Share Button

 

طاف بخلدي وأنا أقرأ بكتاب الله الكريم ما أورده القرطبي في كتابه الجامع لأحكام القرآن الكريم بأن زليخا قالت ليوسف الصديق حين همت به
“يا يوسف ما أحسن صورة وجهك
قال في الرحم صورني ربي .
قالت يا يوسف ما أحسن شَعرك .
قال هو أول شئ يَبلي مني في قبري قالت يا يوسف أدنو منك وتتباعد مني ؟!
قال بلغة الواثق أريد بذاك القرب من ربي
قالت يا يوسف القيطون ( الحجرة التي أُعدت للنوم ) فأدخل معي
قال و الأسي يبدو علي وجهه
القيطون لا يسترني من ربي .
قالت يا يوسف فراش الحرير قد فرشته لك فأقضِ حاجتي فانتفض وقال إذاً يذهب من الجنة نصيبي .
وقد طُفت بما سجله الإمام الألوسي أن زليخا قامت إلي صنم مكلل بالدر والياقوت في ناحية البيت فسترته بثوب أبيض بينها وبينه فقال أي شئ تصنعين ؟!
فقالت أستحي من إلهي أن يراني علي هذه السوأة فقال تستحين من صنم لا يأكل ولا يشرب ولا أستحي أنا من إلهي الذي هو قائم علي كل نفس إذا كسبت !
ثم اكفهر وجهه وعلا صوته وقال في حزم
_ و قد إعتلت قسمات وجهه علامات الغضب و الإصرار _
لا تناليها مني أبدا
و قد بحثت عن الرواية في التوراة لأعقد مقارنة بين القصة كما حكاها القرآن الكريم وكما روتها التوراة ، وغني عن البيان أن
1- أن القصة القرآنية مصدرها إلهي في حين أن القصة التوراتية مصدرها إنساني ولقد تبدت الخلافات جلية في
2- أن القصة في التوراة إهتمت بالتفاصيل التاريخية فبينما تعتبر التوراة كتابا في التاريخ ومصدرا من مصادره في رأي كثير من المؤرخين نجد أن القرآن الكريم يعطي فلسفة في التاريخ تتغاضي عن ذكر التفاصيل التاريخية وتهتم بالدروس المستفادة من التاريخ
3- كما يركز القرآن الكريم علي المبادئ والقيم الموجهة للتاريخ الإنساني كما يربط سيرته بالدين والأخلاق علي خلاف التوراة التي رغم إهتمامها بالتاريخ إلا أنها وجهته وجهة عنصرية تخدم التاريخ اليهودي فقط وكل ذلك إستجابة للطبيعة التي تحفل بأدق التفاصيل والجزئيات بحياة الإنسان وتعدو وراءها في كل صوب علي أمل أن تخرج منها بأثر أو فائدة هي في طبيعتها أقرب ما تكون الي الجانب المادي وأبعد ما تكون عن الجانب الروحي ومن أمثلة ذلك الإهتمام بالجزئيات التاريخية كتحديد موقع وسكني يعقوب في أرض كنعان وتحديد عمر يوسف زمن وقوع القصة والأماكن مثل بلده شكيم وحبرون كما يرد بالتوراة ذكر روبين الذي خلص يوسف من براثن إخوته واقترح عدم قتله و إلقائه في الجب كما يرد إسم يهوذا الذي اقترح بيع يوسف وكذا تحديد المواقع الجغرافية لسكن يوسف و إخوته وذكر القافلة التي كانت مقبلة علي مصر والتي اشترت يوسف وثمن بيعه وفي التوراة قص يوسف الرؤيا علي أبيه و إخوته كما إهتمت التوراة بذكر بعض الوظائف كرئيس الشرطة ورئيس الطهاة ورئيس الخبازين ورئيس السقاة وساقي الملك وتحديد الزمان والمكان وتجعل قصة يوسف في التوراة قصة تاريخية بدأت بسيطة ثم تشابكت مع نمو الحدث وتعقدت من خلال هذه التفاصيل الدقيقه في حين أن القرآن الكريم لم تحفل القصه فيه بذكر هذه التفاصيل وركزت علي الدرس التاريخي والموعظه الدينيه والاخلاقيه المستفاده من القصه
4- وهناك وجه اخر من اوجه الخلاف فقصه التوراة خالية تماما من الأهداف الدينية في حين أن القصة في القرآن الكريم هدفها الدعوة للتوحيد والتركيز علي المبادئ والقيم الأخلاقية وقد أبرزت القصة القرآنية جهد يعقوب ويوسف كنبيين في الدعوه الي التوحيد بين المصرين و أبرزت سلوكهما النبوي
5- والوجه الآخر في الخلاف هو الجانب الأخلاقي فأبرزت قصة القرآن الكريم سلوك يعقوب ويوسف و ردود أفعالهما النبوية المنزهة عن الأخطاء في حين أظهرت القصة التوراتية العكس إذ أظهرت القصة في التوراة فعل يعقوب حين علم بافتراس الوحش ليوسف فمزق يعقوب ثيابه ووضع مسحا علي حقويه وناح علي إبنه أياما كثيره فقام جميع بنيه ليعزوه فأبيَ أن يتعزي فقال إني أنزل إلي إبني نائحا إلي الهاوية بينما رد فعل القرآن الكريم تجاه نفس الحدث هو “فصبر جميل والله المستعان علي ما تصفون”
و هو ما يليق بمقام النبوة و جلالها
6- والوجه الآخر في الخلاف هو ما يخص البنية الأدبية ففي القرآن الكريم تلاحظ ان العناصر الفنية في القصة قد تكاملت أركانها والمدخل هو حكايه الحلم وتسلسل الأحداث تدريجيا إلي أن تصل ذروتها ثم تبدأ بالدخول الي مرحلة الإنفراج وتنتهي بنفس البداية ويكتمل هذا البناء من خلال الهدف الديني والأخلاقي بالقصة حيث يتعرف القارئ للقصة القرآنية علي الحدث والهدف الديني والأخلاقي منه في نفس اللحظة وبسبب هذا وردت القصة القرآنية قوية في أسلوبها موجزة في عرضها فالتركيز ليس علي الأحداث لكن علي القيمة الدينية والأخلاقية للأحداث وهذا وجه خلاف بين القصتين 7- كما تلاحظ أن الرواية القرآنية تنغمس في مسحة درامية تشعر بها في صفات الشخصيات وكلماتها التي يتحرك بها المشهد القرآني فهناك قدر كبير من حرارة الروح في كلمات يعقوب ومشاعره وتتجلي تلك الصفة في طريقته في تصوير أمله حين يدفع بنيه إلي أن يتحسسوا يوسف وأخيه .
وامرأة العزيز تتحدث في رواية القرآن بلغة تليق بضمير إنساني وخزه الندم وارغمته طهارة ونزاهة يوسف علي الاستسلام فإذا بها تعترف بفعلتها وتقر بخطيئتها
8- في حين أن الرواية التوراتية تبالغ بعض الشئ بوصف الشخصيات المصرية الوثنية بأوصاف عبرانية
(يراجع في ذلك كتاب قصة يوسف وزليخا في الأدب الفارسي ومصادرها في التوراه والقرآن الكريم للدكتور رمضان رمضان متولي ص 15 و ص 25 إلي ص 30 )
وقد اعتمد الباحث الدكتور رمضان رمضان متولي علي ما ورد بين دفتي سفر التكوين طبعة جمعية الكتاب المقدس بالقاهرة (يراجع ذات المرجع السابق ص 15 و ص 25)
9- وقد أدمت الطواف بالقصة القرآنيه فالفيتها واسلوبها يتسم بالقوة والإيجاز والسهولة في التعبير والمباشرة في توصيل الفكرة بينما أغرقت قصة التوراة في التفاصيل الكثيره التي أدت إلي تخلخل وضعف بنيتها الأدبية وتعدد الأساليب الواردة فيها مع مرور الزمن وكثرة الإضافات وكذا المحذوفات من القصة خلال تدوينها
10- بالإضافة إلي ما سبق فإن حل عقدة القصة حمل طابع السرد في الرواية التوراتية حيث طُويت الفصول الأخيرة للقصة علي تفاصيل مادية عن إستقرار العبرانيين في مصر أما القرآن الكريم فإن هذا الحل يدور حول الطابع المميز للشخصية المحورية يوسف وقد مكن ذلك المنهج القرآني من الوفاء بحق هذه الشخصية ومنحها الدور التي تستحق في تحريك الأحداث وتطويرها ودفعها إلي الغاية المنشودة منها هذا الجانب المرتبط بالبنية الأدبية يشير إلي المصدر الإلهي فهي قصة ذات حبكة فنية عالية ليس بها خلل أو نقصان من أي جانب ورغم خلوها من التفاصيل إلا أنها سريعة الوصول إلي ذهن القارئ و وجدانه وهو ما يقطع أن الله تعالي حفظ كتابه وأنزله لنقرأه تدبرا ونتأمله تبصرا ونسعد به تذكرا ونحمله علي أحسن وجوهه ومعانيه ونصدق به ونجتهد علي إقامة أوامره ونواهيه ونجتني ثمار علومه النافعة الموصلة الي الله سبحانه من بين رياحينه وأزهاره فهو كتاب لا تفني عجائبه ولا تقلع سحائبه ولا تنقضي آياته ولاتختلف دلالاته كلما ازدادت البصائر فيه تأملا وتفكيرا ازدادت هداية وتبصرا وكلما بجست معينه فجر لها ينابيع الحكمة تفجيرا فهو نور البصائر وشفاء الصدور وحياة القلوب ولذة النفوس ورياض الجنان وحادي الأرواح إلي بلاد الأفراح فسبحان الله ماذا حرم المعرضون عن نصوص الوحي واقتباس العلم من مشكاته من كنوز الذخائر ؟!
وللحديث بقيه …
المستشار : عادل رفاعي 🌹❤️

Share Button

By ahram misr

رئيس مجلس ادارة جريدة اهــــرام مــصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *