Share Button

 

المروءة حقيقتها اتصاف النفس بصفات الإنسان التي فارق بها الحيوان البهيم و الشيطان الرجيم فهي خُلقٌ جليل و أدب رفيع و خُلّة كريمة و خصلة شريفة وأدب نفسٍ يحمل الإنسان علي الوقوف عند محاسن الأخلاق و جميل العادات و هي صدق اللسان و احتمال العثرات و بذل المعروف و كف الأذي و كمال الرجولة و صيانة النفس وطلاقة في الوجه.
و هي اتصاف النفس بصفات الكمال الإنساني و هي من خصال الرجولة، فمن كانت رجولته كاملة كانت مروءته حاضرة، و هي ترتكز علي ركيزتين.
أولها علو الهمة و ثانيها شرف النفس.
و غني عن البيان أن في النفس ثلاثة دواعٍ متجاذبة :

١- داعٍ يدعوها إلي الإتصاف بأخلاق الشيطان، كالكبر و الحسد و العلو و البغي و الشر و الأذي و الفساد و الغش
٢- و داعٍ يدعوها إلي أخلاق الحيوان و هو داعي الشهوة
٣- و داعٍ يدعوها إلي أخلاق الملائكة من الإحسان و النُصح و البر و العلم و الطاعة
فحقيقة المروءة بغض الداعيين الأولين و إجابة الثالث و هي تحصيل كل فضيلة و نبذ كل رذيلة
و قلة المروءة و عدمها هو الإسترسال مع الداعيين المشار إليهما و التوجه لدعوتهما أيَّنْ كانت
و قال الفيومي: المروءة أداب نفسانية تحمل مراعاتها الإنسان علي الوقوف عند محاسن الأخلاق و جميل العادات.
و قال البعض إنها غلبة العقل للشهوة.
و قال الفقهاء: هي استعمال ما يُجَمِّل العبد و يزينه و ترك ما يدنسه و يُشينه
و قيل : أن المروءة استعمال كل خُلق حسن و اجتناب كل خُلق قبيح، و حقيقتها تجنب الدنايا و الرذائل من الأخلاق و الأقوال و الأعمال
١- فمروءة اللسان حلاوته و طيبه و لينه و اجتناء الثمار منه بسهولة و يُسر
٢- مروءة الخُلق: سعته و بسطه للحبيب و البغيض
٣- مروءة المال: ببذله في مواقعه المحمودة عقلاً و عُرفاً و شرعاً
٤- مروءة الجاه: ببذله للمحتاج إليه
٥- مروءة الإحسان: تعجيله و تيسيره و توفيره و عدم رؤيته حال وقوعه و نسيانه بعد وقوعه، فهذه مروءة البذل
و أما مروءة الترك فترك الخصام و المعاتبة و المطالبة و المماراة و الإغضاء عن عيب ما يأخذه من حقك، و ترك الاستقصاء في طلبك و التغافل عن عثرات الناس و اشعارهم أنك لا تعلم لاحد منهم عثرة و التوقير للكبير و حفظ حرمة النظير و رعاية أدب الصغير و هي علي ثلاث درجات:
الأولي – مروءة المرء مع نفسه و هي أن يحملها قسرا علي ما يُجْمُّل و يزين و ترك ما يُدنِّس و يُشين ليصير لها مَلَكَة في العلانية، فمن أراد شيئا في سره و خلوته ملكه في جهره و علانيته فلا يكشف عورته في الخلوة ولا يتشجأ بصوت مزعج ولا يخرج الريح بصوت ولا يجشع و يَنَّهم عند أكله وحده
و الدرجة الثانية: المروءة مع الخلق بأن يستعمل معهم شروط الأدب و الحياء و الخُلق الجميل ولا يظهر لهم ما يكرهه هو من غيره لنفسه وليتخذ الناس مرآة لنفسه ، فكل ما كرهه و نفر عنه من قول أو فعل أو خلق فليتجنبه و ما أحبه من ذلك و استحسنه فليفعله، و من الجدير بالذكر أن صاحب هذه البصيرة ينتفع بكل من خالطه و صاحبه من كامل و ناقص و سيء الخلق و حسنه و عديم المروءة و غزيرها و كثير من الناس يتعلم المروءة و مكارم الأخلاق من الموصوفين بأضدادها
و لقد رافقني سائقٌ زمناً طويلاً فاكتشفت أنه كان لصاً خائناً، قليل المساعفة، عظيم المخالفة، كارهاً للمساعدة، لئيم الأصل و الطبع، كاذب اللهجة، دنيء الطباع، شحيح النفس، حاسداً حقودا، لا يملئ عينيه إلا التراب، مهما أغدقت عليه فإنه جاحدٌ مُتَسخِّط، غير راضٍ بقسمته ولا بقضائه، لا يرضيه البتة إلا زوال النعمة، استبقيته زمناً حتي أتعلم من طباعه السيئة ضدها،
فلما زاد قبحه طردته شر طردة و فوضت الأمر فيه إلي الله و كتمت أمره و لم أذعه علي الناس من باب المروءة فهو نموذج للخسة و النذالة، لم يعرف يوماً معني المروءة، و نظر إلي الصفات السامية من بذلٍ و عطاءٍ و مروءة علي أنها غفلةٌ و حماقة، ذلك أن كل الصفات السامية متي نزلت إلي الدهماء و هذا الهمج الهامج في إنسانية الحياة نحلوها أسماءً من طباعهم، فالفضيلة عندهم غفلة و السمو كبرياء و الصبر بلادة و الأنفة حماقة و الروحانية و المروءة ضعف و العفة خيبة

” يراجع كتاب أوراق الورد للأديب مصطفي صادق الرافعي ص٢٥٧”

و عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(إن لله تعالي عباداً لا يكلمهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم، قيل له : من أولئك يا رسول الله ؟
قال : متبرئ من والديه، راغب عنهما
و متبرئ من ولده
و رجل أنعم عليه قومٌ فكفر نعمتهم و تبرأ منهم)
“رواه احمد ١٥٢٠٩”.
(و عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
إن لله تعالى أقواماً يختصهم بالنعم لمنافع العباد يُقرها فيهم ما بذلوها فإذا منعوها نزعها منهم فحولها إلي غيرهم)
“صحيح الجامع ٢١٦٤”.
و من أعظم تجليات المروءة ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبايا طيء لما علم أن بينهم سُفانة بنت حاتم الطائي حين أطلق سراحها و قومها لما قالت: هلك الولد و غاب الرافد فإن رأيت أن تُخلي عني ولا تُشمِت بيّ الأعداء من قبائل العرب فإني ابنة سيد قومه و إن أبي كان يحب مكارم الأخلاق و كان يطعم الجائع و يفك العاني و يكسو العاري و ما آتاه طالب حاجة إلا و رده بها مكرماً، فابتسم النبي العظيم صلي الله عليه وسلم و قال :
إنما هي صفات المؤمنين، أطلقوها كرامة لأبيها، إنه كان يحب مكارم الأخلاق
فقالت : أنا و من معي من قومي من السبايا و الأَسري ؟
فقال النبي العظيم صلى الله عليه وسلم :
أطلقوها و من معها كرامة لها و لأبيها
ثم قال صلي الله عليه وسلم
ارحموا ثلاثاً و حق لهم أن يرحموا
عزيزا ذُل من بعد عزه
و غنيا افقتر من بعد غناه
و عالماً ضاع بين الجُّهَال.
و قد ثبت أن النبي صلي الله عليه وسلم قال:
لو كان المطعم بن جبير حياً و استشفع في الأسري لاطلقتهم جميعا من أجله و كان المطعم قد أجار النبي صلى الله عليه وسلم يوم الطائف حين حاول كفار قريش منعه من دخول مكة.
فالله درك أيها النبي العظيم علمتنا كيف تكون المروءة

و غني عن البيان أن الدرجة الثالثة هي المروءة مع الحق سبحانه و تعالي بالاستحياء من نظره إليك و اطلاعه عليك في كل لحظة و نفس و اصلاح عيوب نفسك جهد الإمكان
فإنه قد اشتراها منك و أنت ساعٍ في تسليم المبيع و تقاضي الثمن و ليس من المروءة تسليمه علي ما فيه من عيوب و تقاضي الثمن كاملاً أو رؤية مِنّته في هذا الإصلاح و أنه هو المتولي له لا أنت، فيغنيك الحياء منه عن رسوم الطبيعة و الاشتغال بإصلاح عيوب نفسك عن التفاتك إلي عيب غيرك و شهود الحقيقة عن رؤية فعلك و صلاحك.
” يراجع كتاب مدارج السالكين لابن القيم الجزء الثاني ص٨٧ : ٨٩

فاللهم اجعلنا ممن صدقوا في المحبة و الولاء و بذلوا المال و مالوا إلي السخاء و طرقوا باب الفضل و المروءة بأنامل الرجاء، يُنفقون في السراء و الضراء، تلمحوا وعد الصادق بجزيل العطاء و تأهبوا للحضور يوم اللقاء و قدموا الأموال ثقة بالجزاء و أناخوا بباب الطبيب طلباً للشفاء و صبروا علي نزول البلاء و قاموا في دياجي الظلماء يشكرون علي سوابغ النعماء فجرت جفونهم جريان الماء فأربحهم في المعاملة رب السماء، تالله لقد شغلهم حبه عن الآباء و الأبناء و لقد استعملوا المروءة و إيثار المساكين و الفقراء.
فاللهم يا مقدر الاقدار و نافذ القضاء و قابل الرجاء و مجيب الدعاء أبدل ما كُتِب علينا من أيام محن و بلاء بأيام مِنن و عطاء و اجعل خاتمة ما بقي من أعمالنا خيراً مما انقضي منها و قدّر لنا من الأرزاق أوسعها و من العافية أكملها
و صل اللهم و سلم و بارك علي سيدنا محمد و آله و صحبه صلاة تفرج بها كل كرب فادح و تكون ذخراً للمعاد عظيما و ننال بها عزاً في الحياة مقيما و ترفع بها اقدارنا و تقضي بها حوائجنا و تحسن بها أخلاقنا و تدفع بها عنا غوائل الدهر و تكون زادنا و ركابنا إلي فراديس الجنان بصحبة النبي العدنان ما هبت النسائم و ما ناحت علي الأيك الحمائم

المستشار : عادل رفاعي 🌹❤️

Share Button

By ahram misr

رئيس مجلس ادارة جريدة اهــــرام مــصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *