنان الحاشر العاقب الذي ليس بعده نبي ، رسول المرحمة ، السراج المنير سيد ولد آدم ، صاحب الحوض المورود و اللواء المعقود و المقام المحمود
قائد الغُر المحجلين و سيد المجاهدين و مصباح الأمة و سراجها و أمينها و قرة عينيها اللهم أمين.

أسعد الله مساءكم
المستشار : عادل رفاعي 🌹♥️

Share Button

By ahram misr

رئيس مجلس ادارة جريدة اهــــرام مــصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *