Share Button

رسالة علمية ممتازة أشرف عليها الأستاذ الدكتور محمد شاهين والأستاذ الدكتور مجدي إبراهيم؛ أستطاعت الباحثة أن تستغل مساحة الحرية الفكرية التي وقفت عليها في عزم واصرار فأنتجت عملاً ممتازا يفخر به كل من يطلع عليه بموضوعية. وقد كتب الدكتور خالد محسن تقريراً جاء فيه :
بعد محاورة فكرية فلسفية عميقة ومناقشات علمية ثرية استمرت لأكثر من 4 ساعات أدارها المفكرالكبير وأستاذ الفلسفة الدكتور مجدي الجزيري حصلت الباحثة حنان محمد سالم عمرو علي درجة الدكتوراه بتقدير ممتازمع مرتبة الشرف الأولى من كلية الآداب جامعة العريش قسم الفلسفة مع التوصية بطبع الرسالة وتداولها بين الجامعات المصرية.
جاءت الرسالة تحت عنوان (مُفارقة الخيال بين اللغة والانطولوجيا .. دراسة تفكيكية) وتشكلت لجنة الحكم والمناقشة من أ.د. مجدي الجزيري استاذ الفلسفة الحديثة والمعاصرة بكلية الآداب جامعة طنطا “مناقشا”، وأ. د. عادل عوض استاذ المنطق وفلسفة العلوم كلية الآداب جامعة المنصورة “مناقشا”. وأ. د. مجدي إبراهيم أستاذ الفلسفة الإسلامية جامعة العريش “مشرفا”، وأ.د. محمد شاهين أستاذ الفلسفة الحديثة والمعاصرة ورئيس قسم الفلسفة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة قناة السويس “مشرفا” وقد نوقشت الرسالة يوم الأربعاء 12أغسطس2020 بمقر جامعة قناة السويس بالقاهرة.
وقد أثنت لجنة الحكم والإجازة العلمية على جرأة الباحثة العلمية واشتباكها مع فكر كبار الفلاسفة كديكارت وكانت وفرويد وهيجل، وغيرهم وتفنيد رؤاهم حول قضايا الخيال والتخييل والوجودية ودنيا المثل واستشراف المستقبل.
ودعت الرسالة لإطلاق العنان للقدرات العقليه والفكرية لتوظيف الخيال العقلي في خلق تصورات إبداعية حول المستقبل أكثر نفعا لبني البشر وتطويع اللغة والفلسفة العصرية لخلق خطوط للتواصل الإنساني والإقناع والمساهمة في حل المشكلات العصرية، والسعي لتحسين وتجميل الواقع في إطار فكر ما بعد الحداثة.
وأوصت الباحثة بضرورة تشجيع الأبناء علي التخيل وإطلاق العنان للمخيلة وعدم قمع إبداعاتهم من قبل الآباء، و لابد من تنشيط التخيل لديهم وتصويب الخطأ لتوجيههم لطريق الإبداع والرقي لخلق أجيال مبدعة تسهم في صنع التطوير المستمر والنهوض والتحضر، كما أكدت الباحثة علي ضرورة امتلاك كل فرد لنزعة خيالية تأملية في مختلف مواقف الحياة لمواجهة كافة الصعاب والمشكلات الحياتية بعقلانية وحكمة.
استهدفت الدراسة إلقاء الضوء علي مشكلات الخيال الأنطولوجي، والتخييل اللغوي مثل: الوجود والعدم، المعقول واللامعقول عند كثيرا من الفلاسفة’ ومشكلات التخييل اللغوي في الفن والأدب مثل: الإقناع في الخطاب، والاستعارة والمجاز في النصوص الفلسفية، وأيضاً الأسطورة والرواية.
وأكدت أن موضوع الخيال من الموضوعات الملحة في عصرنا الحالي، فكل ما توصل إليه العقل البشري في الماضي من تطورات، وتغيرات، في جميع مجالات الحياة الإنسانية، في الفنون بأشكالها المختلفة والآداب، وفي جميع مجالات العلم، وحتي في الأنشطة الإنسانية العادية، وعبر الثقافات والحضارات المختلفة هو محض “خيال”، كانت مجرد أوهام، فأحلام، فأمنيات، فتجربة، وكل مايحدث في الحاضر، ونحن علي مشارف منتصف الواحد وعشرون، فهو صناعة الخيال، بإرادة تفوق العقل البشري، تتخطي مرحلة الأوهام، والأحلام. لتحيل الواقع المؤلم، إلي عالم مختلف غير متوقع، وتذهب بالإنسان إلي لحظة مفارقة، لحظة مابعد الخيال، فيصدق كل مايحدث فيها، ويعيش ممارسة جديدة تسمى “التخييل”.
وتوصلت الدراسة لعدة نتائج مهمة منها:
– أن للخيال أهمية كبيرة وخطيرة في آن واحد.
– أن الخيال يجسد اللغة بألفاظها ومعانيها في صورة مادية مبتكرة محسوسة وأحيانًا عقلية، ويرسخ لها في نفس وعقل المتلقي، مما يؤكدها ويقنع بها، فالخيال له القدرة علي التخييل وممارسة الإقناع ومن ثم يجعل الخطاب قويا ويتسم بالثراء والتنوع اللغوي.
كما يسهم في تطوير اللغة وذلك عن طريق استخدام معاني أقوى في الخطاب في حال التعبير عن العواطف والإنفعالات التي يمكن أن تقنع المتلقي ومن ثم تحديث مجال الخطاب اللغوي.
– كما يساعد الخيال علي كسر نمط التفكير الاعتيادي، واستثارة التفكير الابتكاري اللغوي، وإثارة العواطف، وتحقيق الإقناع ، ويكون بذلك التخييل ممارسة حياتية وأبلغ في توصيل الحقيقة.
– كما كشفت النتائج أن الخيال وممارسة التخييل وإن كانا يحققان تلك المميزات، ففي المقابل لا يخلوان من السلبيات نجمل منها الآتي:
– من عيوب التخييل والخيال في حد ذاته أنه يعرض المتلقي لسوء الفهم وفقاً لطبيعة تلقيه للخطاب وإقناعه به، فقد يغفل عن جوانب ويبرز جوانب أخري، حيث قد يستقبل معني غير موجود في اللغة المتكلمة وفقًا لسحر الخيال.
– ويمكن القول أن التخييل يركز علي الصفات والمعاني الكامنة في الخطاب وتتراوح بين الوضوح والخفاء والهامشية، مما يقلل وضوح المعني للمتلقي وتتضائل قيمة الخطاب أو اللغة المتحدث بها، فيمثل نوعاً من الإيهام، والذي شبهه بعض الفلاسفة المسلمين به الخيال كظل أو وهم.
– “التخیّل”و”التخییل”أخذًا بعدً سیكولوجیا عندالفلاسفة مركزاً على المتلقي مهملاً علاقته بالإبداع،كما ارتبط بالتوهم والخداع والتضلیل.
– وقد اعتمدت الباحثة في هذه الدراسة عدة مناهج علمية منها المنهج الأركيولوجي للتنقيب عن جذور المصطلح وتطوره لغويا واصطلاحياً، ومشتقاته، ومرادفاته منذ ظهور المصطلح في الإرث الفلسفي اليوناني، مروراً بالعصور الوسطي وتحوله من مجرد مفهوم فلسفي إلي ممارسة عبر الفلاسفة العرب أمثال الكندي، الفارابي، ابن رشد، وابن سينا، فضلاً عن أهمية الخيال في المبحث العرفاني الصوفي ويمثله في الدراسة “ابن عربي” وحتي العصر الحديث، متجاوزاً ذلك إلي العصر الراهن.
كما اعتمدت الدراسة علي منهج التحليل المقارن لبعض الأفكار في المذاهب الحديثة علي المستوي الأنطولوجي، كماتجاوزت الباحثة المناهج المألوفة في الدراسات المختلفة لتستخدم المنهج التفكيكي كدراسة تفكيكية لأحد الروايات الخيالية التي أظهرتها الدراسات اللغوية المعاصرة .
– وقدمت الباحثة دراسة تطبيقية لمفارقة الخيال اللغوي من خلال روايتين قصيرتين ،فقد تناولت رواية قصيرة بعنوان “علامة في الفضاء”، لأحد الرواة الإيطاليين، والتي تمثل بنية المذهب البنيوي، مع تفكيكها للتمهيد لظهور التخييل المعاصر عند كل من ميشيل فوكو من خلال روايته الأشهر “دون كيشوت”، ثم جاك دريدا، ومن قبلهم مارتن هيدجر صاحب فكرة إعادة البناء من خلال مصطلح “التدمير”.
وأوضحت أن هذه المعالجة لها أهمية كبري في العصر الحالي، من أجل إعادة تقويم فلسفي لمسألة “الخيال” وما يترتب عليه من نتائج علي المستوي الميتافيزيقي، الأنطولوجي واللغوي.
وقالت د.حنان سالم أنه في لحظة ما بعد الحداثة التي نحن في قلبها ، لأن القلب مركز الحياة في الإنسان، فما يحدث من حولنا قد تفوق علي الخيال ذاته، فلا يقبل العقل الآن مايحدث في عالمنا، حيث يمكن القول أننا في فضاء بلا حدود وبلا زمان،نحن في ” ميتا لحظة مابعد الحداثة “. فالعالم أصبح قرية صغيرة ليست مترامية الأطراف فقط، ولكنها مترامية الأهداف، وكل التصورات الموجودة من حولنا أشبه بحلم لا نعلم هل سنستفيق منه يوما ما؟، وكنا نشاهد أفلام الخيال العلمي في التلفاز، نجول وندور في أحداثه، بدهشة تؤكد أننا علي قناعة بأنها مجرد خيال، ولن يتحقق. أما الآن ونحن في لحظة لا نصدق مايحدث بأن ماشاهدناه قد تحقق، من حروب استعمارية، وفكرية، ثم نفسية، وأخيراً وليس أخراً حروب بيولوجية.
كما أوضحت في دراستها أن علاقة اللغة بالفكر هي العلاقة الأساسية التي يقوم عليها جوهر الفكر الفلسفي علي مر العصور، وهي قديمة قدم نشاة الفلسفة التي هي حب الحكمة والبحث الدؤوب عن الحقيقة والمعرفة منذ العصر اليوناني وحتي عصرنا الحالي ، وهي علاقة متجددة، تختلف باختلاف العصور. ،وعليه أمكن القول أن منبع الخيال فلسفي، رغم اتساع انتشاره في عصرنا هذا في مجالات متعددة. وبالتالي فالخيال الفلسفي غاية في الأهمية، من حيث كونه يتعلق بالأبنية العقلية المتماسكة، والنظريات المعرفية الخصبة عند اليونان، والفلاسفة الحداثيين والمعاصرين.
كما أشارت إلي أن إشكالية”الخيال”، احتلت في الماضي دوراً مهما في جميع مناحي الحياة، لما يتميز به الخيال من قدرة علي حل مشكلات الإنسان، ودفعه إلي التقدم والتطور. ولما كان”التخييل Fictionalism” أهم مشتقات الخيال في عصرنا الحالي باعتباره ممارسة الإنسان، ومعايشته لكل التغيرات والتطورات السريعة ، وتجاوزها لتغيير الواقع المؤلم، كان من الضروري محاولة الكشف عن دوره في إشكاليات الحياة علي المستوي الأنطولوجي، واللغوي ومدي ما تحدثه من مفارقات علي المستويين. باعتبار أن الخيال ممارسة مهمة ومذهب في الحياة.

L’image contient peut-être : 1 personne, assis
Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *