Share Button

بقلم / محمــــد الدكـــرورى

يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ” ، ” يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ، ولقد دعا الإسلام أهله إلى المحبة والألفة الدائمة ، والتعاون البناء ، والتكافل الاجتماعي ، وإن تصفية الصدور أكبر الحسنات، ومفتاح تفتح به أبواب الجنة الثمانية .

وقد أخبر النبي الكريم عليه الصلاة والسلام و أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين ، وأنه يطلع عليهم من هذا الباب رجل من أهل الجنة، فطلع عليهم رجل هو من أغمار الناس، لم يكن أبا بكر، ولا عمر، ولا عثمان، ولا علي، ولا من العشرة المبشرين بالجنة، وكان رجل من أغمار الناس، تنطف لحيته من الوضوء، ثم أخبرهم في مجلس آخر أنه يطلع عليهم من هذا الباب رجل من أهل الجنة، فإذا بالرجل نفسه .

فاستنهض هذا بعض الأصحاب وهو عبد الله بن عمرو بن العاص ، أن يتحايل ليبيت عند هذا الرجل، لينظر إلى صلاته، وإلى عبادته، وإلى إنفاقه، وإلى جهاده، وإلى قراءته، وإلى بذله، وإلى عطائه، فلم يجد شيئا، فأفشى بالسر، وقال: إنما بت عندك حيلة، أخبرني بالذي جعل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، يبشر بك، ويخبر أنك من أهل الجنة؟

والحقد مرض سيء خبيث، لو أصيب به الشخص أتعبه ثم أهلكه ، والحقد يبدأ من الكراهية الشديدة، ثم يتحول إلى عداوة دفينة في القلب ، وآخر مراحله هو الرغبة بالإنتقام، وإنزال السوء بمن يكرهه الحاقد ، والحقد، حملٍ ثقيل يتعب حامله، لماذا ؟ لأنه دائماً مشغول الفكر، غير مرتاح البال، دائماً يفكر ، يبحث عن الكلمة التي يُخرجها، لكي تزعج الشخص الذي يحقد عليه، دائماً يحاول أن يناله بسوء، لذا هو دائماً في قلق، لا يهنأ بمنام، ولا يتلذذ بلقمة، حتى إن بعض الحاقدين يكون حلمه في المنام فيمن يحقد عليه .

وإن هناك كثير من الآداب المفقودة بين المسلمين، وهذه الآداب المفقودة تسبب أنواعاً من الوقوع في الإثم والعدوان ، وكثير ممن الناس يستهينون بباب الأخلاق والآدب مع أن باب الأخلاق والآداب من الأمور العظيمة التي هي من مزايا هذه الشريعة ومن محاسنها ، وبعض الناس يهتمون بأمور المعتقد والفقه والعلم، وينسون أن هذا الدين متكامل لا بد أن يكون المسلم فيه متخلقاً بأخلاق الإسلام، متأدباً بآداب الشريعة.

ولقد حزر النبي الكريم محمد عليه الصلاة والسلام ، أمته فقال صلى الله عليه وسلم : “دب إليكم داء الأمم قبلكم” وداء الأمم، هو الداهية التي فتكت فيهم، فما هو داء الأمم الذي دب في أمة النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، ؟ إنه الغل والحقد، والحسد والبغضاء.

والحقد مرض خطير، ومرض متفش في هذا الزمان، وكثير من الناس يحقدون على بعضهم البعض ، والحقد بين المسلمين ، من مآسينا في هذا العصر ، الحقد من معانيه الضغن ، والانطواء على البغضاء وإمساك العداوة في القلب والتربص لفرصتها، أو سوء الظن في القلب على الخلائق لأجل العداوة أو طلب الانتقام ، والغضب إذا لزم كظمه لعجز عن التشفي فوراً رجع إلى الباطل واحتقن في النفس فصار حقداً ، والحقد من مرادفاته الضغينة والغل والشحناء والبغضاء .

ولو لم يكن من داء الأمم إلا صفة إبليسية لكفى، فإن أول من حقد وحسد، وأضمر الضغينة هو إبليس اللعين ، فحسد آدم على ما منَّ الله عز وجل به عليه ، والغل والحقد والحسد ، أسوأ المناقب ، التى أخرجت إبليس اللعين من الجنة إلى الأرض وأهبطته ، وإن الذين يوغرون الصدور، يسيرون بين الناس بالنميمة، ويستخدمون وسائل حديثة، وتصبح لهم بها سيئات جارية، كما أن لعباد الله الصالحين حسنات جارية، وهؤلاء قد أتوا بالحالقة التي تحلق الدين، وتحلق كل شيء.

والغل والحقد والحسد، هو دافع أول جريمة قتل على وجه الأرض، فحين جاء أحد ابني آدم يتوعد أخاه بالقتل ، ورفض الآخر أن يبسط يديه إليه ليقتله ، ومع هذا أكب عليه، وقتله ، وإن الغل والحقد والحسد، وأمراض القلوب، لا يمكن أن تجتمع في قلب يحتوي عليه الإيمان ، لأن بينهما تضاد وتنافر، فالقلب المفعم بالإيمان، طارد للغل، طارد للحسد، لا يرضى أن يشاركه في ذات المكان، ونفس الظرف .

ومن هنا يقول النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، ” ولا يجتمعان في قلب عبد: الإيمان والحسد” وإن الحسد والبغض الذي يحمل على التلون والنفاق تلقاه فيعجبك منظره، يقول فتسكر لسحر كلامه ، ولكنه يخفي بعد ذلك قلبا حقودا، يلبس جلد الضأن على قلوب الذئاب ، ومن منا لا يعرف الصحابى الجليل بو دجانة .

فحين احتضر وحضرته الوفاة، لم يتذكر موقفه في أحد، ولا أنه صاحب العصابة، ولا أنه أخذ سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما تذكر شيئا آخر، قال: “من عمل شيء أوثق عندي من اثنتين: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، والأخرى فكان قلبي للمسلمين سليماً”.

والحسد أبو الخبائث، وبوابة الموبقات ، والحسد يحمل صاحبه على تتبع العورات، يحمل صاحبه بأن يكون ذبابا يقع على الجروح والهانات ، والحسد يحمل صاحبه على النفاق على الظن السيئ، على الوشاية، على النميمة، على الوقيعة، على الإيقاع بالمؤمنين، يحمل صاحبه على اجتزاء الكلم ، وأخذ بعض المفردات دون بعض .

وإنه يحمل صاحبه على تتبع العورات، والإيقاع بالمسلمين، وهذا ليس مقابله المحسود، وإنما مقابله الله عز وجل ، لأن النبي الكريم عليه الصلاة والسلام ، ورد عنه أنه قال: “من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله .

وتعرض الأعمال في كل يوم خميس واثنين، فيغفر الله -عز وجل- في ذلك اليوم لكل امرئ لا يشرك بالله شيئا، إلا امرؤ كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: اتركوا هذين حتى يصطلحا، اتركوا هذين حتى يصطلحا”.

وهناك نفوس لا تزال تتطلع إلى أكثر من حقها ، بل وتنظر إلى حق غيرها ، ولا شك أن ذلك هو الطمع والجشع ، وهما صفتان مذمومتان في بني الإنسان ، وابن آدم يعيش في كمد وكبد ، من أجل الحياة الدنيا ، فيكون نتيجة الطمع والجشع ، حسد للغير ، وإساءة للمسلمين ، ثم يموت ولم يحصل من الدنيا إلا ما كتب الله له .

واعلموا أن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ، الحسد كبيرة من كبائر الذنوب ، حسد إبليس آدم عليه السلام فطرده من جنته ، وحسد ابن آدم أخاه فقتله ، فالحسد دليل على تفسخ الأخلاق ، وانسلاخ الإنسانية ، وانحطاط للهاوية ، الحسد ربيب الكبرياء ، ووالد الكراهية والبغضاء ، ومثير الفتن والشحناء ، وربما كان الحسد سبباً لإزهاق الأنفس البريئة

فالحسد يوغر الصدور ، ويُذهب الأجور ، يقطع الأواصر ، ويغير النفوس ، الحسد آفة الحساد ، ينغص حياتهم ، ويقض مضاجعهم ، لما رأوا نعم الله تترى ، يتفضل بها على من يشاء من عباده ، واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك ، وما أخطأك لم يكن ليصيبك ، واعلم أن الخلائق لو اجتمعوا على أن يعطوك شيئاً لم يرد الله أن يعطيك ، لم يقدروا عليه ، ولو اجتمعوا أن يصرفوا عنك شيئاً أراد الله أن يصيبك به ، لم يقدروا على ذلك .

فيجب علينا جميعا أن نعود الى التكافل في المجتمع المسلم وهو فريضة علينا ، ولكن ما قام به ذلك المسلم العظيم الذي جاءه ضيف، وهو لا يملك إلا تمرات يتغذى بها، فوضعها أمام ضيفه واتفق مع امرأته أن يتظاهرا أمام الضيف أنهما يأكلان معه، بينما تمتد يداهما فارغتين في الفضاء، ليوفرا الطعام كله للضيف ، وهذا تطوع نبيل لم يفرضه الله فرضاً على أحد ، لذلك أنزل الله فيه قرآناً يتلى إلى يوم القيامة .

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *