Share Button

بقلم / محمــــد الدكـــرورى

إن الغضب ريح تهب على سراج العقل فتطفئه، ونار تشتعل في القلب فتحرقه، ومرض يستشري في البدن فيتسلط على عروقه ومفاصله فيهلكه ، وإن زيادة أمراض الضغط والسكر والغدة الدرقية لدى كثير من الناس اليوم لأثر من آثار هذا الخلق الذميم ، وكبت الغضب من صفات المؤمنين العالية، التي امتدحهم الله سبحانه وتعالى .

والغضب من الصفات التي يندر أن يسلم منها أحد، بل تركه بالكلية صفة نقص لا صفة كمال، ولكن إذا اشتدَّ الغضب ربما يُنسي الإنسان نفسه فينتهك الحرمات، وينسف ما حصَّله من الحسنات، و يجلب على نفسه المصائب والجنايات، وكثير من الناس لا يعرف لماذا يغضب .

وسرعة الغضب آفة خطيرة يفقد المرء فيها السيطرة على نفسه، وربما اعتدى على غيره بلسانه أو بيده، فيندم بعد ذلك، ويعتذر لما بدر منه تجاه غيره، وكان في غنى عن ذلك بتحكمه في انفعال الغضب ، والغضب ثورة دموية تغلي غليانا شديدا في مراجل الصدر، وترتفع بها حرارة الجسم، وربما تُحدث أشياء غير متوازنة في قول أو فعل.

وسرعة الغضب رذيلة شريرة ، إذا استشرت في مجتمع قوضت بنيانه، وهدمت أركانه، وأصبح المجتمع في بلاء جسيم ، وقيل أن الرجل الذى جاء للنبى الكريم صلى الله عليه وسلم قال: قلت: يا رسول الله، دُلَّني على عملٍ يدخلني الجنة ويُباعِدني من النار، ولا تُكثِر عليَّ ، فقال له النبى الكريم صلى الله عليه وسلم : ” لا تغضب ” .

وإن وصية النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل ليست له وحده، بل هي لكل مَن يأتي بعده إلى يوم القيامة، فجدير بكل مسلم التخلُّق بخُلُق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وأن يَعقِل ما يقول ويتفهم معناه، ومما لا شك فيه أن صفة الغضب مذمومة؛ لما يترتب على وجودها من جلب الشر وعدم إدراك الخير .

لأن الغضب هو: غليان دم القلب طلبا لدفع المؤذي عنه ، خشية وقوعه، أو طلبا للانتقام ممن حصل منه الأذى بعد وقوعه، وينشأ عن ذلك كثير من الأفعال المُحرمة ، كالقتل والضرب وأنواع الظلم والعدوان، وكثير من الأقوال المُحرمة ، كالقذف، والسب، والفحش، وربما ارتقى إلى درجة الكُفر .

وقيل أن الغضب هو تغير يحصل عند غليان دم القلب ، ليحصل عنه التشفي ، وهو غليان دم القلب طلبا لدفع المؤذي عند خشية وقوعه، أو طلبا للانتقام ممن حصل له منه الأذى بعد وقوعه ، ومن أسباب الغضب مصاحبة الأشرار الذين لا يفرقون بين الممدوح والمذموم من الغضبب فيحسبون التهور والطيش شجاعة ويعدون طغيان الغضب الموجب للظلم رجولة .

وهنا النصيحه ، فلا تقل أنا غضوب، ولا أستطيع أن أقلع عن هذا الخلق، فإن الحلم بالتحلم والعلم بالتعلم، ومعنى ذلك أننا يمكن أن نتعلم الحلم ولو لم يكن من طباعنا، ومن الوسائل الناجعة لتغيير طبع الغضب في النفس، وهو تدريب النفس على كبت شرارة الغضب قبل أن تكون نارًا، مثل أن تقرر عدم الاستجابة السلبية للموقف الحادث أمامك منذ بداية حدوثه أو بعده مباشرة .

ومن الأسباب التي تتخذ لدفع الغضب ومضاره وهى السكوت، فقال صلى الله عليه وسلم: ” إذا غضِب أحدُكم، فليسكُت “، قالها ثلاثًا، فهذا أيضا دواء عظيم للغضب ، لأن الغضبان يصدر منه في حالة غضبه من القول ما يندم عليه في حال زوال غضبه وكثير من السباب وغيره مما يعظم ضرره، فإذا سكت زال عنه هذا الشر كله.

وقال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قال ” إذا غضِب أحدُكم وهو قائم، فليَجلِس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع ” رواه احمد ، وقال صلى الله عليه وسلم: “ إذا غضب أحدكم فليسكت” رواه أحمد والبخاري

وهذا تحذير للنفس من عقوبة الله إذا تحول الغضب إلى محاولة الانتقام من الضعفاء، والاستعاذة من الشيطان الرجيم، وتحول الغاضب إلى حال غير الحال التي كان عليها، كجلوس القائم، واضطجاع الجالس، والوضوء؛ ليطفئ به نار الشيطان.

وينقسم الغضب إلى ثلاث درجات: التفريط، والإفراط، والاعتدال ، ودرجة التفريط: فيها يفقد المرء قوة الغضب، أو تضعف عنده، وهذا مذموم، وهو الذي يقال فيه: إنه لا حمية له. ولذلك قال الشافعي “من استغضب فلم يغضب فهو حمار”، فهذا قد فقد معنى الغيره والعزه ، ورضي بقلة الأنفة، واحتمال الذل.

ودرجة الإفراط: فيها تغلب صفة الغضب حتى تخرج عن سياسة العقل والدين، ولا يبقى للمرء معها بصيرة ولا نظر، ولا فكرة ولا اختيار ، وأما عن درجة الاعتدال: فهي درجة الغضب المحمود، بأن ينتظر إشارة العقل والدين، فينبعث حيث تجب الحميه، وينطفئ حيث يحسن الحلم ، وحفظ الغضب عند حد الاعتدال والاستقامة التي كلف الله سبحانه وتعالى بها عباده هو الوسط المطلوب.

الغضب المحمود ، وهو ما كان دفعا للأذى في الدين أو العرض أو المال، له أو لغيره، وانتقاما ممن عصى الله ورسوله، وهذه كانت حال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه لا ينتقم لنفسه، ولكن إذا انتهكت حرمات الله سبحانه وتعالى غضب لذلك. وقالت عائشة رضي الله عنها تصف عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم “وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شيء قط، إلا أن تُنتهك حرمة الله، فينتقم بها لله” رواه البخاري.

إن الغضب المحمود يكون لله عز وجل عند ما تنتهك حرماته، ويكون على أعدائه من الكفار والمنافقين والطغاة والمتجبرين، وقد ذكر القرآن ذلك وصفا للرسل الكرام في مواضع عديدة، ووردت أحاديث كثيرة تدل على أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان يغضب لله عز وجل .

وعن غضب الصالحين فقد روى ابن كثير في البداية ، قال: قال ابن عبد الرحيم: خرجنا في سرية إلى أرض الروم فصحبنا شابا لم يكن فينا أقرأَ للقرآن منه، ولا أفقهَ ولا أفرض، كان صائما للنهار، قائما لليل، فمررنا بحصن فمال عنه العسكر، ثم نزل الشاب بقرب حصن من الحصون، فظننا أنه قد ذهب يقضي حاجته، لكنه وبينا هو في الطريق إذ نظر إلى امرأة من النصارى تنظر من وراء الحصون .

فعشقها وتعلق بها، ثم قال لها بالرومية: كيف السبيل إليك؟ قالت: لا سبيل إلا بدخولك النصرانية ، فإذا تنصرت فُتح لك الباب ثم أكون بانتظارك ، فتنصر الشاب، ثم طرق الحصن فأُدخل ، قال ابن عبد الرحيم: فقضينا غزاتنا في أشد ما يكون من الغم حَزنا، كيف لا نحزن وهذي خطى قد تنكبت السبيل، كأن كل رجل منا يرى أن ذلك هو ولده من صلبه.

ثم يقول ابن عبد الرحيم: رجعنا من السرية ونحن لم يكن لنا ذكر إلا ذلك الشاب ، وكيف أنه زاغ بعدما اهتدى ، وضل بعدما رشد ، وأصابنا هم شديد ، وجَهْد عتي؟ وكيف لشاب كان أعلمَنا وأرشدَنا وأفقهَنا أن يَضِل ، وقد ناديناه من وراء الحصون: “يا فلان اتق الله وارجع “.

فقلنا: يا فلان ما فعلت قراءتك؟ ما فعل قيامك؟ ما فعلت صلواتك؟ ما فعل علمك؟ ما فعل صيامك؟ ما فعلت آيات ربك في قلبك؟ قال: “اعلموا أني نسيت القرآن كله ، وما أذكر منه إلا هذه الآية: ﴿ رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ * ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾

ومن العلاجات النبوية لدفع حرارة الغضب: أن يتوضأ أو يغتسِل ، لأن الغضب جمرة في قلب كل إنسان ، ولهذا تحمر عيناه، فقال صلى الله عليه وسلم: ” إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خُلق من النار، وإنما تُطفأ النار بالماء ، فإذا غضِب أحدكم فليتوضأ “، وعن معاوية رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله يقول: ” إن الغضب من الشيطان، والشيطان من النار، والماء يُطفئ النار ، فإذا غضِب أحدكم فليغتسِل “.

وعلى المسلم أن يصغر في نفسه كل ما يضخمه الشيطان من مواقف الآخرين المثيرة للغضب الشخصي، وربما من الوسائل النفسية الناجعة التي يوصي بها النفسيون ، وهى أن تكتب كل غضباتك صغيرها وكبيرها وأسبابها، وأوقاتها وآثارها، حتى تستدل على أثرها السيئ جدا في حياتك، وترى كيف تحكمت فيك التوافه .

وغيّرت مسار عقلك وتفكيرك، فتتخفف منها شيئا فشيئا حتى تضمحل وتمحى ، المهم أن تقرر أن تترك الغضب نهائيا ، ولما كانت المعاصي كلها تتولد من الغضب والشهوة، وكان نهاية قوة الغضب القتل، ونهاية قوة الشهوة الزنا، جمع الله تعالى بين القتل والزنا، وجعلهما قرينين في كتابه الكريم وأرشد عباده إلى ما يدفعون به شر قوتي الغضب والشهوة من الصلاة والاستعاذة.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *