Share Button

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

إن الإسلام ينظر إلى المال على أنه قوام الحياة، وبه تنتظم معايش الناس، ويتبادلون على أساسه تجاراتهم ومنتجاتهم، ويقوّمون على أساسه ما يحتاجون إليه من أعمال ومنافع ، وأيضا ينظر الإسلام للمال على أن حبه والرغبة في اقتنائه دافع من الدوافع الفطرية التي تولد مع الإنسان وتنمو معه ، والمال هو كل ما يقتنى ويملك من كل شيء سواء كان عينا أو منفعة ، من ذهب أو فضة أو حيوان أو نبات ، ويسمى مالا .

والمال فتنه كبرى فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قال: “يهرم ‏ ‏ابن ‏ ‏آدم ‏ ‏ويشب منه اثنان الحرص على المال والحرص على العمر”. رواه البخارى ومسلم ، وأيضا ومن فتنة المال أن لا يبالي الإنسان في مصدره أحرام هو أم حلال، بل يرى الحلال ما حل في يده فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ منه أمن الحلال أم من الحرام”.رواه البخارى .

وإن إمتلاك المال،هو شهوة، كسائر الشهوات المباحة التي وضعها الله عز وجل في الإنسان، ووضع لها أحكاما، وضمانات تحمي مال الإنسان حتى من نفسه ، وذلك على اعتبار المال من الضرورات الخمس التي تقوم عليها حياة الإنسان ، والمال وسيلة وليس غاية، والوسيلة هي الجهد الذي يبذله المسلم في جمع المال وإنفاقه ، فقال سعيد بن المسيب: “لا خير فيمن لا يريد جمع المال من حله، يكف به وجهه عن الناس، ويصلُ به رحمَه، ويعطي حقه”.

ولكن يجب أن نعلم أن المال الذي بين أيدينا ، وبه قوامنا، هو مال الله تعالى، وقد استخلف عباده فيه لينفقوه فيما أمرهم أن ينفقوه فيه، بعد أن جعلهم مسئولين عنه، ومحاسبين على طرق كسبه وطرق إنفاقه ، فالمال الذي لا ينتفع به صاحبه في الدنيا سينقلب عليه حسرة وندامة، وسينعكس سلبا على المجتمع ، وقد أثنى عليه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم إذا وافق أهله فقال: “نعم المال الصالح مع المرء الصالح”.

وإن من فتنة المال أن يراه بعض الناس مقياسا للسعادة، وما علموا أنه قد يكون شقاء وشؤما فكم قاد بعض أربابه إلى الفسق ونشر الكفر والرذيلة، والاستكبارِ على الخلق ثم قادهم إلى النار، وقارون هو خير مثال على ذلك فقد آتاه الله تعالى من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة ولكنه طغى وتجبر فكان جزاؤه: ( فخسفنا به وبداره الأرض ) .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب ، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟” رواه مسلم.

وقد ذم الإسلام من جعل المال همه وغايته، ودعاه إلى ألا يغرق في أوحاله، بعد أن بيَّن له أن كثرة المال لا تدل بالضرورة على رضا الله، إذ إن مقياس الرضا يكون بالعمل والتقوى ، فأهمية المال في الإسلام، ليست في كنزه، لأن المال سوف يغادر صاحبه لغيره، ولكن أهميته تكمن فيما ينفقه صاحبه في الدنيا ، وعن كعب بن عياض رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إن لكل أمة فتنةً، وفتنةُ أمتي المال”.رواه الترمذى .

وقد بين الاسلام طرق استعمال المال ووجوه إنفاقه ، فأوجب الإسلام إنفاقه في طرق مشروعة، وحرم إنفاقه فيما نهى عنه ،فلا يُنفق المال في المعاصي والذنوب التي لا تعود إلا بالضرر والدمار، ولا يمسكه عن إخراجه في الواجبات، كذلك لا يُسرف ولا يُبذر كما أنه لا يبخل ولا يقتر فلا إفراط ولا تفريط .

والإسلام، الذي كرم الإنسان واستخلفه في أرضه، يدعو إلى التعاون المادي بين الناس، إلى جانب التعاون الروحي والنفسي، وأروع مثال على التعاون، بمضمونه الشامل، نجده في سيرة النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ،حين آخى بين المهاجرين من مكة، الفارين بدينهم، المعدمين الذين لا يملكون درهما ولا دينارا، وبين الأنصار، الذين تبوءوا الدار .

وإن من فتنة المال أن يحمل على الكبر والطغيان ، كما قال الله تعالى: ( كلا إن الإنسان ليطعى أن رآه استغنى ) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” تعس عبدُ الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة ،إن أعطى رضي وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش”رواه البخارى .

فالأصل أن المال مال الله تعالى، فهو مخلوق، والله تعالى خالق كل شيء، وهو المالك له ، وبيّن تعالى أنه يبتلي عباده بالمال، ويستخلفهم فيه لينظر كيف يديرونه كسبا وإنفاقا ، وهو من جملة ما سخره الله تعالى لعباده في الأرض من الخيرات والأرزاق ، ولقد ابتلى الله تعالى الإنسان بالمال فرزقه إياه، وأباح له اكتسابه وإنفاقه وفق ضوابط محددة .

وقد أوصى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أصحابه أن لا يُدخل أحدهم في جوفه إلا ما كان من كسب طيب، فقد قالوا له: أوصنا يا رسول الله، فقال عليه الصلاة والسلام “إن أول ما ينتن من الإنسان بطنه فمن استطاع أن لا يأكل إلا طيبا فليفعل ” رواه البخاري.

وقال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم “لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع، وذكر منها: وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه” رواه الترمذي ، وقال صلى الله عليه وسلم : “وإن هذا المال خضرة حلوة، فنعم صاحب المسلم ما أعطى منه المسكين واليتيم وابن السبيل ، وإنه من يأخذه بغير حقه كالذي يأكل ولا يشبع، ويكون شهيدا عليه يوم القيامة” رواه البخارى ومسلم .

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *