Share Button

بقلم / محمـــــد الدكـــــرورى

لقد جعل ديننا مقام العفو والصفح والتسامح والمغفرة من أفضل الأخلاق ، والعفو عن الناس ومغفرة أخطائهم سبيل أهل الإيمان والصلاح ، وهو دليل العقل والحلم والهدوء ورباطة الجأش والشجاعة ، فمن أحب أن يغفر الله له ، فليغفر للناس، ومن أحب أن يعفو الله عنه فليعف عن الناس، والجزاء من جنس العمل.

وهل تعلم أخى الكريم من هم الذين أجرهم على الله يوم القيامه ؟ وهل تعلم الثواب الذى أعده الله عز وجل لمن كان أجره عليه سبحانه وتعالى ، فلنعلم جميعا هذا الموقف العظيم ولنفكر فيه جيدا فيقول النبى الكريم صلى الله عليه وسلم ” إذا وقف العباد للحساب ، جاء قوم واضعي سيوفهم على رقابهم تقطر دما ، فازدحموا على باب الجنة ، فقيل : من هؤلاء ؟

قال : الشهداء كانوا أحياء مرزوقين، ثم نادى مناد : ليقم من أجره على الله فليدخل الجنة ، ثم نادى الثانية : ليقم من أجره على الله فليدخل الجنة ، قال : و من ذا الذي أجره على الله ؟ قال : العافون عن الناس ، ثم نادى الثالثة : ليقم من أجره على الله فليدخل الجنة ، فقام كذا و كذا ألفا فدخلوها بغير حساب ” .

ومن هنا نفهم من الحديث أن العفو ثوابه الجنه ويجب أن نعلم أن العفو عن الناس والصفح دليل على كمال الرجولة والمروءة، وعنوان سلامة الصدر من الغش والحقد والحسد والضغينة، وأما الانتصار للنفس والتشفي والانتقام فهو دليل ضعف النفس، وحب الذات والغلظة والفضاضة، وقسوة القلب وضيق العطن، فالمنتقم عدو عقله، يغضب لأتفه سبب، ويجلب لنفسه العداوات والكدر، والاضطراب والقلق، بل والوهن في جسده .

ويقول الله عز وجل ﴿ فمن عفا وأصلح فأجره على الله﴾ والعفو هنا بجب أن يصلح لا يفسد، يقوم ولا يهدم، ويصفي ويطهر لا يشقي ويدمر، بمعنى أن العفو مقيد بالإصلاح، بحيث لا يتمادى المسيء في إساءته، ولنعلم جميعا أن ديننا ليس أقوالاً نرددها، أو شعارات نعلنها ثم لا نطبق منها في الواقع إلا ما تمليه علينا أهواؤنا وتشتهيه أنفسنا .

ولكن ديننا هو قيم نعتنقها قولا وعملا ، ومبادئ نتمسك بها سرا وعلنا، وأصول ننطلق منها لإصلاح أنفسنا، ومنهج متكامل نعامل به مَن حولنا، فما شرعت الشرائع إلا لتُطبق ويُلتزم بها، ولا أنزل الدين إلا لتطهير الباطن وتغيير الظاهر .

وعندما تعفو عن أحَد يجب أن تصلحه فتبرئه مما هو فيه ، أي: تعالجه، وتقربه من ربه، وتحببه في دينه، وتحتسب عند الله أجرك، بعيدا عن الغل والحقد وحب الانتقام ، ولكن الطائش المستبد المتعالي يجب أن يوقف عند حده، وإلا دمر كل شئ ، وكم مررت على بساتين العفو في نفوس أهل العفو، يبتغون بها أجرا من الله .

ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إذا كان يوم القيامة أمر الله مناديا ينادي : ألا ليقم من كان له على الله أجر فلا يقوم إلا من عفا في الدنيا فذلك قوله : فمن عفا وأصلح فأجره على الله . أو يقول أيضا ” إذا كان يوم القيامة نادى مناد : من كان له على الله أجر فليقم فيقوم عنق كثير فيقال لهم : ما أجركم على الله؟ فيقولون : نحن الذين عفونا عمن ظلمنا . وذلك قول الله : فمن عفا وأصلح فأجره على الله فيقال لهم : ادخلوا الجنة بإذن الله .

وفى حديث آخر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن أول مناد من عند الله يقول : أين الذين أجرهم على الله؟ فيقوم من عفا في الدنيا فيقول الله ، أنتم الذين عفوتم لي بوأتكم الجنة أو قال : ثوابكم الجنة ” ويقول أيضا صلى الله عليه وسلم ” إذا كان يوم القيامة صرخ صارخ ألا من كان له على الله حق فليقم . فيقوم من عفا وأصلح ” .

وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ينادي مناد يوم القيامة : لا يقوم اليوم أحد إلا من له عند الله يد ، فتقول الخلائق : سبحانك بل لك اليد فيقول : بلى من عفا في الدنيا بعد قدرة “. وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” قال موسى بن عمران : يا رب من أعز عبادك عندك؟ قال : من إذا قدر غفر .

وعن أبي هريرة أن رجلا شتم أبا بكر والنبي صلى الله عليه وسلم جالس فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعجب ويبتسم فلما أكثر رد عليه بعض قوله فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقام فلحقه أبو بكر فقال يا رسول الله كان يشتمني وأنت جالس فلما رددت عليه بعض قوله غضبت وقمت .

قال : إنه كان معك ملك يرد عنك فلما رددت عليه بعض قوله وقع الشيطان فلم أكن لأقعد مع الشيطان ، ثم قال : يا أبا بكر ثلاث كلهن حق ما من عبد ظلم بمظلمة فيغضي عنها لله إلا أعز الله بها نصره وما فتح رجل باب عطية يريد بها صلة إلا زاده الله بها كثرة وما فتح رجل باب مسألة يريد بها كثرة إلا زاده الله بها قلة ” رواه أبو داود .

وعن أنس قال بينما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالس، إذ رأيناه ضحك، حتى بدت ثناياه، فقال عمر: ما أضحكك يا رسول الله بأبي أنت وأمي؟ قال: ” رجلان جثيا بين يدي رب العزة عز وجل، فقال أحدهما: خذ لي بمظلمتي من أخي، قال الله: أعط أخاك مظلمتَه، قال: يا رب، لم يبقَ من حسناتي شيء، فقال الله تعالى للطالب: كيف تصنع بأخيك، ولم يبق من حسناته شيء؟ قال: يا رب، فيَحمل من أوزاري ” .

ففاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبكاء، ثم قال: ” إن ذاك ليوم عظيم، يحتاج فيه الناس إلى أن يحمل عنهم من أوزارهم، فقال الله عز وجل للطالب: ارفع بصرك، فانظر في الجنان، فيرفع رأسه، فقال: أرى مدائن من فضة، وقُصورا من ذهب مكلله باللؤلؤ، لأة نبي هذا؟ لأي صديق هذا؟ لأي شهيد هذا؟

فقال عز وجل : هذا لِمن أعطاني الثَّمن، قال: يا رب، ومَن يمتلِك ثمنَ هذا؟ قال: أنت تملكُه، قال: بم؟ قال: بعفوك عن أخيك، قال: يا رب، فقد عفوت عنه، فيقول: خذ بيد أخيك، وأدخله الجنةَ “، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ” فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم؛ فإن الله يُصلح بين المُؤمنين يوم القيامة ” .

وأفضل أخلاق المؤمن هو العفو ، والعفو سبيل راحة البال وطيب العيش، وقال الفضيل بن عياض: إذا أتاك رجل يشكو رجلا، فقل: يا أخي، اعفُ عنه ، فإن العفو أقرب للتقوى، فإن قال: لا يحتمل قلبي العفو، ولكن أنتصر كما أمرني الله عز وجل .

فقل: فإن كنت تحسن تنتصر مثلا بمثل، وإلا فارجع إلى باب العفو ، فإنه باب أوسع ، فإنه من عفا وأصلح فأجره على الله، وصاحب العفو ينام الليل على فراشه، وصاحب الانتصار يقلب الأمور .

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *