Share Button
بقلم:

رافع آدم الهاشميّ

………

حينَ نولَدُ على هذهِ الأَرضِ، فإِنَّنا نكونُ مُجبرينَ لا مُخيَّرينَ..

– فمَن مِنَّا اِختارَ والديهِ؟!

– وَ مَن مِنَّا اِختارَ مكانَ وِلادتهِ؟!

– وَ مَن مِنَّا اِختارَ اِسمَهُ الّذي يُناديهِ بهِ الآخَرونَ مُنذُ لحظةِ الوِلادَة؟!

– وَ مَن مِنَّا اِختارَ أَصلَهُ وَ نسَبَهُ وَ أَقاربَهُ؟!

– وَ مَن مِنَّا اِختارَ الثديينِ الّذينِ يُرضِعانهِ مِن اِمرأَةٍ يُفتَرَضُ بها أَن تكونَ لَهُ أُمَّاً؟!

مُنذُ وُلِدنا وَ نحنُ مُحاطونَ بقيودٍ تُجبرُنا على الرضوخِ إِليها كَرهاً لا طواعيَّةً! حَتَّى المعلوماتَ الّتي كُنَّا نُغذِّي بها عقولَنا مُنذ لحظةِ الوِلادَةِ، كُنَّا مَجبرينَ عليها؛ إِذ أَنَّ الْمُجتمَعَ الّذي وُلِدنا فيهِ قسراً، هُوَ الّذي يختارُ لنا تلكَ المعلوماتَ، وَ هُوَ الّذي يتحكَّمُ فينا تحكُّماً جبريَّاً يجعلُنا لا نُبصِرُ شيئاً مِنَ الحياةِ سِواهُ، وَ إِذا حاولنا يوماً أَن نبحثَ عَنِ الحَقيقةِ، انتفضَ مُجتَمَعُنا ذاكَ اِنتفاضَ الْمُفتَرِسِ الْجَريحِ؛ لينقضَّ علينا اِنقِضاضاً صارِخاً؛ لنرى أَنفُسَنا أَمامَهُ بينَ أَمرينِ اِثنينِ لا ثالثَ لَهُما مُطلَقاً: إِمَّا أَن ننصاعَ لأَمرهِ انصياعَ العَبدِ الذليلِ لأَسيادهِ الْجَبابرةِ الْطُغاةِ الظالمينَ، بأَن نرى ما يُريدَنا أَن نراهُ فقَط، وَ هُوَ أَنَّ الحقَّ معَهُ هُوَ دُونَ غيرهِ مِنَ البشرِ أَيَّاً كانوا، وَ إِمَّا أَن نتعرَّضَ للاضطِهادِ وَ الترهيبِ وَ التنكيلِ وَ التشريدِ وَ القتلِ الْمُتَعَمَّدِ معَ سَبقِ الإِصرارِ مِنهُ وَ الترصُّدِ!

الأَمرُ الّذي يجعلُنا نشعرُ بخيبةِ الأَملِ، وَ يُذيقُنا مَرارَةَ الأَلَمِ إِلى أَقصى درجاتهِ، حينَ نكتشِفُ أَنَّ الّذينَ أَحببناهُم بصدقٍ وَ ظَنَنَّا أَنَّهُم يحبوننا أَيضاً، هُم الّذينَ يضطهِدوننا! هُم الّذينَ يُرهِبوننا! هُم الّذينَ يُنَكِّلونَ بنا! هُم الّذينَ يُجبروننا على أَن نكونَ مُشرَّدين! هُم الّذينَ يُريدونَ قَتلَنا معَ سبقِ الإِصرارِ وَ الترصُّدِ، رَغُمَ أَنَّ الّذي بيننا وَ بينهم صِلَةُ رَحِمٍ، أَو هكذا يُفترَضُ أَن يكونَ!

قبلَ أَن أُولدَ في بغدادَ، وَ لَيتني لَم أَكُن قَد وَلِدتُ فيها، بل لَيتني لَم أَكُن قَد أَتيتُ إِلى هذهِ الدُّنيا مُطلَقاً، قبلَ وِلادتي بدقائقٍ قليلةٍ جدَّاً، كانتِ المرأَةُ الّتي حملَتني ببطنِها هيَ الّتي تُريدُ قتليَ! هيَ الّتي تُريدُ مِنَ الطَبيبةِ الْمُختصَّةِ آنذاكَ أَن تُجهِضَها لتشتري ثمناً قليلاً مُقابلَ قتليَ! وَ شاءَت إِرادَةُ اللهِ أَن أُولدَ، رَغمَ أَنَّ الطَبيبةَ تلكَ قَد وافَقَت والدَتي على قتلي أَيضاً، إِلَّا والدي هُوَ الّذي أَصرَّ إِصراراً على منعهِما اِرتكابَ جريمةَ القتلِ تلك! فجئتُ إِلى الدُّنيا بيدينِ مشلولتينِ تماماً؛ لأُعانيَ مُنذُ لحظةِ ولادتي أَشدَّ الآلامِ قسوةً يُعانيها طِفلٌ صغيرٌ على مدى شهرينِ مُتتالينِ مِن لحظةِ ولادتهِ! حتَّى شاءَ اللهُ أَن يُعجِزَ خَلقَهُ جميعاً، وَ يُثبتُ للعالَمِ أَجمعٍ أَنَّ إِرادتهُ هُوَ عَزَّ وَ جَلَّ فوقَ إِرادةِ الجميعِ، حيثُ أَعادَ إِليَّ يديَّ بلمحِ البصرِ وَ هُما تنعُمانِ بالْمُعافاةِ تماماً، بعدما كانتا عاجزتينِ عنِ الحركةِ برمُتهِما، وَ قَد حدثتِ الْمُعجزَةُ الإِلهيَّةُ هذهِ أَمامَ مئاتٍ مِنَ الشهودِ وَ العَيانِ.

مُنذُ تلكَ الْمُعجزِةِ، وَ قَد اِزدادَت مُعاناتيَ أَكثرَ فأَكثرَ بكثيرٍ، في بلدِ الشِقاقِ وَ النِّفاقِ وَ مساوئ الأَخلاقِ، في العراقِ الّذي لَم أَجِد فيهِ إِلَّا قلَّةً قليلةً جدَّاً مِمَّن هُم مَغلبونَ على أَمرِهِم، ما بينَ مؤمنٍ وَ مؤمنةٍ ضِعافٍ، وَ ما بينَ غافلٍ وَ غافلةٍ نيامٍ! ليقُدِّرَ اللهُ ليَ أَن تكونَ خالتي (حليمة) هيَ أُمِّيَ الّتي أَرضعتني مِن ثدييها الطاهرتينِ، وَ هيَ الّتي غذَّتني وَ رَعتني وَ ربَّتني، لتبقى والدتي (خديجة) مُجرَّدَ حاضِنةٍ ليسَ إِلَّا! لكن! أَيُّ حاضِنة هذهِ؟!

هيَ كغيرِها مِن نسبةٍ غيرِ قليلةٍ في العراق، ساهمَت باضطهاديَ وَ السعي الحثيثِ إِلى قتليَ، لِمُجرَّدِ أَنَّني قررتُ الاختيارَ، اختيارَ اللهَ معبوداً لي وَ ليسَ أَحداً مِنَ البشرِ أَيَّاً كانَ، حتَّى وَ لو كانَ مِن أَصحاب العَمائمِ وَ اللحى الطويلةِ العَريضةِ! لأَنَّني اخترتُ فطرتي الإِنسانيَّةَ السَّليمةَ الّتي فطرني اللهُ تعالى عليها، فجعلَني وَ كُلَّ البشرِ سواسيةً كأَسنانِ المشطِ، لا فَضلَ لأَحَدٍ فينا على آخَرٍ إِلَّا بتقوى الله، يكَمِّلُ أَحدُنا الآخَرَ، فنكونُ كالبُنيانِ المرصوصِ يشدُّ بعضُنا بعضاً، لِمُجرَّدِ أَنَّني أَعلنتُ نتائجَ بحثيَ عنِ الحقيقةِ، لِمُجرَّدِ أَنَّني اكتشَفتُ خِداعَ ذلكَ الْمُجتمعِ لي وَ للجميعِ قاطبةً دُونَ استثناءٍ، بأَن جعلَ الغالبيَّةَ طوائِفاً وَ أَحزاباً، بأَن صيَّرَهُم مُسيَّرونَ وراءَ ذو عِمَّةٍ (عَمامةٍ) أَيَّاً كانَ صاحِبُ العَمامةِ هذهِ، إِن قالَ، قالوا مَعَهُ أَيضاً، وَ إِن صَمَتَ، صَمَتوا مَعَهُ أَيضاً، دُونَ مُراعاةٍ للفِطرةِ الإِنسانيَّةٍ السَّليمةِ قَطّ!

ما أَن أَعلنتُ فيهِم نتائجَ بحثيَ عَنِ الحقيقةِ قائلاً ما قالَهُ جدِّيَ الْمُصطفى الحَبيبُ رسولُ اللهِ (عليهِ السَّلامُ وَ روحي لَهُ الفِداءُ):

– “لا ترجِعوا بَعديَ كُفَّاراً يَضرِبُ بعضُكُم رِقابَ بَعضٍ”.

– “أَلا أُخبرُكُم بالمؤمنِ؟ مَن أَمِنهُ النَّاسُ على أَموالِهم وَ أَنفُسِهم، وَ الْمُسلِمُ مَن سَلِمَ النَّاسُ مِن لسانهِ وَ يَدهِ، وَ الْمُجاهِدُ مَن جاهَدَ نفسَهُ في طاعةِ اللهِ، وَ الْمُهاجِرُ مَن هَجرَ الخطايا وَ الذَّنوب”.

ما أَن أَعلنتُ فيهِم هذهِ الحقيقةَ ناصعةَ الجَبينِ، حتَّى بدأَت مرحلةُ مُعاناتيَ تزدادُ شِدَّةً يوماً تلوَ الآخَرِ، وَ ساعةً بعدَ أُخرى، وَ لحظةً إِثرَ أُختِها، حتَّى اضطررتُ مُجبراً أَن أُهاجِرَ هجرةً أَبديَّةً إِلى سوريَّةَ الحَبيبةَ الّتي هيَ إِحدى مواطنِ أَجداديَ الأَطهارِ (عليهمُ السَّلامُ جميعاً وَ روحي لَهُم الفِداءُ)، لتحتضِنني دمشقُ بينَ ثناياها الطاهرة..

– حقَّاً إِنَّنا أُجبـِرنا على ما أُجبـِرنا عليهِ لحظةَ وِلادتِنا، لكنَّنا حينَ أَصبَحنا بالِغينَ نعي الأَشياءَ، صارَ واجباً علينا الاختيارُ، أَن نختارَ الحقَّ وَ الحقيقةَ بعينهِما، وَ لا شيءَ غيرَ الحقِّ وَ الحقيقةِ مُطلَقاً..

– صارَ واجباً علينا أَن نختارَ اللهَ، وَ لا نختارَ غيرَ اللهِ مُطلَقاً؛ لأَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ وَ هُوَ الحَقيقةُ، وَ ما دُونَ اللهِ وَهمٌ زائلٌ ليسَ إِلَّا، إِن لَم يَكُن على صِلةٍ بالحَقِّ وَ الحَقيقةِ اللّذانِ هُما اللهُ الإِلهُ الخاِلقُ الطاهِرُ الْمُنَزَّهُ عَن كُلِّ نقصٍ وَ عَيبٍ.

ما زادَني أَلماً، أَن أَكتشِفَ أَنَّ الأَقرباءَ جُلُّهُم مِمَّن انصاعوا لأَوامرِ ذلكَ الْمُجتمعِ الآمرِ الناهي، ضاربينَ عرضَ الحائطِ كُلَّ أَوامرِ وَ وصايا جَدِّيَ الْمُصطفى الصادقِ الأَمينِ (صلَّى اللهُ عليهِ وَ على آلهِ الأَطهارِ وَ صحبهِ الأَخيارِ، وَ عليهِ وَ عليهِم السَّلامُ جميعاً، وَ روحي لَهُ وَ لَهُم الفِداءُ)، وَ الأَكثرُ أَلماً أَنَّ مِن بينِ الْمُنصاعينَ هؤلاءِ هي والدتي، الّتي لا زالَت تُطارِدُني حتَّى السَّاعَةَ بكُلِّ ما أُوتيَت مِن مَكرٍ وَ خُبثٍ وَ نِفاقٍ؛ تحاوِلُ بذلكَ قتليَ، لتتقرَّبَ بي قُرباناً بخساً لمعبودِها البشريِّ الفاني! دُونَ أَن تكتفي باغتصابها كُلَّ حُقوقيَ وَ استحقاقاتيَ الّتي تزيدُ أَقيامُها الماديَّةُ عَن بضعِ ملايينٍ مِنَ الدولاراتِ!

وَ رَغمَ أَنَّني أَمتلِكُ كُلَّ الوثائقِ القانونيَّةِ وَ الشرعيَّةِ وَ العُرفيَّةِ الّتي تُمكِنُني من استرجاعِ حقوقيَ وَ استحقاقاتيَ تلكَ بالطُرقِ القانونيَّةِ الأَصيلةِ، بكُلِّ شفّافيَّةٍ وَ وضوحٍ، إِلَّا أَنَّني اِخترتُ أَن أُفوِّضَ أَمريَ إِلى اللهِ فيها وَ في أَعوانها الظَلَمةِ جميعاً؛ انصياعاً منِّي للآيةِ الشَّريفةِ الّتي تقولُ:

– {وَ بالوَالِدَينِ إِحسَاناً}.

[القُرآن الكريم: سورة البقرة/ من الآية (83)، وَ: سورة النِّساء/ من الآية (36)، وَ: سورة الأَنعام/ من الآية (151)، وَ: سورة الإِسراء/ من الآية (23)]

إِذ لو سلكتُ طريقَ القانونِ لاسترجاعِ حقوقيَ وَ استحقاقاتيَ، لكانتِ النتيجةُ الحتميةُ المؤكَّدةُ هُوَ إِعدامُها أَو سَجنُها كأَدنى عُقوبةٍ لها؛ بتُهَمٍ مؤكَّدةٍ عَديدةٍ لا محالة، منها (على سبيلِ المثالِ الواقعيّ لا الحصر): السرقةُ وَ التزويرُ وَ خيانةُ الأَمانةِ وَ التغريرُ بالآخَرينَ وَ قتلُ الأَنفسِ البشريَّةِ أَيضاً.

– فَهل يوَجَدُ إِحسانٌ مِنِّي تجاهَ والدتي أَكثرَ مِن هذا الإِحسانِ حَيثُ أَجبرتُ نفسيَ وَ عائلتي على العَوزِ وَ الحرمانِ وَ الغُربةِ وَ الاغترابِ وَ تركتُ حسابَها على اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ بكُلِّ تاريخها وَ حاضرِها الأَسودِ اللعينِ قائلاً فيها وَ في كُلِّ أَعوانها الظالمينَ وَ الظالماتِ: حَسبيَ اللهُ وَ نِعمَ الوكيلِ، {أُفَوِّضُ أَمرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}؟!

ما زادَني أَلماً أَكثر، أَن أَكتشِفَ أَنَّ الكثيرينَ في كُلِّ الْمُجتمَعاتِ قاطبةً دُونَ استثناءٍ، كوالدتي تماماً، يعيثونَ في الأَرضِ فساداً وَ إِفساداً؛ بانصياعِهم الأَعمى لمعبودهِم البشريِّ الفاني أُسوةً بفنائهِم لا محالة، لأُعانيَ الاضطِهادَ مُجَدَّداً وَ بشكلٍ مُستمرٍّ، إِنَّما: على أَيدي آخَرين، وَ في أَزمنةٍ وَ أَماكنٍ أُخرى!

في جُعبتي الكثيرُ مِنَ الوقائعِ الممتلئةِ بالكثيرِ مِنَ الحقائقِ وَ الخفايا وَ الأَسرار، كما في قلبيَ الكثيرُ مِنَ الآلامِ وَ الجِراح، مِمَّا لا أَزالُ أَحتفِظُ بهِ دُون أَن أَبوحَ بشيءٍ منهُ حتَّى يومِنا هذا، آهاتٌ كثيرةٌ تنتفِضُ بداخلي، وَ صرخةٌ كُبرى متوقِّدَةٌ في بُركانٍ خامدٍ يوشِكُ على الانفجارِ، إِلَّا أَنَّني اتِّخذتُ قراراً لا رجعةَ لي عنهُ أَبداً، ليسَ هُوَ الانعِزالُ، إِذ أَنَّ الانعزالَ يعني الابتعادَ كُليَّاً عنِ البشرِ قاطبةً طلباً للراحةِ منهُم، بل: هُوَ الاعتكافُ، الّذي هُوَ الاعتزالُ لا الانعزالُ، وَ الّذي هُوَ لغايةٍ أَسمى، وَ أَجَلَّ وَ أَنبلَ، رُغمَ أَنَّني عانيتُ الكثيرَ مِنَ الصَدماتِ وَ الخَيباتِ في الكثيرين مِمَّن عاشرتُهم في حياتي، بعدَ أَن وجدتُ الكَذِبَ وَ الغدرَ وَ الخيانةَ في كُلِّ سلوكٍ مِن سلوكيِّاتِ تعامُلهِم معي وَ معَ الآخَرينَ أَمثالي، لِمُجرَّدِ أَنَّني وَ أَمثاليَ صادقونَ حتَّى النُخاع! لِمُجرَّدِ أَنَّني وَ أَمثاليَ اخترنا عبادةَ الله، لا عبوديَّةَ مَخلوقٍ مِن مخلوقاتِ الإِله الخالق الحَقّ.

– فَهل جزاءُ صدقيَ مَعُهم أَن أُلاقيَ مِنهُم الخِداعَ تلوَ الخِداع؟!!

لأَجلِ هذا بدأَتُ اعتكافِيَ بتاريخ (4/1/2020م)، هُوَ اعتِكافٌ قَد يدومُ لأَشهرٍ طويلةٍ جدَّاً، وَ رُبَّما يستمرُّ لسنواتٍ عديدةٍ لا يعلَمُ عددُها إِلَّا اللهُ، وَ لعلَّهُ يدومُ حتَّى آخِرَ رمقٍ في حياتي، مِمَّا جعلَني أَقولُ مُردِّداً دُونَ انقِطاعٍ:

الاعتِكافُ أَحسَنُ خُطوَةٍ وَ أَفضَلُ قَرارٍ، لِمَن كانَ يَرجو اللهَ وَ اليومَ الآخَرَ؛ فَنحنُ نموتُ في أُمَّةٍ أَغلبُها مِسخٌ لا يستحِقُّ مِنَّا أَدنى التضحيةِ وَ الإِيثارِ بالنَّفسِ، وَ لا حتَّى النُّصحَ وَ الإِرشادَ أَوِ البوحَ بالخفايا وَ الحَقائقِ وَ الأَسرارِ وَ ما وراءَ الوراء؛ فأَحدُهُم ما بينَ جاحِدٍ وَ حاقِدٍ وَ حاسِدٍ، وَ آخرُهُم آكِلٌ للسُحتِ مُتواكِلٌ عَليهِ، أَو هُوَ مُنافِقٌ أَفَّاقٌ؛ يَكذِبُ وَ يَغدِرُ وَ يَخونُ، فَهُم متأَسلِمونَ لا مُسلِمونَ، الدِّينُ لَعِقٌ على أَلسنتِهِم جُزافاً، دينُهُم دنانيرُهُم، وَ قِبلتُهُم ما تحتَ طيِّ العَكنتينِ، يعبدونَ كهنتَهُم سُفهاءَ الدِّينِ وَ أَدعيائهِ الشياطين، وَ يسعونَ سعياً حَثيثاً لإِرضاءِ بطونهِم وَ فروجهِم على حَدٍّ سواءٍ، لا يؤمِنونَ بيومٍ تَشخَصُ فيهِ الأَبصارُ، وَ يَدَّعونَ الإِيمانَ زوراً وَ بُهتاناً وَ تجارةً بالله، لذا: فإِنَّ الصمتَ سِلاحٌ ضارِبٌ، يُعاني مِنهُ الْمُنافِقونَ بمَن فيهِمُ الأَقارِبُ العَقارِبُ.

وَ لا يزالُ لسانيَ وَ قلبيَ يُردِّدانِ معاً في قنوتيَ وَ سجوديَ بصلاةِ الليلِ وَ أَنا خاشِعٌ أَمامَ اللهِ وَ النَّاسُ مِن حوليَ نيامٌ:

– اللهُمَّ احفَظ وَ بارِك جَميعَ المؤمنينَ وَ المؤمناتِ، وَ اهدِ الغافلينَ عنكَ وَ الغافلاتِ إِلى سَبيلِ الرشادِ، وَ انتَقِم أَشَدَّ الاِنتِقامِ سريعاً عاجِلاً مِن كُلِّ الْمُنافقينَ وَ الْمُنافِقاتِ وَ الكافرينَ وَ الكافِراتِ، وَ اضِرب الظالمينَ بالظالمينَ وَ الظالِماتَ بالظالِماتِ، وَ أَخرِجنا مِنها نحنُ الْمُوحِّدونَ وَ الموحِّداتُ سالمينَ وَ سالِماتٍ، وَ عَجِّل لوليكَ الفَرجَ؛ ليعلَمَ الّذينَ ظَلموا أَيَّ مُنقَلبٍ يَنقلبونَ، يا قُدُّوسٌ سُبُّوحٌ، يا ذا الجَلالِ وَ الإِكرامِ.

إِن كُنت أَنت مِنَ الواثقينَ أَنَّك مِن المؤمنين، فلتكتُب يدُك في تعليقٍ أَسفلَ هذا المنشورِ كلمةَ (آمين)، وَ إِلَّا: فدُعائيَ إِلى اللهِ شاِهدٌ على ما في نفسك مِمَّا لا يخفى عنِ اللهِ لا محالة، {فَوَقَعَ الْحَقُّ وَ بَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَ انقَلَبُوا صَاغِرِينَ}.

[القُرآن الكريم: سورة الأَعراف/ الآيتان (118 و119)].

…….

(20/1/2020)

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *