Share Button

 

لقد كان لمصر العظيمة و لنيلها مجدٌ في الزمان مُؤَثّلٌ و قد كان لها في كل قطر من أقطار الأرض جلالٌ و روعةٌ و لكل قطر منها ظل جناح و نيلها ينساب بين مروجها الأفياح منصورة الجنات حالية الرُبا مطلولة السرحات و الأرواح
و لقد منحت مصر العالم كله سلاما لو امتزج بالسحاب و اختلط منه باللعاب لأصبحت تتهادي بقطره الأكاسرة و أمست تدّخر منه الرُهبان في الأديرة و لأغني ذات الحجاب عن الغالية و الملاب و لأبدع إذا جاء السيد بالرد
و في تلك الأثناء وُلِدَ موسي إبن عمران إبن قاهت إبن لاوي إبن يعقوب بمصر و نشأ فيها هو و أخوه هارون عليهما السلام و فيها أوحي الله إليهما و أنزل عليهما التوارة و الألواح
حوالي سنة ١٢٠٠ قبل الميلاد فعلت راية التوحيد و جابهت عبودية الفرعون علي ضفاف نهر النيل العظيم
و لقد وُلِدَ موسي في زمن رمسيس الثاني ” ١٢٢٠ حتي ١٢٩٠ قبل الميلاد
و كان خروجه في زمن الملك منفتاح ابن رمسيس الثاني من ١٢١١ إلي ١٢٢٣ قبل الميلاد
و في ذلك يقول الله تعالى
” إذهب أنت و أخوك بآياتي و لا تنيا في ذكري ، إذهبا إلي فرعون إنه طغي فقولا له قولا ليناً لعله يتذكر أو يخشي”
(طه ٤٢ و ٤٤)
و من طريف ما قرأت عن كليم الله موسي أن فرعون قد رأي رؤية أن مولودا يسلب مُلْكُه و يكون هلاكه علي يديه فأشار عليه وزراؤه بقتل كل الذكور حتي أنه قتل اثني عشر ألف طفل فَضَجّت الملائكة إلي ربها و قالوا :
إلهنا و خالقنا أنت الفعال لما يريد فبشرهم بموسي و حمْل أمه به و التي وضعته سرا و وجهه بالنور يتلألأ و هي مكروبة خائفة و لما خافت عليه وضعته بالتنور و لما دخل هامان و جنوده يفتشون الدار رأي التنور و العجين بجانبه فلم يشك في ذلك و لما عادت أم موسي و نظرت إلي التنور فوجدته يفور من النار و وجدت ابنها سالما إذ جعل الله عليه النار بردا و سلاما فكانت آية و أرضعته ،
و لما بلغ عمره تسعين يوما أوحي الله إليها أن تلقيه في اليم فصنعت له التابوت و أرضعته و كحلته و دهنته و وضعته في التابوت و رمته في بحر النيل نصف الليل و قد كان لفرعون بنت برصاء عجز الأطباء عن مداوتها فكانت تغتسل كل يوم بماء النيل فاتخذ خليجا من النيل إلي داره
فقذفت الأمواج التابوت بإذن الله حتي دخل إلي دار فرعون فتناولته ابنة فرعون و أخرجته بيدها و حين لمسته برئت من علتها فلما أهم فرعون بقتله قالت الملكة آسية :
“قرة عيني لي و لك لا تقتلوه عسي أن ينفعنا أو نتخذه ولدا”
و من عجائب موسي
١ أنه لما بلغ ثلاث سنين أقعده فرعون في حجره فمد موسي يده إلي لحية فرعون و نتف منها خصلة فاغتاظ فرعون غيظا شديدا و هم بقتله لولا الملكة آسية
أحضرت طِستا و جعلت فيه تمرة و جمرة و قدمته إلي موسي فلما هم أن يتناول التمرة حول جبريل يده إلي الجمرة فرفعها إلي فيه فاحترق لسانه و انخرط في بكاء شديد فسكن غيظ فرعون .
٢ لما أتم موسي سبع سنين كان قاعدا مع فرعون علي سريره فقرصه فرعون فنزل موسي من علي السرير غضباناً و ضرب برجله قوائم السرير فكسر منه قائمتين فسقط فرعون و تهشم أنفه و سال الدم علي وجهه و هم بقتله فقالت آسية الأ يسرك أن يكون لك ولد بهذه القوة يدفع عنك أعداءك فسكن غضبه .
٣ لما صار لموسي من العمر اثنتا عشر سنة قعد يوما علي المائدة و عليها جمل مشوي فقال له موسي قم بإذن الله فقام قائما علي المائدة ففزع فرعون فقالت له آسية الأ يسرك أن يكون لك ولد يأتي بمثل هذه العجائب فسكن غضبه .
٤ لما جمع فرعون السحرة لمنازلة موسي يوم الزينة و قال الله تعالى له “و ألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا”
فلما ألقي موسي عصاه صارت حية لها سبعة رؤوس فابتلعت جميع ما صنع السحرة من حبال و عصي و جميع زينة القوم فوقف فرعون و وزراؤه علي تل عالٍ لينظروا آخر ما تفعل الحية فأخذت الحية نحو القوم فَوَلَّوا هاربين فقال كبير السحرة و كان مكفوف البصر هل تجدون العصا منفوخة أم لا ؟
فقالوا علي حالها لم تتغير فقال لو كان فيها سحرٌ لانتفخت و قالوا إنا آمنا برب موسي و هارون ثم خروا سجدا لرب العالمين و كانوا سبعين رجلاً فأمر فرعون بقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف و أمر بصلبهم أجمعين .
“يراجع كتاب بدائع الزهور في وقائع الدهور للعلامة محمد بن أحمد بن اياس طبعة دار المنار ٢٠٠٣ من ص ١٣٧ حتي ص ١٤٢”
هذا و قد ثبُت أن شعاع التوحيد يتجدد في مصر و يسطع عند رمسيس الثالث الأكبر من ١١٦٠ إلي ١١٩٢ قبل الميلاد
و الذي قال عند احتدام القتال بينه و بين الوثنيين في معركة قادش “رأيت الله في المعركة كان أقرب إلىَّ من جنودي هو الذي نصرني”
هذا و لقد غدت شريعة السماء و عقيدة التوحيد _ اللتين عرفتهما مصر من فجر الإنسانية _ روحا سارية في الثقافة المصرية تُغالب “غبش الشرك و الوثنية”
عبر التاريخ المصري الطويل فتعكسها و تجسدها شهادة المصري يوم الحساب بين يدي الواحد الأحد كما جاء في “متون الاهرام”
(أنا لم أشرك بالإله
أنا لم أعق والدي
انا لم ألوث ماء النيل
أنا لم أصد الماء في موسم جريانه
و لم أقم سدا في مجراه
أنا لم أنقص القياس
و لم أطفف الميزان
أنا لم أطرد الماشية من مراعيها
أنا لم أتسبب في بكاء أحد
أنا لما أحرم إنسانا من حق له
أنا لم أختطف اللبن من فم الرضيع
أنا لم أطفئ شعلة في وقت الحاجة إليها
أنا لم أعترض علي إرادة الله )
حتي ليقول العلامة ابن كثير في كتابه البداية و النهاية محدثا عن مغالبة نقاء التوحيد لغبش الوثنية عند المصريين عبر تاريخهم الطويل : ” و أهل مصر و إن كانوا يعبدون أصناما إلا أنهم يعلمون أن الذي يغفر الذنوب و يآخذ بها هو الله وحده لا شريك له في ذلك”
(كتاب البداية و النهاية لابن كثير جزء ١ ص ٢٠٤)
و من عجائب الآيات التي نُصر بها موسي كليم الله و هو يبلغ دعوة التوحيد
١ ما ورد بقول الله تعالي :
“فأرسلنا عليهم الطوفان” فدام عليهم ثمانية أيام بلياليها فكانوا لا يرون شمسا و لا قمرا و امتلأت الدور و الأسواق بالماء فأخذت الأرض في الخراب فدعا فرعون موسي و سأله أن يدع لرفع الطوفان ففعل راجياً أن يؤمن فرعون فلما لم يؤمن
٢ أرسل الله عليهم الجراد فأكل أشجارهم و زرعهم و دام عليهم ثمانية أيام ففزعوا إلي فرعون فدعا موسي و قال إن صرفت الجراد نؤمن بك ففعل موسي فأرسل الله علي الجراد ريحا باردة فأهلكه عن آخره فلم يؤمن فرعون ولا قومه فأرسل الله عليهم القُمّل فأكل جميع ما في بيوتهم و جميع ما علي الأرض و وقع في ثيابهم فقرضها و قرض أبدانهم و شعورهم فضجوا إلي فرعون فدعا موسي و وعده بالإيمان فدعا موسي ربه فصرفه عنهم فلما لم يؤمنوا
٤ أرسل الله عليهم الضفادع تقع في طعامهم و قدورهم و بين ثيابهم و فروشهم برائحتها الكريهة و بقي ذلك ثمانية أيام فرجعوا إلي فرعون فدعا فرعون موسي فدعا ربه فكشف ذلك و صرفه عنهم و أرسل مطرا يجرها إلي البحر فلما لم يؤمنوا أوحي الله إلي موسي أن اضرب بعصاك النيل ففعل فصار دما عبيطا فاشتد بهم العطش حتي أشرفوا علي الهلاك فلما لم يؤمنوا قال موسي يا رب :
” إنك آتيت فرعون و ملأه زينة و أموالاً في الحياة الدنيا و كان الدعاء من موسي و التأمين من هارون فأوحي الله إليهما أني قد استجبت دعوتكما فاستقيما علي رسالتي فطمس الله علي كثير منهم فأصبح بعض من الرجال و النساء و الصبيان حجارة و كذلك أسواقهم و ما كان فيها هذا و قد ثبت أن عمر إبن عبد العزيز رضي الله عنه قال :
كان أول الآيات العصا و اليد البيضاء و الطوفان و الجراد و القُمَّلْ و الضفادع و الدم و الطمس و البحر حين صار يبسا
و في ذلك قول الله تعالى :
“و لقد آتينا موسي تسع آيات بينات”
هذا و قد رويَ أن جبريل لما أخبر موسي أن الله يخبره بالرحيل نادي في بني إسرائيل و أمرهم فارتحلوا فلما سمع فرعون ذلك اجتمعوا في عدد لا يحصي لكثرته و لحقوا بموسي فقال بنوا اسرائيل يا موسي أدركنا فرعون بجنوده
فقال موسي “كلا إن معي ربي سيهدين”
فأوحي الله إليه أن اضرب بعصاك البحر فضربه فكان كل فرق كالطود العظيم و صار فيه اثنا عشر طريقا للأسباط الاثنا عشر و جعلوا يسيرون و يري بعضهم بعضاً و موسي بين أيديهم و هارون من ورائهم حتي دخلوا البحر جميعهم فأقبل فرعون و وزراؤه و جنوده خلفه فنظروا إلي البحر و إلي تلك الطرق فحدثته نفسه في الدخول و لما هم بالدخول أبت فرسه ذلك و إذا بجبريل عليه السلام راكبٌ رمكة فدخل في إثره فرس فرعون طمعاً في الرمكة و لم يبقي أحد منهم علي الساحل فانطبق عليهم الماء و أخذت الطرقات ينضموا بعضها إلي بعض حتي انطبق عليهم فهلكوا كلهم و لم ينج منهم أحد و هلك فرعون و بقيت مصر العظيمة شامخة تتحدي الزمان و المكان و تلين عريكة الأحداث في الأيام و الليالي و تطل على الدنيا بحضارتها السامقة و علومها الجليلة .
“يراجع المصدر السابق من ص١٤٣ إلي ١٤٥”

و في ذلك يقول أمير الشعراء في أنشودته الرائعة كبار الحوادث في وادي النيل :

رب هذي عقولنا في صباها
نالها الخوفُ ، و استباها الرجاء
فعشقناك قبل أن تأتي الرسل
و قامت بحبك الأعضاء
و وصلنا السُّري ، فلولا ظلام الجهل
لم يخطنا إليك اهتداءُ
و اتخذنا الأسماء شتَّى فلما
جاء موسي انتهت لك الأسماءُ
حَجنَّا في الزمان سحراً بسحرٍ
و اطمأنت إلي العصا السعداءُ
و يريد الإله أن يُكرمَ العقلُ
و ألا تُحَقَّر الآراء
ظن فرعون أن موسي له وافٍ
و عند الكرام يرجي الوفاء
لم يكن في حسابِهِ يوم ربي
أن سيأتي ضد الجزاءِ الجزاءُ
فرأي الله أن يعق و لله
تَفِي _ لا لغيره _ الأنبياء
مصر موسي عند انتماء ، و موسي
مصر ان كان نسبةٌ و انتماء
فَبِهِ فخرُها المؤيدُ ، مهما
هز بالسيد الكليم اللواء
إن تكن قد جفته في ساعة الشك
فحظُ الكبير منها الجَفاء
خِلّةٌ للبلاد يَشقَي بها الناس
و تشقي الديار و الأبناء
فكبير ألا يصان كبير
و عظيمٌ أن يُنْبَذ العُظَماء

و هكذا كانت مصر و لما تزال عبر التاريخ ملاذ الأنبياء و ملجأ الفضلاء و كعبة الموحدين يحجون إليها آمنين طلبا للسلم يأوون إلي أحضانها و لقد حفظت مصر مكانتها لما انحرفت الدنيا و كانت تتخبط في دياجير ظلمها.

المستشار : عادل رفاعي 🌹❤️

Share Button

By ahram misr

رئيس مجلس ادارة جريدة اهــــرام مــصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *