Share Button

بقلم:

رافع آدم الهاشميّ

………

خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ للنَّاسِ كانت فَوَلَّتْ وَ ما مِن أُمَّةٍ بعدَها مثلما كانت تكون! لَقدِ استحالَتِ الدائرَةُ نقاطاً شَتَّى، وَ صارتِ الفوضى نظِاماً بلا نِظام! لقَد ماتَ الْمَلِكُ قبلَ أَن يولَدَ حَتَّى، وَ باتتْ رُقعَةُ الشطرنجِ بلاعبيها تَفرِضُ قوانينها اللعينة!

أُرَدِّدُ باستمرارٍ:

– لو كانَ مُستحيلاً ما صارَ مُمكِناً، إِنَّما هُوَ مِمكنٌ وَ قد ظنناهُ مُستحيلاً، فلمَّا اختبرناهُ عَلِمنا أَنَّهُ ممكنٌ أَسَماهُ الجاهلونَ بهِ مُستحيلاً.

وَ أَسأَلُ نفسيَ مِراراً:

– ما فائِدَةُ التأَليفِ وَ أَنا أُعاني الآلامَ بصمتٍ وَ الآخرونَ صُمٌّ عَميٌ لا يشعرونَ وَ لا يَفقهون؟!!!

– ما فائِدَةُ التأَليفِ وَ أَنا سَجينٌ مُقيَّدٌ بالأَغلالِ في أَرضٍ يَدَّعي جُلُّ حُكّامِها وَ مَحكوميها الإِسلامَ زوراً وَ بُهتاناً وَ الإِسلامُ الأَصيلُ مِنُهم بريءٌ جُملةً وَ تَفصيلاً؟!!!

– ما فائِدَةُ التأَليفِ وَ أَنا في أُمَّةٍ، المسلمونَ جُلُّهم فيها كافِرون، وَ الكافِرونَ كُلُّهم فيها مُسلمون؟!!!

لذا: أُفَكِّرُ جِديَّاً بحَرقِ جَميعِ مؤلّفاتيَ الورقيَّةِ المخطوطَةِ الجاهزةِ للطباعَةِ وَ الّتي تزيدُ أَعدادُها على عَشراتِ الْمُجلّداتِ ذاتِ القَطعِ الكَبير، معَ مَحوِ جَميعِ الحَقائقِ وَ الخفايا وَ الأَسرارِ وَ الكشوفاتِ الرَّبانيَّةِ الّتي تمتلئٌ بها مؤلّفاتيَ الإِلكترونيَّةُ الّتي تزيدُ أَعدادُها على مئاتِ الكُتُبِ الإِلكترونيَّةِ الْمُعَدَّةِ للتنقيحِ وَ التجهيزِ لطباعتها ورقيَّاً!

فأَصرخُ في الآفاقِ قائلاً:

ويلُكُم يا ذوي القُلوبِ الْمَيِّتةِ وَ يا أَصحابَ العُقولِ الغائبة! تتبجَّحونَ بقَصَصِ الأَجانبِ المزعومةِ على أَلسنتِهم هُنا وَ هُناك؛ لِتُظهِرونَ نُبلَ سلوكِهِم لأَفرادٍ مِن أَبناءِ شعبهِم كَما هُم يزعمونَ، فعلى فرضِ صِحَّةِ ِقصَّصِهم تلكَ، إِذا كانَ مُستَحِقُّ الشَيءِ طِفلاً عَربيَّاً مِن أَبناءِ أَفقَرِ عائِلَةٍ عَربيَّةٍ تموتُ جوعاً على قارِعَةِ طريقِ دولَةٍ عَربيَّةٍ بينَ الإِهمالِ وَ العَوَزِ وَ الحِرمانِ مِن جهَةٍ، وَ بينَ الصواريخِ وَ القَذائِفِ وَ الْمُتَفَجِّراتِ مِن جهةٍ أُخرى، فهَل سَلَكَ الأَجانِبُ سلوكَهُم المزعومُ ذاكَ نفسَهُ معَ طِفلِنا العَربيِّ المظلومِ هذا؟!!!

– ما لَكُم كيفَ تحكمون؟!!!!

وَ كأَنَّ سَيِّدَ الكائناتِ جَدِّيَ الْمُصطفى الحَبيب رُوحي لَهُ الفِداءُ ما كانَ يَوماً هُنا على هذهِ الأَرضِ الملعونةِ الّتي اِسمُها أَرضُ الجَربِ لا العَرب! كَي تبحثوا لَكُم عَن قُدوَةٍ سِواهُ لِتقتدوا بهِ دونهُ وَ دونَ أَصحابهِ الغُرِّ الميامينِ عَليهِمُ السَّلامُ جَميعاً وَ روحي لهمُ الفِداءُ.

لا أَزالُ أُكرِّرُ دُونَ انقطاعٍ:

– عارٌ على أُمَّةٍ تَقتُلُ مُبدعيها بالإِهمالِ وَ العَوَزِ وَ الحِرمانِ، وَ تتراكَضُ كالكِلابِ اللاهِثةِ لترجَمةِ وَ ترويجِ مؤلّفاتِ الآخرينَ الغُرباء!

لَيتَني كُنتُ حِماراً كبقيَّةِ الْحَميرِ؛ لا يعلمونَ شيئاً إِلَّا حملَهُم الأَسفارَ دُونَ أَن يفقهون! فما دُمنا نعيشُ في مُجتَمَعٍ غالبيِّتُهُ يَفتَقِدُ الثقةَ باللهِ وَ بنفسهِ أَيضاً، وَ يَضَعُ مقاليدَ آخرتهِ وَ دُنياهُ في أَيدي سُفهاءِ الدِّينِ كهنةُ المعابدِ الْمُتأَسلمينَ لا الْمُسلمينَ، جاعِلاً مِنهُ خروفاً مُطيعاً لَهُم بأَدنى مُستوياتِ الطاعةِ العَمياءِ، فسَنرى المزيدَ مِنَ الاِنحِطاطِ الأَخلاقيِّ الْمُشينِ، وَ سَنشهَدُ المزيدَ مِنَ الفسادِ وَ الإِفسادِ في البلادِ وَ العِبادِ على حَدٍّ سواءٍ!

أَن أَكونَ إِنساناً في أُمَّةٍ جُلُّها المسوخُ، فهُوَ بؤسٍ وَ شَقاءٌ وَ عذاباتٌ تنخرُ بي نخراً بلُبِّ الفُؤاد! وَ أَنا أَنا، لا أَكونُ إِلَّا أَنا، وَ لَن يكونَ غيريَ أَنا؛ لأَنَّني أَنا..

– أَنا الدالُّ على الصِّراطِ في زمنِ الفوضى!

– أَنا الّذي وُلِدتُ فَسُجِنتُ ثُمَّ قُتِلتُ في زمانٍ غيرَ زماني، وَ في مكانٍ غيرَ مكاني!

– أَنا العازِفُ على أَوتارِ الفِطَرةِ الإِنسانيَّةِ النبيلَةِ في صَخَبٍ يزدادُ هَذياً وَ هذياناً بينَ المسوخ!

– أَنا أُمٌّ ثكلى تلدمُ صدرَها؛ حُزناً على فَقيدِها الحَبيب!

– أَنا بحرٌ زاخِرٌ مِنَ الحقائقِ وَ الخفايا وَ الأَسرارِ يتوقُ للجَفافِ سريعاً عاجِلاً دُونَ انتِظار!

– أَنا ثورةُ بُركانٍ يَسيرُ على قَدمينِ بصَمتٍ كَئيب!

– أَنا شجرةٌ باسقةٌ مُعطاءٌ يرميها الجاحدونَ الحاقدونَ الحاسدونَ بأَحجارِهم، فأُواري الدموعَ وَ أُخفي نزيفَ الْجِراحِ وَ أُواصِلُ العَطاءَ ليتفيَّأَ الآخرونَ بظِلاليَ وَ مِن ثماريَ يأَكلون!

– أَنا حَمامَةٌ بيضاءٌ تتراقَصُ أَلماً على سِكِّينِ ذابحيها وَ الدِّماءُ الطاهِراتُ مِنها تسيلُ سيلاً هادِراً دُونَ انقِطاع!

– أَنا طِفلٌ كَبيرٌ يبتَلِعُ الصُراخَ؛ جُرحاً على فَقدِهِ الحَنان!

– أَنا نجمةٌ شعَّت بنورِها في هُدوءٍ بعيداً عنِ الأَضواء، وَ سأَغيبُ قريباً في هُدوءٍ مُماثِلٍ أَيضاً بعيداً عَنِ الأَضواء!

هذا أَنا فمَن أَنت؟

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *