Share Button
الحج في الفلكلور المصري
د. هدى جابر الترساوي – استاذ مساعد – قسم التاريخ – جامعة الأزهر
“رايحة فين يا حجة يا أم شال قطيفة رايحة أزور النبي محمد والكعبة الشريفة” أغنية كثيرا ما سمعناها وترددت كلماتها في القرى والمناطق الشعبية، وهي أغنية تعبر عن فرحة المصريين بالفوز بالتلبية وأداء فريضة الحج، فمن المعروف أن المصريين من أكثر الشعوب احتفالا بالحجاج سواء المغادرين لأداء فريضة الحج أو العائدين منه، وينعكس هذا الاحتفال في أغانيهم الشعبية التي تعبر عن الاشتياق للأراضي المقدسة وأداء المناسك، أو في الاهتمام بتزيين المنازل بالرسومات، ولا يُعرف علي وجه الدقة متى بدأت هذه العادة لكنه شاع منذ العصر المملوكي ثم العثماني الاحتفال بموسم الحج باستخدام الدفوف والمزامير لتوديع واستقبال الحجاج، واعتبر يوم طلوع المحمل وخروج الحجاج إجازة رسمية تُعطل فيها المصالح الحكومية والدواوين، وذلك لمنح المصريين فرصة مشاهدة المحمل وتوديع الحجاج، والمشاركة في الاحتفال الذي يحييه كبار المنشدين والمطربين آنذاك مثل الشيخ يوسف المنيلاوى والشيخ على محمود ، وكانت أغاني المصريين في توديع واستقبال الحجاج مملؤة بالشوق ومدح النبي، ووصف الطريق لمكة ووسائل النقل والمواصلات المستخدمة في هذا الوقت، وقد عُرفت هذه الأغاني باسم حنون الحجاج، وغالبا ما كانت تفتتح الغناء سيدة مسنة وتردد قائلة: ” يا هناه اللى انوعد ” فترد باقي السيدات: ” يا هناه يا هناه “، ثم يتغنين ويرددن كافة الأغاني الشعبية المتعلقة بهذه المناسبة مثل: “بعيدة بعيدة يا طريق النبي … بعيدة بعيدة وإن عطانى ربى لأروحلك سعيدة … صلوا على النبي وزيدوا صلاته دا كان يلاغى القمر محمد ويفهم لغاته، يا نخل مكة يا طويل يا عالي، والتمر منك دوا للمبالى، يا بير زمزم سلبك حريري، والشربة منك دوا للعليلى .. رايحة فين يا حجة يام شال قطيفة رايحة أزور النبي محمد والكعبة الشريفة، ورصوا الكراسي .. رصوا الكراسي فج نور النبي محمد تاب كل عاصي …يجيب الأمارة اللى زار النبي يجيب الأمارة …دا الكواكب دهب وخضرة الستارة”
ولم يكتف المصريون بهذه الأغاني الشعبية بل اهتموا أيضا بتزيين المنازل والرسم فوق جدرانها كنوع من أنواع التعبير عن فرحتهم برجوع الحجاج، حتي أضحى هذا السلوك ظاهرة لفتت انتباه الأجانب الذين زاروا مصر خلال القرن التاسع عشر، ورصدوا ذلك ضمن كتاباتهم؛ فمثلا الرحالة البريطاني إدوارد وليام لين الذى زار مصر عام 1833م لفت انتباهه اهتمام المصريين بدهان المنازل والأشجار قبل رجوع الحجاج بثلاثة أيام مستخدمين في ذلك اللون الأحمر، بالإضافة إلي صبغة الجمال بالألوان السوداء والخضراء والحمراء أيضا، ثم شاع استخدام اللون الأزرق أو ” اللبني ” لتزيين المنازل للإشارة إلي أن صاحب البيت، أو أحد من سكانه قد أدى فريضة الحج، ولم يقتصر أمر الاحتفال علي تزيين المنازل بالألوان المبهجة بل أبدع المصريون في استخدام الرسومات أو ما يعرف بجداريات الحج للتعبير عن هذه المناسبة ، وحرصوا علي كتابة اسم الشخص الذى أدى الفريضة وتاريخ أداؤه لها، ونقش الآيات القرآنية ، وعبارات التهاني مثل: ” حج مبرور وذنب مغفور وبعودة يا حاج فلان “، وربما كان الهدف من وراء ذلك هو لفت انتباه من لم يجيد القراءة والكتابة إلي أن صاحب المنزل قد أدى الفريضة، وبالرغم من صعوبة تحديد بدايات هذه الظاهرة بشكل دقيق، إلا أنها قد انتشرت بسرعة بين ربوع مصر، وظل المصريون إلي يومنا هذا وخاصة في القرى والمناطق الشعبية يقومون برسم الكعبة والروضة والجمل والسفينة والطائرة علي جدران المنازل ويذيلون تلك الرسومات بعبارة:” ألف مبروك يا حاج….ويا هناه اللى اتوعد يا هناه يا هناه “
قد تكون صورة لـ ‏‏شخص أو أكثر‏ و‏نصب تذكاري‏‏
١
Share Button

By ahram misr

رئيس مجلس ادارة جريدة اهــــرام مــصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *