Share Button

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

وقد كان أول ما يبرز من ملامح السيدة خديجة رضى الله عنها، هى الشخصيه العظيمه، وبها صفتي العفة والطهارة، وهاتان الصفتان التي قلما تسمع عن مثلهما في بيئة لا تعرف حراما ولا حلالا، وفي بيئة تفشت فيها الفاحشة حتى كان البغايا يضعن شارات حمراء تنبئ بمكانهن، وفي ذات هذه البيئة، ومن بين نسائها انتزعت هذه المرأة العظيمة هذا اللقب الشريف، ولقبت بالطاهرة، كما لُقب النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أيضا في ذات البيئة بالصادق الأمين، ولو كان لهذه الألقاب انتشار في هذا المجتمع آنذاك، لما كان لذكرها ونسبتها لأشخاص بعينهم أهمية تذكر.

وتلك هي السمة الثانية التي تميز بها شخص السيدة خديجة رضي الله عنها، فكل المصادر التي تكلمت عن السيدة خديجة رضي الله عنها، قد وصفتها بالحزم والعقل، كيف لا وقد تجلت مظاهر حكمتها وعقلانيتها منذ أن استعانت به صلى الله عليه وسلم، في أمور تجارتها، وكانت قد عرفت عنه الصدق والأمانة، ثم كان ما جاء في أبلغ صور الحكمة، وذلك حينما فكرت في الزواج منه صلى الله عليه وسلم،، بل وحينما عرضت الزواج عليه في صورة تحفظ ماء الوجه، إذ أرسلت السيدة نفيسة بنت منية دسيسا عليه بعد أن رجع من الشام، ليظهر وكأنه هو الذي أرادها وطلب منها أن يتزوجها.

ونرى منها بعد زواجها كمال الحكمة وكمال رجاحة العقل، فها هي تستقبل أمر الوحي الأول بعقلانية قلَ أن نجدها في مثل هذه الأحوال بالذات، فقد رفضت أن تفسِّر الأمر بخزعبلات أو أوهام، بل استنتجت بعقليتها الفذة وحكمتها التي ناطحت السحاب يوم ذاك أن الله لن يخزيه، ثم أخذته إلى ورقة بن نوفل ليدركا الأمر، وهذه طريقة عقلانية منطقية بدأت بالمقدمات وانتهت بالنتائج المترتبة على هذه المقدمات، فيا لها من عاقلة، ويا لها من حكيمة، وقد عُرف النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بأفضل الاخلاق وأكرمها، وحين علمت السيدة خديجة رضي الله عنها، بصدقه وأمانته وفطنته.

فقد أرسلت إليه وعرضت عليه خروجه للتجارة بمالها، على أن تُعطيه أفضل مما تعطي غيره، فقبل الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم،، وخرج تاجرا بمالها، وحين عودتهم من رحلة التجارة أخبرها غلامها بما رأى من الرسول من كرم الأخلاق وحُسنها، كما أنها رأت أمانة وبركة في أموالها لم ترها من قبل، فأدركت أنه الزوج المناسب لها، وأخبرت صديقتها نفيسة بنت منيّة بما وقع في نفسها تجاه الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فذهبت نفيسة إلى الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، تَعرض عليه الزواج من خديجة، فقَبل، وأخبر أعمامه بالأمر، وتقدموا بخِطبة خديجة له من عمّها.

وتم العقد بينهما بحضور بني هاشم ورؤساء مضر، وكان ذلك بعد رحلة التجارة إلى الشام بشهرين، وكانت السيدة خديجة قد بلغت من العمر أربعين سنة، وبذلك كانت أول امرأة تزوجها النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يتزوج عليها امرأة أخرى إلى أن توفيت، وقد أنجبت السيدة خديجة من النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ولده القاسم، وقد كُنّي به، وعبد الله، الملّقب بالطيب الطاهر، وقد توفيا صغارا قبل الاسلام، ومن البنات: زينب، ورقيّة، وفاطمة، وأمّ كلثوم، وقد أدركن الاسلام، فأسلمن، وهاجرن مع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وتوفين قبل وفاته، إلّا فاطمة، فقد توفيت بعده بستة أشهر.

وكانت السيدة خديجة رضي الله عنها، أم المؤمنين، والزوجة الصالحة الكريمة، فحظيت بوصف الله تعالى، لها ولغيرها من زوجات النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، في كتابه بأمهات المؤمنين، فقال تعالى ( النبى أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم ) وقد سكنت مع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، في مكة المكرمة، في بيت متواضع كسائر البيوت، ولم يتميّز عن غيره، وسعت لتهيئة الراحة والسعادة للنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم،، ولم تُكلف خدما للقيام بأمورهما، بل كانت تخدمه بكل سعادة ورضى، ورُوي أنها لم تخرج عن أمره قطّ، ولم تخالف كلمته.

فكان قلبها محبا له مُعينا مُطيعا، وكانت حسنة الوُدّ والخُلق في تعاملها معه، فكانت سيدة بيت النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، قبل وبعد بعثته، إذ كان بيتها بيت إسلامٍ حين مبعث النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وكانت السيدة خديجة أول من آمن بالله عز وجل، وبرسالة النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فقد صدّقت بما جاء به من عند ربه، فآمنت به وآزرته، وخفّفت عنه ما ألمّ به، ومن المواقف الشاهدة على ذلك، وقوفها إلى جانبه ومؤازرته حين نزل عليه الوحي أول مرة بواسطة جبريل عليه السلام، وأخبرها بما رأى في غار حراء، فكانت السيدة خديجة رضي الله عنها.

فقد ألقى الله في قلبها صفاء الروح، ونور الإيمان، والاستعداد لتقبل الحق، فحين نزل على رسول الله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، في غار حراء ( اقرأ باسم ربك الذى خلق ) رجع ترجف بوادره وضلوعه، حتى دخل على السيدة خديجة فقال:” زملوني زملوني” ، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، وهنا قال لخديجة رضي الله عنها: ” أَي خديجة، ما لي لقد خشيت على نفسي” وأخبرها الخبر، فردت عليه السيدة خديجة رضي الله عنها، بما يطيِّب من خاطره، ويهدئ من روعه فقالت: “كلا أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدا، فوالله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكلَّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف.

على نوائب الحق” ثم انطلقت به رضي الله عنها حتى أتت به ورقة بن نوفل وهو ابن عم السيدة خديجة رضي الله عنها، وكان امرأ تنصَّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربي، ويكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فأخبره النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، خبر ما رأى، فأعلمه ورقة أن هذا هو الناموس الذي أُنزل على موسى عليه السلام، ومن ثمَّ كانت السيدة خديجة رضي الله عنها، أول من آمن بالله ورسوله وصدَّق بما جاء به، فخفف الله بذلك عن رسول الله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وكان لا يسمع شيئا يكرهه من رد عليه وتكذيب له فيحزنه إلا فرَج الله عنه بها.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا رجع إليها تثبته وتخفف عنه وتصدقه وتهوِّن عليه أمر الناس، وكانت السيدة خديجة رضي الله عنها نِعم الزوجة في كل المواقف التي تعرض لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخففت عن المسلمين ما أصابهم من المحن والابتلاءات، وخاصة ما حلّ بهم من مقاطعة قريش لبني هاشم وبني عبد المطلب، بعدم تزويجهم أو الزواج منهم، وعدم بيعهم أو الشراء منهم، وعدم الرأفة بهم أو قبول الصُلح منهم، وقد استمرت المقاطعة مدة ثلاث سنوات، وقد تحملت السيدة خديجة ذلك، وصبرت مع زوجها وساندته في ذلك، وعملت على تأمين الطعام للمسلمين المحاصرين في الشعب بمعاونة ابن أخيها حكيم بن حزام، إذ كان يُرسل الطعام إلى عمته ليلا.L’image contient peut-être : plein air et nature

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *