Share Button

 

رسالة الفكر في زمن العدوان

(مُبادرة كاتب)

تأليف أ.د/ مجدي محمد إبراهيم

أستاذ الفلسفة بجامعة أسوان

يتناول هذا الكتاب، (وقد تمّ طبعه مرتين، الأولى : طبع ونشر بمكتبة الثقافة الدينية بالقاهرة العام 2016م، والثانية : طبع ونشر بدار روابط للنشر والتوزيع بالقاهرة العام 2019م) مجموعة من البحوث والدراسات مختارة بعناية شديدة ومركزة تجمعها روح واحدة تتناسب وتشترك في فكرة واحدة هي حضور القيم والدفاع عنها إذا وجدت،  ونقدها في الواقع والحياة فيما لو غابت تلك القيم من حياة الإنسان والمجتمع الذي يحيط به.

قد تأتي هذه الموضوعات في مجالات مختلفة ولكنها متضامنة في الفكر والأدب والتصوف والسياسة متناسبة ومشركة في هدف واحد هو الكشف عن عنصر القيمة في الوجود الإنساني وتغليب معنى الوجود الروحي على الوجود المادي، وربط القيم بهذا الوجود مع تفعيلها وتوظيفها حدمة لحقيقة الإنسان الأصلية على وجه العموم.

وإذا كان الكتاب هو (رسالة الفكر في زمن العدوان) عنوان لموضوع من الموضوعات النقدية المعرفية التي تضمنها الكتاب؛ فلاعتقادنا أنه من الأهمية بمكان بمقدار اعتقادنا بأهمية الكتاب نفسه وبخاصة بعد الثورات التي طرأت على العالم العربي وأسفرت عن تحولات في عالم القيم، فكل ما كتب عن هذه الموضوعات هو في الغالب كان قبل الثورة المصرية (25 يناير) بسنوات، وأغلبه كان نقداً لغيبة القيم أو فقدانها من واقعنا العربي عامة، والمصري خاصة. ومن أجل هذا جاء الكتاب ليسد في المكتبة العربية فراغها لمثل هذه الكتب التي تطرق على الدوام، وبمعاناة كاتبها، على فاعلية القيم كيما تسطيع تمثلها ثم نقد ما سواها من قيم خاملة لا تقدّم شيئاً عن استقامة الضمائر وصلاح القلوب : تثويرها وتفعيلها وتوترها الدائم الذي لا يخمد ولا يركد ولا يقبل الخمود والركود. أقول؛ جاء هذا الكتاب ليشهد على أن عمل القيم العلوية وحده هو الباقي بمقدار ما جاء ليدفع عن تلك القيم بغي الباغين واستخفاف المستخفين وعطالة العاطلين. ويمكننا الاستفادة من هذا الكتاب الضخم خلال تلك النقاط :

(1) ترسيخ القيم المعرفية في المواطن العربي، وبخاصّة قيم اللغة العربية التي تعبر تعبيراً مباشراً عن القومية العربية والهوية العربية سواء؛ فأي تفريط في اللغة العربية هو في الوقت نفسه تفريط في الفكر الذي يقوم عليها. وأي تفريط في الفكر العربي كذلك يقلل من العناية المباشرة باللغة العربية وتفعل دورها في مجتمعاتنا ومؤسساتنا لتشمل القطاعات العريضة في تلك المجتمعات.

(2) الإسهام بهذا الكتاب في نقد الواقع الثقافي العربي، ويرجع النقد إلى غيبة القيم من اللغة، لذلك قام المؤلف بفصل في هذا الكتاب بعنوان “قيم من اللغة”، وأخذ يطرق عليه وينشره في الصحف العربية والإلكترونية مثل صحيفة المثقف التي تصدر في سدني بأستراليا، وجريدة الأهرام المصرية، وصحيفة صوت العروبة التي تصدر في أمريكا؛ وذلك لإيمانه الشديد بقيم اللغة العربية وتفعيل دورها وارتباط هذا الدور بالحضارة والثقافة والهوية العربية.

(3) تشجيع العناية بالفكر واللغة من خلال فعل القراءة والصبر عليها على الدوام؛ لأن الأصل في اللغة أنها سبيل التفاهم بين الناس، وأنها طريق الإبانة عن المقصود في داخل النفس من المعاني ومنها الفكر، ومدار الحياة الاجتماعية قائم على الاتصال بين الأفراد في المعاملات، وسبيل الاتصال هو اللغة فكلما كانت العناية بها أبين وأدل، كان المجتمع أوثق صلة.

(3) المبادرةُ كتابٌ يربط بعناية شديدة مجالات اللغة بالفكر، ويحرص على أن تكون الموضوعات التي يتناولها قائمة على العلاقة المباشرة بين الفكر واللغة، وعلى التفاعل بينهما خلال القراءة العقلية المتأنية. يحرص العمل في مجمله ومن خلال الموضوعات التي طرحها على إبراز الصلة القوية بين اللغة والفكر في أهم خاصّة حضارية في الإسلام، في حين أن اللغات الهندو – أوروبية، إنما جُعلت للتعبير عن نظام العالم الخارجي، نجد اللغة العربية وكأنها هى لغة التأمل الداخلي (تأمل الفكر والروح) وكأنما هى مجعولة لكي يتذُّوق أصحابها مقصداً من المقاصد الإلهية. وإذا كانت اللغة العربية لغة وعي ولغة شهادة ينبغي إنقاذها سليمة مُعافة من العطب بأي ثمن للتأثير في اللغات الدولية المستقبلية، وإذا كانت بوجه خاص هى شهادة دولية يرجع تاريخها إلى ثلاثة عشر قرناً من الزمان، فإنَّ هذا الكتاب الذي يدور على (رسالة الفكر في زمن العدوان) كما هو مشروح في مقدمته، قد جعل كاتبه من كلمات الأستاذ المرحوم “عباس العقاد” هدفاً مباشراً نصب عينيه لمّا أن قال :” إنّ الحملة على اللغة في الأقطار الأخرى إنما هى حملة على لسانها أو أدبها أو ثمرات تفكيرها على أبعد الاحتمال. ولكن الحملة على لغتنا العربية حملة على كل شيء يُعنينا، وعلى كل تقليد من تقاليدنا الاجتماعية والدينية، وعلى اللسان والفكر والضمير …. فإنّ زوال اللغة العربية لا يُبقي للعربي أو المسلم قواماً يميزه عن سائر الأقوام ولا يعصمه أن يذوب في غمار الأمم فلا تبقى له باقية من بيان ولا عُرف ولا معرفة ولا إيمان”. وإذن، يركز الكتاب على مسألة الهُويّة العربية الحضارية، وعلى اتصالها بالفكر والثقافة والأدب واللغة، ويعالج هذه المسائل فيما يطرحه من اختلاف الموضوعات والبحوث كونها قيماً علوية باقية يحفظها اللسان العربي المُبين كما هو موصوف بالبيان في محكم التنزيل.

(4) تستهدف المبادرة الشباب المثقف، والذي يرجو لأمته التقدم والازدهار : الشباب الواعي أو الذي يخطو خطواته الواثقة نحو الوعي، كما يستهدف قطاعات المثقفين ورجال التربية والتعليم، وكل من يهتم بالحضارة والهوية العربية والفكر واللغة والآدب العربي، وبخاصّة شباب الجامعات وطلاب العلم والفكر والثقافة وجمهور الكُتّاب والقُرّاء من ذوي المعرفة.

(5) يندرج العمل الفني تحت أدب المقالة النقدية، ويتوخى وضوح الرؤية وإشراق الفكرة وامتثال الأسلوب العربي من طريق تذوق اللغة أولاً وقبل كل شيء، حفاظاً على الهدف الأسمى لربط اللغة بالفكر وللزود عن لغتنا العربية حين تأتي تعبيراً عما تعتمل به جوانح النفس وفجاج الفكر ودفقات الشعور. وإذا كانت الكتابة الأدبية والنقدية فناً من الفنون صارت في الوقت نفسه أبين وأدل على المعاني التي تدور في النفس، وأكثر توضيحاً للمطالب والمقاصد، إذ ذاك يكون المجتمع أوثق صلة وأشد ارتباطاً وأعظم تفاهماً وأحرص قيماً .. وهذا كله مدعاة إلى الارتفاع بالمجتمع في طريق التقدم والسمو بحضارته عن طريق اللغة والفكر والثقافة والأدب. ولم تكن المبادرة التي يتضمنها كتاب رسالة الفكر في زمن العدوان برؤية نقدية بالتي تخرج عن إطار القيم والدفاع عنها في الواقع وفي الحياة الفكرية والثقافية، ونقد هذا الواقع ونقد تلك الحياة فيما لو خلت من حضور القيم ومن فاعليتها.
وبالتالي؛ فكل ما هو موجود من موضوعات يدور حول “القيم” مثل : نداء القلم، الكتابة فن وأخلاق، وأخلاق العلم، تحيا اللغة العربية، قيم من لغتنا العربية، ثقافتنا العربية وشعور الاغتراب، أقلام غير مسؤولة، لعنة الكلمات، سلطان الكلمة، الوحدة العربية أو الكارثة، أسلحتنا المفقودة، وهكذا إلى كثير من المقالات التي تضمنت موضوعات نقديّة، كتبت بمكابدة وعناء وإعمال للذوق والعقل معاً.

(6) بالطبع، تساهم مبادرة الكاتب عن طريق النقد المعرفي، في فحص التراث بنظرة نقدية معاصرة، وقبول القيم الفاعلة فيه، واستحضار ثمراتها الفكريّة التي تُسهم بدور إيجابي في تشكيل الوعي العربي والذوق العربي بالتساوي. سواء كان ذلك عن طريق القراءة المستمرة الفاحصة للتراث، المُستخلصة لقيمه المستنيرة أو عن طريق الكتابة المتجددة التي يلزمها أن تسير وفق الرؤى العصرية وتستوحي روح العصر ومناشطه الفكرية والثقافية والمعرفية على التعميم. ليست المبادرة قاصرة على المتخصصين من ذوى التوجهات الروحية والفلسفية أو حتى من ذوى المذاهب السياسية وكفى، ولكنها تشمل توجهات المجتمع بكافة أطيافه الثقافية سواء من يهتم منهم بالفلسفة أو باللغة أو بالسياسة أو بالعرفان؛ فالتنوع فيها ظاهر بارز للعيان، ولكنه تنوع يخضع للتفكير ويربي ذوق اللغة على ممارسة فعل التفكير الناقد؛ وهذا دليل مباشر على أصالة اللغة في التفكير العربي؛ لأنها ترنو إلى الأبدي وتصرف النظر عن المتغير الزائل المحدود، ولها من ثمّ قدرتها الخاصّة على التجريد والنزوع إلى الكلية والشمول؛ لأن اللغة العربية هى المصدر الوحيد لدى العربي للوصول إلى الفعل الإلهي، ولذلك أحبها أهلها حباً عميقاً .. وكلما قدّروا فيها هذه الناحية ارتفعوا وتحضّروا وترقوا، وكلما أهملوا هذا الجانب الخلّاق منها ضعفوا وتدهوروا، وفقدت هُويتهم أو كادت. وليس من شك في أن الفعل الفكري والثقافي يزودُ عن اللغة ويقدح في عزلها عن الواقع الحضاري.

(7) الكتاب الذي نقدّمه يُعطي القارئ بلا شك حصيلة معرفية ظاهرة ويدفعه في محيطها إلى الإبداع الأدبي بمجرد التذوق الفني لمعطياته، سواء من حيث نحت الفكرة أو من حيث عرضها عرضاً فنياً أو من حيث التركيب الذي يصطنعه الكاتب ذي الأسلوب؛ فكل كاتب له أسلوبه، وله طريقته في استخدام الكلمات التي يُعبّر بها عن نفسه، وهذا هو عين الإبداع الفني. ومن أجل ذلك؛ تسهم المبادرة بشكل أو بآخر في ترقية الذوق العربي مع الحفاظ على مستوى التفكير في إطاره كما تسهم في قدرة اللغة العربية على التنوع الثقافي والتعدد المعرفي في ظل منظومة قيم علوية فاعلة لا نُدْحَة عن التسمك بظلالها في كل جيل من الأجيال. ولم تكن المبادرة التي نقدّمها اليوم كدراسة متكاملة الأركان، بالتي تخرج عن سياق التاريخ والنظر فيه عبرة ودرساً؛ فقد تمسك العرب في عهد العباسيين بلغتهم، وظهر في القرون (الثالث والرابع والخامس من الهجرة) كتّاب تركوا لنا ذخيرة من العلوم والآداب الفنون تشهد بسمو اللغة وتعبر من قريب عن روح التفكير في ظلها، وأنها أتسعت لجميع ألوان الحضارة ويرجع الفضل في ذلك إلى أن العربية تحوى الكثير من المترادفات والألفاظ المعبرة عن خواطر النفس وفجاج الفكر وأغوار الضمير. ولمّا احتاج العرب إلى نقل العلوم الطبيعية والرياضية عرّبوا المصطلحات وأدمجوها في قاموس اللغة؛ الأمر الذي يؤكد حيويتها وحضارتها.

Share Button

By admin

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *