Share Button

إعداد / محمــــد الدكـــرورى

حاتم الطائي هو شاعر جاهلي، وفارس جواد يضرب المثل بجوده، كان من أهل نجد، وزار الشام فتزوج من ماوية بنت حجر الغسانية، ومات في عوارض، وهو جبل في بلاد طيء من قبيلة طيء ويعتبر أشهر العرب بالكرم والشهامة ويعد مضرب المثل في الجود والكرم، وقد سكن وقومه في بلاد الجبلين، وهما أجا وسلمى، التي تسمى الآن منطقة حائل، وتقع شمال السعودية، وتوجد بقايا أطلال قصره وقبره وموقدته الشهيرة في بلدة توارن في حائل، وله ديوان واحد في الشعر، ويكنى حاتم أبا سفانة وأبا عدي .

وقد أدركت سفانة وعدي الأسلام فأسلما، وامه عتبة بنت عفيف بن عمرو بن أخزم، وكانت ذا يسار وسخاء، وقد حجر عليها أخوتها ومنعوها مالها خوفا من التبذير، ونشأ ابنها حاتم على غرارها بالجود والكرم، وحاتم الطائي هو حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امرؤ القيس بن عدي بن أقزم بن أبي أخزم، وكان يُسمى أيضاً هزومة بن ربيعة بن جرول بن تعل بن عمرو بن الغوث بن طيء، وورد عن يعقوب بن السكيت وأنه سمي بهذا الاسم لأنه شُج أو شجّ،

وأن جده الأكبر طيء كان اسمه جَلهَمّة بن أدر بن زيد بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وقد سُمي بهذا الاسم لأنه كان أول من طوى المناهل، وكان حاتم الطائي يكنّى بكنيتيّن هما: أبو سفّانة تيمّناً باسم ابنته سفّانة التي كانت أكبر أولاده، أما كنيّته الثانية فكانت أبا عدي نسبة لابنه عدي، وقد شهدا عدي وسفّانة الإسلام وأسلما، وكان حاتم من شعراء العرب وكان جواد يشبه شعره جوده ويصدق قوله فعله وكان حيثما نزل عرف منزله مظفر وإذا قاتل غلب وإذا غنم أنهب وإذا سئل وهب وإذا ضرب بالقداح فاز وإذا سابق سبق .

وإذا أسر أطلق وكان يقسم بالله أن لايقتل واحد أو أمه وفى الشهر الأصم وهو شهر رجب، وكانت مضر تعظمه في الجاهلية ينحر في كل يوم عشرا من الأبل فأطعم الناس واجتمعوا اليه، وقد تزوج حاتم الطائي مرتين في حياته، وهما: الأولى من امرأة تدعى نوّار، أما زوجته الثانية فكانت ماوية بنت عفزر، وكانت ملكة من ملكات الحيرة تقرر الزواج بمَن تشاء من الرجال، ولقد تقدّم لخطبتها ثلاثة من الشعراء، وهم: حاتم الطائي، والنابغة الذبياني، والنبيتي، فطلبت منهم ماوية العودة إلى رحالهم .

وأن يقوم كل واحد منهم بنظم أبيات من الشعر يبين فيها أفعاله ومكانته بين قومه، وأنها تنوي الزواج بأفضلهم شعرا وأكثرهم كرماً، ولما خرجوا من عندها ذبح كل منهم بعيرا سمينا، ثم لحقت بهم ماوية بعد أن قامت بتغيير هيئتها وتنكّرت بزي خادمة لها، وجعلت من نفسها سائلة تطلب طعاماً، فبدأت بالشاعر النبيتي تسأله شيئا من ذبيحته، فأعطاها الرديء منها، وفعل معها نفس الصنيع الشاعر النابغة، وعندما وصلت حاتماً سألته أن يجود عليها من ذبيحته فأعطاها جزءا من أجودها.

ثم غادرت المكان عائدة إلى خيمتها وأرسلت في طلبهم، وعندما حضروا طلبت منهم إلقاء الشعر الذي نظموه، ثمّ طلبت تقديم الطعام للشعراء الثلاثة بعد أن اتفقت مسبقا مع جارية لها أن تقدّم لكل شاعر ما أطعمها إياه، فلما رأى النابغة والنبيتي ذلك خجلا من فعلتهما وتسللا مسرعين إلى الخارج، وهنا قالت ماوية لحاتم إنه أكرمهم لهذا ستتزوجه بشرط أن يطلق زوجته، وعندما رفض تزوّجته بعد وفاة زوجته، ورزق منها ولده عديّ، وقد قامت ماوية بإعلان الطلاق على حاتم بعد فترة من الزمن من زواجهما.

حيث ضاقت ذرعا بتبذيره الزائد في إكرام الناس وعدم انتباهه لأطفاله ومستقبلهم، وأخفقت محاولاتها في ثنيه عن الإفراط في هذا الأمر، وكان قرار ماوية بالانفصال عن حاتم بتحريض من ابن عمّه مالك الذي وعدها بالزواج منه إذا انفصلت عن حاتم على وعد منه أن يقوم بتأمين ما يلزمها ويلزم أطفالها، وكانت النساء في الجاهلية إذا عقدن العزم على تطليق أزواجهن يقمن بتغيير جهة الخباء الذي يسكن فيه، فإذا كان من الجهة الشرقية يحولنه إلى الجهة الغربية، وإن كان من جهة اليمن يحولنه جهة بلاد الشام.

وعندما يلاحظ الزوج ذلك يعرف أنّ زوجته قد طلقته فلا يقترب من مخبئها، وهذا ما حدث مع حاتم الطائي وزوجته ماوية، وقيل إنّ حاتماً رزق منها ولده عدي، وذكرت مصادر أخرى أنّ أولاده الثلاثة، وهم: عدي وعبدالله وسفّانة من زوجته النوّار، وقد تعاقب نسل حاتم من بعده؛ فقد رزق ابنه عبدالله بالبنين بينما لم يرزق ابنه عدي بأحدٍ من الذكور، فكان حاتم الطائي هو من شعراء العرب الجاهليين، والذي عُرف بفطرته السليمة الخيّرة التي تتصف بالفضائل الحميدة، وهذا ما جعله موضع احترام الناس ومحبتهم في العصر الجاهلي.

وعندما جاء الإسلام شهد له بهذه الفضائل وأقرّها، مما جعله يحظى بالذكر الطيب والسيرة الحسنة، فكان مثالاً للابن الصالح، والأخ الجيّد، والصاحب الوفيّ، والجار الحسن، وتمثّلت هذه الفضائل في صفات عدّة كان منها: نصرة الضعيف، ومساعدة الفقير، وإطلاق سراح الأسير والتفريج عن كربته، والالتزام بالعهد وصون الأهل والدفاع عن حرماتهم وأعراضهم، ومراعاة حرمة الجار، وقد جسّد حاتم الطائي هذه الأخلاق التي كان يتحلى بها من خلال قصائده الشعريّة التي زخر بها ديوانه بصور مختلفة ونماذج بلاغيّة شتى.

وكان مولد حاتم الطائي في العصر الجاهلي قبل ولادة النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يُعرف العام الذي ولد فيه، وقد نشأ وترعرع في منطقة نجد الواقعة في اليمن حيث كانت تسكن قبيلته طيىء في مكانٍ يُقال له تُنغّة، وهو عبارة عن مورد مائي يقع في وادي حائل الممتد من الجهة الشرقية الشمالية من جبل أجا، ونشأ حاتم الطائي برعاية والدته التي كانت تدعى عتبة ابنة عفيف بن عمرو بن امرؤ القيس بن عدي بن أخزم، وقيل إنّها كانت ميسورة الحال وقد ورث حاتم عنها السخاء المفرط الذي عُرفت به.

فكان حالها كحال ابنها حاتم لا تدّخر مالا ولا ترد محتاجا، ومن المواقف لحاتم الطائي وهو اسره لدى بكر، أن قالت له امرأة من عنزة بن ربيعه : قم افصد لنا هذه الناقة، فقام حاتم ونحر الناقة بدلاً من فصدها، فذهلت المرأة واسمها عالية العنزيه التي تزوجها فيما بعد وانجبت له شبيب على حد ذكر ابن الاثير، وقد أقترن الكرم والجود والسخاء بحاتم الطائى، ونرى ذلك عند نقاشه مع والده عندما قدم لضيوفه كل الأبل التي كان يرعاها وهو يجهل هويتهم وعندما تعرفهم كانوا شعراء ثلاثة عبيد بن الأبرص وبشر بن أبي خازم .

والنابغة الذبياني وكانت وجهتهم النعمان فسألوه القرى فنحر لهم ثلاثه من الأبل فقال عبيد :أنما أردنا بالقرى اللبن وكانت تكفينا بكره إذ كنت لابد متكلفا لنا شيئا، فقال حاتم: قد عرفت ولكنى رأيت وجوها مختلفة وألوانا متفرقة فطننت أن البلدان غير واحدة فأردت أن يذكر كل واحد منكم مارأى إذا أتى قومه فقالوا فيه أشعارا امتدحوه بها وذكروا فضله فقال حاتم: أردت أن أحسن اليكم فصار لكم الفضل علي وأنا أعاهد أن أضرب عراقيب ابلى عن أخرها أوتقوموا اليها فتقسموها ففعلو فأصاب الرجل تسعه وثلاثون ومضوا إلى النعمان.

وان أبا حاتم سمع بما فعل فأتاه فقال له اين الأبل ؟ فقال حاتم :يا أبت طوقتك بها طوق الحمامة مجد الدهر وكرما لا يزال الرجل يحمل بيت شعر اثنى به علينا عوضا من ابلك، فلما سمع أبوه ذلك قال: أيا أبلى فعلت ذلك؟ فقال: نعم، فقال: والله لا أساكنك ابدا فخرج أبوه بأهله وترك حاتما ومعه جاريته وفرسه وفلوها، وكانت هناك حادثة مشهورة قيل ان أحد قياصرة الروم بلغته أخبار جود حاتم فأستغربها فبلغه أن لحاتم فرسا من كرام الخيل عزيزة عنده فأرسل اليه بعض حجابه يطلبون الفرس.

فلما دخل الحاجب دار حاتم أستقبله أحسن أستقبال ورحب به وهو لايعلم أنه حاجب القيصر وكانت المواشى في المرعى فلم يجد اليها سبيلا لقرى ضيفه فنحر الفرس وأضرم النار ثم دخل إلى ضيفه يحادثه فأعلمه أنه رسول القيصر قد حضر يستميحه الفرس فساء ذلك حاتم وقال :هل أعلمتني قبل الآن فأنى فد نحرتها لك إذا لم أجد جزورا غيرها فعجب الرسول من سخائه وقال: والله لقد رأينا منك أكثر مما سمعنا، وقد ورث حاتم الطائي العزّة والإباء والشهامة من أبيه الذي عُرف بنسبه وأصله الرفيع الذي كان موصولاً بيعرب بن قحطان.

وأما أخواله فقد ورث عنهم حب العطاء والسخاء، وكان حاتم ظاهرة في الكرم العربي الأصيل ورمزاً للعطاء والسخاء، وكان المثل الأعلى لمكارم الأخلاق، فهو لم يكن كريماً وجواداً في ماله فحسب وإنما جسد كرمه في أخلاقه وسلوكه، فكان عفيفاً طاهرا دائم الدعوة إلى فضائل الأخلاق التي اتصف بها، ومنها: المروءة والشهامة ونجدة الملهوف، وكان محافظا على حسن الجوار مع جيرانه، ومحافظا أيضا على حرمة المرأة وكرامتها؛ فلا يطرق بابها ليلاً ولا يتسلل إلى مخدعها سرا.

فكان كرمه بعيدا عن رذائل الأمور وفواحش التبذير، فالمال عنده له طرق يصرف به، وكان يجد في أفعاله الكريمة هذه عزاءه وراحته بعد موته وذلك من خلال الذكّر الحسن بين الناس، وقيل أن حاتما توفي بعد ولادة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بثماني سنوات، وظهر قولان آخران اختلفا مع هذا القول، حيث ذكر القول الأول أن حاتما توفي عام 506 ميلادي، بينما ورد عن القول الثاني أنّ حاتما توفي في عام 575 ميلادي، وكان قد دفن في منطقة جبلية تدعى عوارض تقع في بلاد طيىء بعد أن عاش ما يقارب الستين عاما.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *