Share Button

عمل الروح

بقلم : د. مجدي إبراهيم

قدّس الله سرّ من قائل، وهو في البرازخ يحيط بنا ولا يُغافل، وعده مورود وسرّه يتوالى بالجود، بلغ جوامع الكلم في خطابه، وبالحق إذا تلوته زاد النور وفاض من عوالم الإمداد.

إذا أحببته والاك مع أنك تظن أعرض عنك وجافاك، سرّه في كلماته ونوره في لحظاته. هو للجميع بالمحبّة ممدّ للهمم، غير أنه يؤاثرك بتوالي الإمداد لكأنك تحسب ما أمدّ أحداً بالنور سواك.

من أين يأتي الشر؟ ومن أين يأتي الكرب ناهيك عن البلاء والوباء؟ وكيف تحب؟ وما المحبة أصلاً؟ الإجابة هنا في هذه الشذرات :

قال قدّس الله سرّه : (إذا كانت النفس غالبة والروح مغلوبة، فقد حصل القحط والجدب، وانقلب الأمر، وجاء الشر كله).

هذا هو تشخيص الداء : غلبة النفس بأطماعها وآفاتها وغرورها وسوادها على اللطيفة الربانيّة؛ على السّر الإلهي في الإنسان، غلبتها على الروح : سر الحياة وسر الوجود. واذا كان هذا هو التشخيص فما العلاج؟ قال رضوان الله عليه : (… فعليك بكتاب الله الهادي وسنة رسوله الشافي صلى الله عليه وسلم. فلم تزل بخير ما آثرتهما. وقد أصاب الشر من عدل عنهما).

ثم قال : وأهل الحق اذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه، وإذا سمعوا الحق أقبلوا عليه، “ومن يقترف حسنة نزد له فيها حُسناً.

وقال رضى الله عنه : (حقيقة المحبّة رؤية المحبوب على العيان. وكمالها فقدانك في كل وقت وأوان).

نفهم من الإشارة :

أنه لا تتحقق رؤية المحبوب مع بقاء النفس؛ بل بفصل النفس تماماً عن عمل الروح، وهو المسمى بالفقدان؛ إذ ذاك تكتمل الرؤية ويتم الشهود، هذه الحالة أشبه بالموت وأقرب إلى الغيبوبة أو السكر أو الاصطلام، فيها الخرس والبهت والفقدان، لكنها مجرد حالة سرعان ما تزول غير أن أثرها يبقى بالثراء والامتداد ما بقيت الحياة.

والأصل فيها تحقيق حق المحبّة وبلوغ الكمال منها. ذوق الدلالة هنا يُبصّر المرء بحقيقته الأصلية وليس من بصر ولا من بصيرة مع التولي ومع الإعراض.

فالويل لنا من علمٍ بلا عمل، ومن عملٍ بلا إخلاص، ومن إخلاص بلا توجُّه. نحن نقول لاحول ولا قوة إلا بالله .. ولكننا قد لا ندري أنها كلمات تبرء من كل حول وقوة للإنسان؛ لأنه لا حول ولا قوة على الحقيقة له إلا بالله، وقله استشعار هذه الكلمات يطغى المرء بالحجاب ويرده مدحوراً إلى نفسه، ومن ارتد إلى نفسه طغى وتجبر وقارن الشر فعله، ومن قدم الحول والطول والقوة الإلهية عرف أنه مخلوق محدود، وأن الفناء قرينه، وأن العدم لا محالة ينسحب عليه إلا أن يكون فعله من حول الله وطوله وقوته، إذ ذاك يتحوّل العدم إلى وجود، ويبقى من الوجود كل ما له صلة بفعل لا حول ولا قوة إلا بالله، وما دون ذلك عدم على التحقيق.

الإنسان ابنُ الفناء، وما يبقى منه هو من حول الله وقوته، وكل أعماله النافعة الباقية مرهونة بمجالي هذا الاسم الإلهي الفاعل حولاً وطولاً وقوة. ولكل اسم إلهي مجاليه التي يعمل فيها.

أتدرون ما الفلاح الذي تسمعونه في نداء المؤذن في كل آذان (حي على الفلاح) ما هو؟

هو تجلي الاسم الإلهي الخاص بالوقت بحضور الإقامة؛ فإذا فات الوقت أو تأخرت الصلاة، لم يحصل المصلي على “الفلاح” الذي ينتظره من تجلي الاسم الإلهي عليه فيما لو سبق فور النداء.

ليس الموضوع سهلاً بل عميق جداً،
ولكننا غافلون.

بقلم : د. مجدي إبراهيم  

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *