Share Button

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

إن من سعادة المرء في الدنيا أن تكون زوجته صالحة، وأن تكون زوجته مؤمنة كإيمانه، سابقة إلى الإسلام كسبقه، ومحبة لله كحبه، وطائعة لله كطاعته، وعبادة كعبادته ، ولذلك أي رجل يهمل تعليم زوجته حقائق الدين وآيات القرآن الكريم يدفع الثمن باهظًا من سعادته الزوجية، وليس أشقى في الحياة من أن تكون أنت في واد وزوجتك في واد آخر، فأجمل البيوت الإسلامية ما كان فيها توافق بين الزوجين، لأن الزوجة من أجل أن تقضي منها الوطر، فهذا شيء يخف بريقه مع الأيام، لذلك فعن أبى هريره رضى الله عنه، عن النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.

قال ” تنكح المرأه لأربع لمابها ولحسبها ولجمالها ولدينها فأظفر بذات الدين تربت يداك” رواه مسلم، وذلك لأنها تسعد زوجها، أما ذات الدنيا تمتعه ولا أقول تسعده، فهى تمتعه إلى حين، فأسعد المؤمنين من كانت زوجته على شاكلته، وعليه أن يجتهد في ترسيخ الإيمان في قلبها، وإن الصحابة الكرام دفعوا ثمن هذا الإسلام باهظاً، حتى وصل إلينا، وقد دفعوا من راحتهم في الدنيا، وقد دفعوا من طمأنينتهم، وقد دفعوا من مستوى معيشتهم، وقد دفعوا من حبهم لأوطانهم ، فكل هذا ضحوا به من أجل أن ينتشر الإسلام، ولما اشتد عليهما الأذى، وأذن النبي صلى الله عليه وسلم، لأصحابه بالهجرة إلى الحبشة.

وكان عبد الله وأم سلمة من طليعة المهاجرين، وكانت أم سلمة من علية القوم، حينما مضت مع زوجها إلى الحبشة خلفت وراءها بيتًا باذخاً، وعزاً شامخاً ، ونسبا عريقا، محتسبة ذلك كله عند الله، مستقلة ذلك في جنب الله، وهناك زواج في الإسلام لا يقصد منه المتعة إطلاقاً، زواج شهامة، زواج مروءة، حتى تقدم منها أبو بكر الصديق يخطبها لنفسه، فلا قريب لها، ولا معيل، وأولادها صغار، ولا أحد يدخل عليها، فأبت أن تستجيب له، ورفضت، ثم تقدم منها عمر بن الخطاب، فردَّته كما ردت صاحبه، ولنا وقفه مع قول النبى الكريم صلى الله عليه وسلم .

” أول من يمسك بحلق الجنة أنا، فإذا امرأة تنازعني تريد أن تدخل الجنة قبلي، قلت: من هذه يا جبريل؟ قال: هذه امرأة مات زوجها، وترك لها أولادًا، فأبت الزواج من أجلهم ” وأن أم سلمة هذه الصحابية الجليلة لم ترفض طلبَ أبي بكر رضي الله عنه، ولا طلب عمر رضي الله، إلا وفاء منها لزوجها أبو سلمه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفكر في أمر تلك المرأة الكريمة، المؤمنة الصادقة، الوفية الصابرة ، فتقدم لها وتزوجها مكافأة ومواساة لها ،ورعاية لأبنائها، تقول السيده أم سلمة رضي الله عنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول .

” ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله، إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها إلا أخلف الله له خيراً منها ، فلما مات أبو سلمة قلت : أي المسلمين خير من أبي سلمة ؟ أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم إني قلتها ، فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت: أرسل إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطب بن أبي بلتعة يخطبني له ، فقلت: إني كبيرة السنّ ، وأنا غيور، أي تغار من ضرائرها من النساء، وذات عيال ، فقال صلى الله عليه وسلم : أنا أكبر منك ، وأما الغيرة فيذهبها الله عز وجل، وأما العيال فإلى الله ورسوله” رواه مسلم

فتزوّجها النبي صلى الله عليه وسلم في شوال سنة أربع من الهجرة، وقد أخذت أم سلمة حظاً وافرا من أنوار النبوّة وعلومها ، حتى غدت ممن يُشار إليها بالبنان فقها وعلما ، بل كان الصحابة يفدون إليها ويستفتونها في العديد من المسائل، ويحتكمون إليها عند الاختلاف، ومن ذلك أن أبا هريرة وابن عباس رضى الله عنهما، قد اختلفا في عدة المتوفى عنها زوجها إذا وضعت حملها، فقال أبو هريرة : لها أن تتزوج ، وقال ابن عباس : بل تعتدّ أبعد الأجلين، فبعثوا إلى السيده أم سلمة فقضت بصحة رأي أبي هريرة رضي الله عنهم.

وقد تميزت السيده أم سلمة برجاحة عقلها وسدادة رأيها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ بمشورتها كما كان يأخذ بمشورة كافة نسائه، ولعل أشهر ما نصحته به هو بعد صلح الحديبية بعد أن اعترض عدد كبير من المسلمين على بنود الصلح، فأشارت عليه أن يخرج إليهم ولا يكلم أحدا منهم حتى يحلق وينحر، وعندما رأى المسلمون ما يفعله الرسول عليه الصلاة والسلام قاموا بفعل نفس الشيء مثله، وكانت رضي الله عنها، من النساء العاقلات الناضجات ، يشهد لهذا ما حدث يوم الحديبية ، بعد كتابة الصلح، حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالتحلل من نسكهم.

وحثّهم على النحر ثم الحلق، فشقّ ذلك على الصحابة الكرام ، ولم يفعلوا ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سلمة مغضباً ، فذكر لها ما كان من أمر المسلمين وإعراضهم عن أمره ، ففطنت رضي الله عنها، إلى سبب إعراضهم وعدم امتثالهم ، فقالت للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله أتحب أن يمتثلوا لأمرك ؟ اخرج فلا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بدنتك وتدعو حالقك فيحلقك ، فقام وخرج ، ولم يكلم أحداً حتى نحر بدنته ودعا حالقه فحلقه ، فلما رأى الناس ذلك قاموا فنحروا فجعل بعضهم يحلق بعضا.

وقال الإمام ابن حجر، وإشارتها على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية تدل على وفور عقلها وصواب رأيها، وفي شهر ذي القعدة من العام التاسع والخمسين للهجرة أسلمت روحها الطاهرة إلى خالقها، وقيل أنها كانت قد بلغت من العمر أربعاً وثمانين سنة، حين بلغها مقتل الحسين ، فوجَمت لذلك ، وحَزِنت عليه كثيرا، و غُشي عليها ، ولم تلبث بعده إلا يسيراً ، فكانت آخر أمهات المؤمنين موتاً ، ويختلف العلماء في العام الذي توفيت فيه أم سلمة ولكن المرجح أنها توفيت في الفترة بين العام الثامن والخمسين للهجرة

والعام الثاني والستين للهجرة في أحد أيام شهر ذو القعدة، ويتراوح عمرها بعد وفاتها بين تسعه وثمانين عاماً وما بين ثلاثه وتسعين عاما، ومن المعروف أيضا أنها كانت آخر زوجة من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم التي بقيت على قيد الحياة، وأثناء مرضها أوصت من حولها أن الذي سيصلي عليها هو سعيد بن زيد ولكنها شفيت من مرضها وتوفي سعيد بن زيد قبلها، بعد وفاتها دفنت في البقيع مع باقي أمهات المؤمنين، فرضي الله عنها ، وعن جميع أمهات المؤمنين .

L’image contient peut-être : arbre, herbe, plante, plein air et nature
Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *