Share Button

بقلم / محمــــد الدكـــرورى

إن من القضايا التي تكلم عنها الإسلام كثيرا وشرع لها كثيرا من الأحكام وتميز بها عن غيره من الأديان قضية الطهارة والنظافة، وهذه القضية التي اهتم بها الإسلام كثيرا لأجل أن يكرم هذا الإنسان ويميزه عن البهيمة والحيوان .

فالحيوان الذي لا يعقل لا يهتم بهذا الأمر ولا يبالي به أبدا، أما الإنسان الذي كرمه الله عز وجل ، فإنه ينبغي أن يكون عند هذا التكريم ، فيكون طاهرا نظيفا جميلا حسنا ، ولكن هناك أمور قد حرمها الإسلام ، وعرفنا بها النبى الكريم صلى الله عليه وسلم .

فقد وضح لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه لعن النامصة والمتنمصة، ولا شك أن لعن فعل من الأفعال من الشواهد على أنه من الكبائر ، وإن النمص هو الشعر الذي ينبت على الجسد ، ولا يجوز الأخذ منه إلا بإذن من الله عز وجل، وقد حدد لنا الشرع مواطن الأخذ رجالا ونساءا، فأوجب الشرع حلق العانة كل أربعين يوم، وكذلك نتف الإبط ، وأما الأخذ من سائر الجسد فلا يجوز .

فلا يجوز مثلا للرجل أن يحلق شعر صدره، وكذلك المرأة، فالشرع حدد مواطن الأخذ فلا نتعداها ، وأخطر ما يمكن أن يتصور في النمص الوجه، والنامصة ملعونة، والتي تنمص للنساء والتي تسمى كوافيرة، فهذه ملعونة، فكيف إذا كان يزيل شعر النساء رجل، فهذا ملعون من باب أولى.

وقيل أن النامصة هي التي تأخذ من شعر حاجب غيرها وترققه ليصبح حسنا ، والمتنمصة هي التي تأمر من يفعل بها ذلك، وقيل هو نتف الشعر من الوجه والمتنمصة المعمول بها ذلك، والواشمة التي تغرز اليد أو الوجه ونحوهما بالإبر ثم يحشى ذلك المكان بكحل، وقال بعضهم: أو مداد ، أى حبر ، والمشتوشمة المعمول بها.

وقد اختلف الفقهاء في هذا الأمر فمنهم من ذهب إلى أن النمص جائز إذا كان لزوجها، ولم تقصد منه زينة أمام الأجانب، ومنهم من ذهب إلى منعه ، ومنهم من أجازه إذا كان بقاؤه يشبه المرأة بالرجال، أو يعيبها في نظر زوجها، وإن فعلت فبالقدر المعقول .

وعن بكرة بنت عقبة أنها دخلت على السيده عائشة رضي الله عنها ، فسألتها عن الحناء فقالت: ” شجرة طيبة وماء طهور، وسألتها عن الحفاف، فقالت لها: إن كان لك زوج فاستطعت أن تنتزعي مقلتيك فتضعيهما أحسن مما هما فافعلي ”. رواه مسلم .

وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: “لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن، المغيِّرات خلق الله ” رواه البخارى ومسلم وأبو داود والترمذى ، واللعن هو الإبعاد والطرد من الخير، وقيل هو الطرد والإبعاد من الله ، وكل من لعنه الله فقد أبعده عن رحمته واستحق العذاب فصار هالكا.

وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواشمة والمستوشمة والنامصة والمتنمصة والواشرة والموتشرة والمتفلجات للحسن المغيرات لخلق الله ، والواشمة هى التي تجرح البدن نقطا أو خطوطا فإذا جرى الدم حشته كحلا، فيأتي خيلانا وصورا فيتزين به النساء للرجال

ولقد جاءت امرأة إلى ابن مسعود تسأله عن النمص، فقال: “إن الله لعن النامصة في كتابه”، فرجعت وقرأت كتاب الله فلم تجد آية واحدة فيها ذكر للنمص ، فرجعت إليه وقالت: يا أبا عبد الرحمن، لقد قرأت كتاب الله بين دفتيه ولم أجد واحدة فيها ذكر للنمص .

فقال ابن مسعود: “ألم تقرأي قول الله: ( وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )، قالت: بلى، قال: ” فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلعن النامصة والمتنمصة”، فقالت له: يا أبا عبد الرحمن، إن زوجتك تنمص، فقال لها: “يا أم يعقوب، والله لو كان الأمر كما تقولين ما جامعناهن في البيوت” أي لا أجتمع معها تحت سقف واحد .

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “ لُعنت الواصلة والمستوصلة، والنامصة والمتنمصة، والواشمة والمستوشمة من غير داء”. رواه أبو داود ، والمتفلّجة هي التي تفلج أسنانها بالمبردِ ونحوه للتحسين، والواصلة التي تصل الشعر بشعر نساء أو دواب، والمستوصلة المعمول بها ذلك، والنامصة التي تنقش الحاجب حتى ترفعه .

وأما عن المذاهب، فقد ذهب الحنفية إلى أن المرأة إذا أخذت شيئا من حاجبيها تتزين لزوجها فإن ذلك جائز، وحملوا المنع والتحريم المستفاد، من اللعن في الحديث، على من تفعل ذلك لتتزين للأجانب .

وقال ابن عابدين: لعل الحديث محمول على ما إذا فعلته لتتزين للأجانب، وإلا فلو كان في وجهها شعر ينفر زوجها عنها بسببه، ففي تحريم إزالته بُعد، لأن الزينة للنساء مطلوبة للتحسين، إلا أن يحمل على ما لا ضرورة إليه لما في نتفه بالمنماص من الإيذاء .

والمعتمد عند مذهب المالكية، هو جواز حلق شعر المرأة ما عدا شعر رأسها، ومن ذلك النمص، وحملوا الحديث على المرأة المنهية عن استعمال ما هو زينة لها كالمتوفى عنها زوجها، والمفقود زوجها.

وذهب الشافعية إلى جواز الأخذ من الحاجب المحسّن للمرأة إذا كان بإذن زوجها ، ولكن قال النووي من أئمة الشافعية في شرح الحديث: هذا الفعل حرام إلا إذا نبتت للمرأة لحية أو شوارب فلا تحرم إزالتها بل تستحب.

ومن هذا يظهر أن الكل متفق على أن ظاهر الحديث يفيد الحرمة، إلا أن جمهور الفقهاء أوّلوا الظاهر بأن المراد التدليس، أو أنه تزين للأجانب، أو أن النهي للمرأة المتوفى عنها زوجها أو زوجة المفقود.

وإنما يستثنى من الحرمة ما كان له سبب مشروع كإزالة شين من وجه المرأة كثخانة الحاجب حتى يشبه حاجب الرجال، فتزيل منه بقدر ما يرفع التشبه، أو كان متصلا فيشبه حاجب بعض الرجال، وهو لافت للنظر، ومنفر للزوج، فتزيل القدر الذي يصل بين الحاجبين .

أو كان الحاجب غير مستو خلقة، فتصلح منه ما يزيل اعوجاجه مثلا أو تجري عملية لتعديله إن احتاج لذلك، وكذا إن كان شعر الحاجب متناثرا غير متناسق، فتزيل ما تناثر منه، وعلى العموم كل ما كان شينا أو لافتا للنظر أو جالبا للحرج، فيسوّغ للمرأة أن تأخذ من حاجبها بقدره.

وفى النهايه من أخذت برأي الجمهور فعليها ألا تظهره أمام الأجانب من الرجال، لأن الفقهاء اعتبروه من الزينة التي لا تجوز إلا للزوج، فنص الحنفية والشافعية على أنه زينة للزوج وحديث السيده عائشة رضي الله عنه السابق روايته عند مسلم يشير إلى أن الزينة إنما هي للزوج، فعلى المرأة أن تخفيه بنقابها أو حجابها .

ويجب علينا جميعا أن نعلم أنه مطلب شرعي تأثم المرأة إن قصرت فيه، إلا أنه لابد أن يترسخ في يقين المسلمات أن من تركت شيئا لله عوضها الله خيرا منه، ومن تعففت عن زينة محرمة رزقها الله عوضا عاجلا أو آجلا.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *